يشهد المشهد السياسي في بغداد تراجعًا ملحوظًا لتأثير طهران أمام نفوذ مرجعية النجف الدينية، بزعامة رجل الدين علي السيستاني. يأتي هذا التطور رغم محاولات دوائر في الحرس الثوري الإيراني دفع فصائل مسلحة لممانعة التحولات الداخلية التي تهدف إلى حل السلاح "المتفلت" ودمج قوات الحشد الشعبي.
صراع صامت وتحديات للحكومة
تكشف مصادر مطلعة أن بغداد تشهد حاليًا "صدامًا صامتًا" بين مشروعين يتنازعان على مصالح شيعة العراق. يواجه التحالف الحاكم والحكومة العراقية صعوبات كبيرة في إحداث تغييرات جوهرية بسبب القيود الإيرانية، حيث تسعى طهران إلى إعادة بناء قدراتها وتعتبر الفصائل المسلحة وكلاء ضروريين لأي حرب محتملة.
في المقابل، تتابع مرجعية النجف بقلق بالغ "لحظة مقلقة غير مسبوقة يمر بها النظام السياسي"، حيث يواجه النظام خطر فقدان قدرته على الاستمرار في ظل تحولات إقليمية متسارعة.
"كتائب حزب الله" تهدد رئيس الحكومة
في حادثة تعكس التوتر المتصاعد، أظهرت "كتائب حزب الله"، أحد أبرز وكلاء إيران في العراق، موقفًا دفاعيًا ومنفعلًا. ووجه أحد قادتها الميدانيين، جمال مهلهل، تهديدًا صريحًا لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، محذرًا إياه من "الاحتكاك مع القوات الأمنية"، ومؤكدًا أن حلمه بولاية ثانية "لن يتحقق".
تأتي هذه التهديدات بعد اشتباك نادر وقع في 27 يوليو بين قوات الجيش والشرطة العراقية ومسلحين من "الكتائب" على خلفية مزاعم بمصادرة أراضي زراعية في حزام بغداد. ورغم عدم وضوح تفاصيل الاشتباك، فإن قياديًا أمنيًا في "الكتائب" أقر بوقوعه، معلنًا في الوقت نفسه عن إنهاء الفصيل لمشروعه الأمني في المنطقة، ما يشير إلى خسارة نفوذ له في مناطق ذات غالبية سكانية سنية.
ضغط إيراني لـ"ممانعة نزع السلاح"
تزامن انفعال "الكتائب" مع وصول رسالة إيرانية إلى قادة الفصائل المسلحة في بغداد، تحثهم على "الجهوزية ضد خطر وشيك". ووفقًا لمصادر من فصيلين مسلحين، أبلغ قادة من الحرس الثوري الإيراني، من بينهم قائد قوة القدس إسماعيل قاآني، الفصائل بضرورة "ممانعة نزع السلاح بكل قوة"، لأن "كل قطعة سلاح سيكون لها دور أكبر في المرحلة المقبلة"، في إشارة إلى استراتيجية طهران لكسب الوقت وإعادة بناء قدراتها العسكرية.
في الوقت نفسه، تتصاعد الضغوط الأمريكية على بغداد، خاصة فيما يتعلق بقانون الحشد الشعبي. فقد حذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن القانون يمنح "رخصة قانونية لتكريس نفوذ إيران"، بينما هددت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بأن تشريعه "عمل عدائي ضد واشنطن" قد يعرض العراق لعقوبات صارمة.
ويرى قيادي بارز في التحالف الحاكم أن الضغط الأمريكي قد يصبح "خانقًا" ليشمل التحالف الحاكم بأكمله، وليس فقط الفصائل المسلحة.