في ظل غياب أي مؤشرات على انفراجة في التوترات الدبلوماسية المتفاقمة مع باريس، تشنّ الجزائر حملة واسعة لتقليص نفوذ اللغة الفرنسية وتعزيز مكانة الإنجليزية في مختلف القطاعات الرسمية. وتأتي هذه الحملة كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الفرنسي، حيث تشهد البلاد سلسلة من الإجراءات التعليمية والإعلامية والخدمية التي تهدف إلى ترسيخ اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أساسية.
شركات حكومية رائدة في تبني الإنجليزية
أعلن المشغل الحكومي للهاتف الثابت "اتصالات الجزائر"، في 10 أغسطس، تخليه عن اللغة الفرنسية في جميع تعاملاته الإدارية والتعاقدية والخدمية مع الزبائن. وأوضحت الشركة في بيان رسمي أنها اتخذت "خطوة جديدة في إطار تحديث وتحسين خدماتها، من خلال اعتماد اللغة الإنجليزية في فواتيرها وإيصالات الدفع التي أصبحت تُحرَّر ابتداءً من الآن باللغتين العربية والإنجليزية."
وأكدت الشركة أن هذا القرار يهدف إلى تحسين تجربة زبائنها وتلبية "تطلعات شريحة واسعة من زبائنها، خصوصاً المقيمين والعمال الأجانب، والشركات متعددة الجنسيات، وطلاب الجامعات والمهنيين الذين يستخدمون الإنجليزية في أعمالهم وعلاقاتهم."
ولم تكن "اتصالات الجزائر" الوحيدة في هذا التوجه. فقد سبقتها شركات حكومية كبرى أخرى في اتخاذ قرارات مماثلة، بالتزامن مع تصاعد الأزمة مع فرنسا التي اندلعت في صيف العام الماضي. ففي أبريل، أعلنت الخطوط الجوية الجزائرية أن تذاكرها ستُحرَّر باللغتين العربية والإنجليزية فقط، في تحول عن الاستخدام المزدوج للعربية والفرنسية.
وأوضح مسؤول في الخطوط الجوية الجزائرية أن القرار "اتُّخذ تماشياً مع ما يجري استعماله في شركات طيران عربية ودولية أخرى." وأضاف أن "الإنجليزية لغة عالمية، أما استعمال العربية فيعود إلى شراكاتنا مع دول عربية تفضل استخدام العربية في تواصلها الجوي."
تأييد مجتمعي للتحول اللغوي
لقيت هذه التحركات ترحيباً واسعاً على المستوى المجتمعي والمهني. وفي تصريحات صحفية، وصف مصطفى زبدي، رئيس "الجمعية الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك"، قرار "اتصالات الجزائر" بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح."
وأكد زبدي أن "اللغة الإنجليزية تهيمن اليوم على مجالات العلوم والتكنولوجيا، وقد أصبح التوجه نحوها ضرورة للحاق بالركب العالمي الذي تجاوزنا." وأشار إلى أن هذا التوجه "براغماتي" و "لا علاقة له بالآيديولوجيا"، مؤكداً أن "ضعفنا في إتقان الإنجليزية يظهر جلياً في تعاملاتنا مع الدول الأنغلوسكسونية."
خلفيات التوتر الدبلوماسي
تأتي هذه الحملة في خضم توترات دبلوماسية مستمرة بين الجزائر وفرنسا، والتي تصاعدت بشكل كبير بعد إعلان الإليزيه انحيازه للمغرب في نزاع الصحراء الغربية. وتُعتبر هذه الإجراءات، التي تستهدف تقليص نفوذ اللغة الفرنسية، جزءًا من استراتيجية أوسع للجزائر لإعادة رسم علاقاتها الخارجية وتقليل الاعتماد على فرنسا في مختلف المجالات، بدءاً من الثقافة واللغة وصولاً إلى الاقتصاد والسياسة.
وتبقى الأجواء متوترة بين البلدين، على الرغم من لقاء الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مع وزير الخارجية الفرنسي في 6 مارس الماضي، حيث لم تسفر هذه اللقاءات عن أي بوادر حقيقية لانفراج الأزمة.