عادت أعداد من السودانيين النازحين واللاجئين إلى بلادهم بعد أن استعاد الجيش سيطرته على العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة المجاورة. لكن الأوضاع على الأرض بعيدة كل البعد عن التوقعات، إذ يصطدم العائدون بواقع مرير في مدن محطمة تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية، وأبرزها انعدام فرص العمل.
تحديات العودة: من الأمل إلى الصدمة
عبرت نجود ساتي، التي عادت إلى السودان بعد عام من اللجوء في مصر، عن صدمتها بالوضع الحالي، قائلةً إن الحياة في البلاد أصبحت أكثر قسوة مما كانت عليه قبل الحرب. كانت نجود تأمل في إعادة بناء حياتها من الصفر عبر تجهيز متجرها الصغير، لكنها وجدت منزلها قد سُرق بالكامل.
مثل نجود، يتدفق آلاف السودانيين يوميًا إلى وطنهم، ليجدوا أنفسهم في ظروف معيشية صعبة للغاية. تشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية إلى أن حوالي 1.3 مليون سوداني قد عادوا بالفعل، بينما تُتوقع عودة 2.1 مليون شخص بحلول نهاية العام. ومع ذلك، فإن غالبيتهم يواجهون صعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يدفعهم للاعتماد على المساعدات التي تقدمها المنظمات الخيرية المحلية.
أزمة البطالة: أكبر تحديات العائدين
يشكل فقدان فرص العمل التحدي الأكبر للعائدين. يقول جعفر عثمان، وهو أب لأربعة أطفال عاد إلى منزله في منطقة شرق النيل، إن همّه الأساسي هو العثور على أي عمل لإعالة أسرته. كان جعفر يعمل قبل الحرب في بيع الخضراوات، لكنه يضطر الآن للعمل كعامل بناء بأجر زهيد لا يكفي حتى لتوفير وجبة واحدة يوميًا.
وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فقد أكثر من 3 ملايين سوداني وظائفهم خلال الحرب، خاصةً العاملين في القطاع الخاص والأعمال الحرة. يرى الخبراء الاقتصاديون أن هذا القطاع هو الأكثر تضررًا، كونه أكبر مشغل للعمالة في البلاد. ويشير الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أنه من الصعب توفير فرص عمل في هذه المرحلة، وأن معظم العائدين يعتمدون على التحويلات المالية من الخارج كمصدر دخل ثابت.
على الرغم من ذلك، يرى الناير أن هناك عودة تدريجية للنشاط التجاري في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ما يوفر مصادر دخل مؤقتة لبعض العائدين. كما أن عودة المواطنين إلى منازلهم تسهم في تعزيز الأمن، مما يشجع الدولة على تسريع عملية توفير الخدمات الضرورية لعودة الحياة إلى طبيعتها.
صعوبات إعادة الإعمار وأثرها الاقتصادي
يؤكد الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن التحدي الأكبر يكمن في تأمين مصادر دخل مستدامة للعائدين الذين فقدوا كل شيء. يرى فتحي أن عملية إعادة الإعمار تتطلب دعمًا خارجيًا كبيرًا لجذب المستثمرين ورؤوس الأموال.
تسببت الحرب في دمار واسع، حيث تشير تقديرات الخبراء إلى تدمير القطاع الصناعي بنسبة 75% والقطاع الخدمي بنسبة 70%. وتوقع بنك التنمية الأفريقي انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسودان بنسبة 0.6% خلال عام 2025 بسبب استمرار ضعف الأنشطة الاقتصادية.
كما أدت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى تدمير القطاع الصناعي في مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم، بحري، وأم درمان)، وهو ما يمثل حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد يستغرق هذا القطاع سنوات للتعافي، ما لم تتوقف الحرب على الفور.
أزمة إنسانية متفاقمة
تفاقمت الأزمة الإنسانية مع عودة أعداد كبيرة من السكان إلى مدنهم المدمرة. تُقدر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف السكان، أي نحو 26 مليون شخص، يواجهون نقصًا حادًا في الأمن الغذائي. كما أن 8.5 مليون شخص في حالة طوارئ غذائية، بينما يواجه 800 ألف شخص خطر المجاعة، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية وجهود الإغاثة المكثفة.