كان من اللافت أن يستمر أفيخاي أدرعي كعادته في التطفل على المصريين بأن يكتب رثاء للفنانة المصرية الراحل شويكار، ولكن أفيخاي خرس عن كتابة أى كلمة لرثاء الفنان سمير الأسكندراني ، ومن يعرف تاريخ سمير الأسكندراني يعرف سر كراهية إسرائيل له، والسر وراء عدم تطفل أدرعي كعادته على المصريين في مثل هذه المناسبات . فقد ودعت مصر الفنان سمير الأسكندراني الذ قدم حياته فداء لها وخاطر بسلامته الشخصية من أجل خدمة بلاده ولا يعرف كثير من شباب الجيل الحالي أن سمير الأسكندراني أحبط محاولة لاغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهى محاولة من بين عشرات المحاولات الفاشلة التي حاولت إسرائيل من خلالها قتل عبد الناصر، كانت بداية لعبة القدر التي رسمت حياة استثنائية لسمير الأسكندراني بعد أن حصل على منحة دراسية إلى إيطاليا في سنة 1958، ويوما سافر الشاب المصري ابن الدرب الأحمر لإيطاليا وصدره مفتوحا للدنيا ومليئا بالأمل مع مهارات تندر أن تتوفر لشاب مثل سنه، شاب مصري متحرر يتحدث 5 لغات يعشق الفن والحياة، حيث خدع مظهر سمير الأسكندراني كشاب متحرر يعشق السهر والحياة عيون صيادو الفرائس العرب في أوربا ليعرض شخص مصري يهودي يعرف باسم سليم ويحمل جواز سفر أمريكي على سمير الأسكندراني أن يعمل مع منظمة لنشر السلام حول العالم باسم ( منظمة الحبر الأبيض لمكافحة الإلحاد والشيوعية) ، وقدم سليم سمير الاسكندراني إلى مسئول المنظمة في أوربا الذي عرفه باسم جوناثان شميت، وهو ما جعل الشاب المصري الوحيد في أوربا يعلم أنه في خطر حقيقي، ويقرر أن يساير سليم وجوناثان شميت حتي يستطيع أن يعود لمصر بدون أن يعرض حياته للخطر، خصوصا وأن سامي شقيق لسمير الأسكندراني كان يعمل في نفس الوقت في النمسا وكان من الممكن أن يتعرض هو نفسه أيضا للخطر إذا رفض سمير الأسكندراني الاستجابة لمحاولة تجنيده.
تدريبات على الكتابة بالحبر السحري وجمع المعلومات
انغمس سمير الأسكندراني في تدريبات على الحبر السرى وعلى كيفية جمع المعلومات ، وطلب جوناثان من سمير التطوع في الجيش المصري بعد أن يعود لمصر بحيث يكون قادرا على جمع المعلومات من خلال خدمته في الجيش، وهو ما قابله سمير الأسكندراني بذكاء فائق بأن طلب في أن يقوم بذلك بالمزيد من المال ، وأقنع سمير الأسكندراني جوناثان شميت بأنه سيقول لمن يسأل عن مصدر المال الذي معه أنه كان يعمل في ملهي ليلي في إيطاليا، وعندما اطمأن جوناثان شميت لسمير الأسكندراني كان من الممكن أن يعود لمصر بدون أن يثير شكوك جوناثان شميت ومن يعمل معه من عناصر الموساد المنتشرة في كل مكان في أوربا تراقب كل حركة يقوم بها شخص مصري هناك، وفي بيت العائلة بالغورية في القاهرة أسر سمير الأسكندراني بكل ما حدث معه لوالده الذي اتصل هاتفيا بمسئول أمني يعرفه، وعندما تحدث سمير الأسكندراني مع هذا المسئول في الهاتف رفض أن يفصح عن شئ لكن نقطة الانتباه التي لفتت اهتمام هذا المسئول بما يقوله سمير الاسكندراني له هو أن سمير رفض طلب المسئول بأن يزوره في مكتبه وأصر سمير الاسكندراني على أن يتلقي به في جروبي وأن يكون معه سيدة يقدمه له على أنه زوجته، وهنا شعر المسئول الأمني أن يتحدث على الطرف الآخر من الهاتف مع شخص مدرب تدريبا راقيا على أعمال المخابرات .
طاولة في جروبي ولقاء مع الضابط جعفر
في جروبي جلس سمير الأسكندراني على طاولة مستقلة، ثم بعض قليل دخل المسئول الأمني مع زوجته فاصطنع سمير الاسكندراني المفاجأة وتناولا مرطبات في جروبي ثم خرج الثلاثة ليستقلا سيارة فيات 1300 يقودها المسئول الامني ووفقا للعادات المصرية فإن صاحب السيارة عندما يكون بصحبة شخص غريب يجلس بجواره وتجلس زوجته على المقعد الخلفي، وظلت السيارة تسير بالثلاثة في اتجاهات مختلفة، ثم عطفت السيارة إلى شارع جانبي ظهر أنه خالي من المارة والسيارات تماما إلا من سيارة سوداء يقودها شخص قدم له نفسه باسم ( جعفر ) ركبها سمير الأسكندراني لتقله لمبنى في مصر الجديدة وهناك جلسة جلسة مطولة مع الضابط ( جعفر). وعلى الرغم من الارتياح السريع الذي شعر به سمير الاسكندراني للضابط ( جعفر) وطريقته العفوية في قيادة السيارة السوداء وعينه تري بمهارة كل زواية في خلفية السيارة. إلا أنه رفض أن يفصح عن المزيد مما في حوزته إلا لشخص يعرفه شخصيا، وعندما سأل الضابط ( جعفر) عن الشخص الذي يريد سمير الأسكندراني أن يبوح له لمزيد قال سمير الأسكندراني أنه لا يعرف إلا جمال عبد الناصر، لم يعضب الضابط ( جعفر) من الشاب سمير الأسكندراني ولم يلجأ للضغط عليه بل اكتفي بأن طلب له شاي وشرب الضابط ( جعفر).قهوته ثم طلب من سمير العودة لمنزله وأن يتصل بالمسئول الأمني الذي قابله في جروبي إذا ظهر جديد.
فيلا مصر الجديدة ولقاء مع جمال عبد الناصر
بعد لقاء الضابط ( جعفر) بسمير الأسكندراني مر أكثر من شهر ونصف الشهر وكان من الطبيعي ألا يرسل سمير الأسكندراني اي رسالة لجوناثان شميت بناء على طلب الأخير حتي يقوم سمير بالتطوع بالجيش المصري، وكان أن قرر سمير الأسكندراني إهمال الموضوع بكامله بعد أن اراح ضميره الوطني وأبلغ بما لديه، ولكن المفاجأة أنه بعد شهر اتصل به ( جعفر) مرة ثانية وطلب منه اللقاء في مكان حدده له ، وركب ( جعفر) مع سمير الأسكندراني نفس السيارة السوداء التي أقلته إلى فيلا في مصر الجديدة، وبعد أن دخل ( جعفر) وسمير للفيلا حرص ( جعفر) على أن يتأكد من هدوء سمير الاسكندراني قبل أن يدخله لمكتب وجد فيه ( جعفر) نفسه أمام جمال عبد الناصر. يحكي سمير الاسكندراني عن مهارة ( جعفر) في أن يزيل رهبة لقاءه بجمال عبد الناصر، ويحكي سمير كل شئ لعبد الناصر في حضور ( جعفر) والذي بدا أن عبد الناصر يثق به بلا حدود، وفي نهاية اللقاء يطلب عبد الناصر من سمير الاسكندراني أن ينفذ تعليمات جعفر بكل دقة، بعدها حكي سمير الأسكندراني لجعفر عن خطة الموساد الإسرائيلي لاغتيال عبد الناصر عن عن طريق تجنيد شيف يوناني يعمل في محلات جروبي بالقاهرة وكان هو المكلف بتلك العملية وكانت الخطة علي حسب اعترافات هذا العامل نفسه بعد القبض عليه هي انه كان مقررا ان يراقب هذا الشيف واسمه "جورج ايستاماتيو" مواعيد الحفلات الرسمية التي يتواجد فيها عبدالناصر وتشرف محلات جروبي علي خدمة الطعام والشراب فيها وكان دوره ان يضع سم طويل المدي لعبدالناصر في طعامه الخاص بحيث لا يأتي هذا السم بمفعوله القاتل إلا بعد ستة أو سبعة أشهر وبالتالي يصبح من المستحيل اكتشاف تلك العملية.
سقوط موسى جود سوارد واستقالة إيسار هرئيل
بعدها تولى ( جعفر) بنفسه دور ضابط التشغيل لسمير الأسكندراني، وطلب منه أن يرسل لجوناثان رفضه التام لأن يتطوع في الجيش المصري ورفضه للاقتراب من أى شخص يخدم في الجيش المصري بزعم أن هذا يمثل خطر عليه، وهنا استطاع ( جعفر) أن يخدع الضابط الآخر على الجانب الإسرائيلي الذي يتولي التفريغ من سمير الأسكندراني فظهر سمير الأسكندراني مجرد شخص فاسد وخائن وجبان يبحث فقط عن المال ولا يريد تعريض حياته للخطر وليس له أى حماية من جهاز أمني في مصر، وعندما طلب جوناثان من سمير الأسكندراني إرسال أفلام مصورة عن مواقع في مصر له نفذ سمير الأسكندراني تعليمات ( جعفر) أن بالغ في طلب المال وطلب 3000 دولار مقابل هذه الأفلام قبل أن يرسلها، وطلب جوناثان من سمير الأسكندراني أن يستأجر صندوق بريد، وعلى هذا الصندوق تلقى سمير الأسكندراني العشرات من الأظرف البريدية في شكل خطابات عادية وداخل كل ظرف مبلغ مالي بالدولار الأمريكي، لتكشف هذه الأظرف عن شبكة من الجواسيس في كل أنحاء البلاد استطاع ( جعفر) أن يوجه رجاله لحصرهم بدون أن يلقي القبض عليهم، ووصلت ثقة جوناثان في سمير الأسكندراني للدرجة التي جعلته يطمئن له ويوفد له ضابط المخابرات الإسرائيلي موسى جود سوارد، جود سوارد، ووفعلا وصلا للقاهرة ليلتقي بسمير الأسكندراني، وهنا يقرر الضابط ( جعفر ) أن الثمرة قد طابت وحان وقت قطافها، فيصدر ( جعفر ) أوامره بالقبض على موسى جود سوارد وعشرات العملاء للموساد الإسرائيلي الذين سبق لهم أن أرسلوا خطابات بريدية بالدولارات لسمير الأسكندارني في واحدة من أهم العمليات الوطنية التي تحسب للفنان الراحل والضابط (جعفر)، وعندما حاولت المخابرات الإسرائيلية استعادة موسى جود سوارد عن طريق خطف سامي شقيق سمير الأسكندراني الذي كان يعمل في النمسا، لم تفلح لسبب بسيط، هو أن (جعفر ) كان قد أشرف بنفسه على عملية اختطاف لسامي وإعادته لأحضان أسرته في القاهرة بدون أن تشعر عيون الموساد في النمسا بأى شك، وأسفرت هذه العملية عن استقالة احد الاباء المؤسسين لجهاز الموساد إيسار هرئيل، وكان السبب المعلن للاستقالة هو الخلاف حول ملف العلماء الألمان في مصر، ولكن لم تعلن أى تفاصيل في وقتها عن ضربة ( جعفر ) للموساد وعملاءه، لكن من هو ( جعفر ) الذي لم يعرف سمير الأسكندراني نفسه اسمه الحقيقي طوال علمه معه ، ( جعفر ) هو صلاح نصر الذي قرر أن يدير عملية سمير الأسكندراني بنفسه وبإشراف مباشر من جمال عبد الناصر.