'مرسي الزناتي انهزم يا رجالة'.. إلا أن سعيد صالح، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، لم يرفع الراية البيضاء أبدًا، فالفنان الكوميديان الراحل بعد أن لمع في دور 'محفوظ أبو طاقية' بمسرحية 'هاللو شلبي' قبل ربع قرن، اختار بنفسه أن يعوم عكس التيار، لتظل الأمواج تتخبطه، حتى سقط في دوامة كبيرة لم يستطع الخروج منها ضيعت موهبة فنية كوميدية كبيرة، فهو اختار الطرق الوعرة لتشهد رحلته الفنية عثرات كثيرة، في حين أن رفيق دربه الزعيم عادل إمام، أصبح اليوم أحد أهم الفنانين في تاريخ الفن المصري والعربي.
سعيد صالح وإحلال في الأجيال الكوميدية
وسط مجموعة من الكوميديانات الذين ظهروا في منتصف الستينيات، كان سعيد صالح هو الأكثر انتشارًا وجماهيرية، والأعظم موهبةً، خاصةً بعد التقائه بالبطولة في مرحلة مبكرة من حياته الفنية، وأثبت ذلك خلال تقديمه مسرحية 'مدرسة المشاغبين' التي أكدت وقتها أن هناك عملية إحلال في الأجيال الكوميدية، وأن جيل عادل إمام، وسعيد صالح، ويونس شلبي، سيسحب البساط من تحت أقدام الجيل القديم، ليتولى بعدها 'إمام'، و'صالح' زعامة هذه المرحلة، ليصبح من العسير أن يتم تحديد أي منهما فارس المستقبل، حتى انفرد الزعيم واستقل عن المدرسة، بينما يواصل السعيد طريقه معها، ليسلم نفسه دون أن يدري لتجار الفن.
سعيد صالح: الفنان يعرض نبض الشارع ولن أتخلى عن المسرح السياسي
فسعيد صالح، وصل به الأمر إلى أن كان ينتقل خلال الموسم الواحد من القمة إلى السفح، ومن أمام الكاميرات إلى خلف القضبان، وظل يقاوح ويحاول في تقديم نفسه بدور المناضل المسرحي الشعبي، الذي تخرج من مدرسة السجن وانصهر في تجارب وخبرات الشارع، فقال سابقًا في حوار له: إن السياسة والفن عنصران مكملان لبعضهما ولا يمكن فصلهما؛ لأن الفن مرآة المجتمع فهكذا تعملنا، ويجب على الفنان أن يعرض نبض الشارع وأن يتحلوا بالجرأة.. وأنا عن نفسي لن أتخلى عن المسرح السياسي أبدًا'.
سعيد صالح صاحب مسرح لا يستطيع أحد تقديمه غيره
فهذه هي العقلية والأفكار التي خاض بها فناننا مشواره الفني، تمكنت منه على الرغم من الإنذارات ودخوله للسجن أكثر من مرة، وقال في حوار آخر: 'مسرحي مختلف تمامًا عما يقدمه أي أحد، ولا يجرؤ أن يقدمه أحد غيري، فأنا أحضرت كل القوى المعارضة ووضعتها على خشبة المسرح، واستعنت في بعض أعمالي بأحمد فؤاد نجم الذي قضى 18 عامًا خلف القضبان بسبب أشعاره، وليس هناك من يجرؤ على انتقاد السلام مع إسرائيل أو يهاجم التليفزيون كما أفعل.. وأنا تتراكم علي الديون لإصراري على تقديم مسرح على مزاجي الخاص ونجحت في ذلك ولكني خسرت كثيرًا في حياتي.. ومع ذلك سعيد في حياتي'.
سعيد صالح والرؤساء الثلاثة
كانت خفة ظل ومناضلة 'سلطان الكوميديا' من خلال مسرحه السياسي، سببًا في دخوله السجن، أكثر من مرة، وأشهرها التي وقف فيها على خشبة المسرح مرددًا جملته الشهيرة: 'أمي اتجوزت 3 مرات.. واحد أكلنا المش، والتاني علمنا الغش، والثالث لا بيهش ولا بينش'، ليرمز بهذه الجملة إلى رؤساء مصر الثلاثة، وهم: جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، ومحمد حسني مبارك، ليحكم عليه المستشار راغب سامي وقتها بالحبس 6 أشهر.
كان الفنان الراحل سعيد صالح يرى في نفسه امتدادًا لأجيال العظماء، سيد درويش، وبيرم التونسي، وفؤاد حداد، وصلاح جاهين، والشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم، لذلك سعى إلى إحياء المسرح الغنائي الساخر من خلال ما قدمه في 'كعبلون'، و'البعبع'، ولكن هذا اللون لم ينل قبولا لدي المنتجين، فلجأ إلى الإنتاج لنفسه ليفرض هذا النوع من الأعمال على خريطة المسرح المصري.
سعيد صالح منقذ الأدوار الثانية ومفسد السينما
وعلى الرغم من بطولته ونجوميته الكبيرة في المسرح، حب سعيد صالح للتمثيل جعله يقرر ويتجه إلى تقديم الأدوار الثانية في السينما، عندما وجد الجميع ينصرف عنها، وبعد أن رأى رحيل الفنانين الكبار زكي رستم، ومحمود المليجي، واستيفان روستي، وعبد الفتاح القصري وغيرهم، ليشكل وقتها مع الفنان عادل إمام ثنائيًا قويًا في عدد من الأعمال.
وفي حوار سابق له اعترف 'صالح' أيضًا بأنه كان يقبل المشاركة في أي عمل سينمائي حتى لو كان كومبارس من أجل الحصول على أموال ينفقها على خشبة المسرح، وهو الأمر الذي جعله أكثر الفنانين الذين واجهوا اتهامات بإفساد السينما بـ'أفلام المقاولات' خلال فترة الثمانينيات والتسيعينيات.
حلم سعيد صالح الذي لم يتحقق
عاش سعيد صالح في حياته يحلم بتقديم شخصية الفنان الكبير سيد درويش في عمل درامي، ولكنه لم يجد حماسًا من قبل قطاع الإنتاج التليفزيوني، على الرغم من أن 'درويش' قيمة كبيرة في تاريخ الفن المصري 'حسب وصفه'، ولم يحبط أو يمل من البحث عن تقديمه، حتى رحل عن عالمنا صاحب الشخصية الصاخبة دون أن يقدمها تاركًا خلفة إرثًا فنيًا كبيرًا لأكثر من 300 عمل بين المسرح والسينما والتليفزيون، رحل وما زال حتى اليوم يضحك الجميع بأعماله، رحل وهو يحلم بالتجديد في فن الكوميديا، رحل وهو يريد أن يعلي من قيمة المسرح المصري وأن يكون الفنان حرًا بإبداعه، رحل بعد أن كتب المرض في سطور تاريخه كلمة 'النهاية'.