شهد اليوم السادس من فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ندوة تحت عنوان 'النقد فى أفريقيا' ترجمتها أدارتها الإعلامية هالة الماوي بحضور السيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان وعدد كبير من النقاد .
فى البداية قال الناقد الفرنسى أوليفيه بارليه، إنه كلما زاد المنتج الفنى من أفلام وأعمال درامية، زادت مساحة النقد والتلقي الإبداعي، مشيرا إلى أن النقد فى تعريفه هو القدرة على التمييز وتحديد الجماليات، وليس له علاقة بما يدار على السوشيال ميديا، من مفاهيم خاطئة.
وأضاف 'بارليه' أن النقد له علاقة بالتعمق فى الفهم والفصل بين كل ما هو جيد وضعيف، لكن الأزمة أحيانا تتجسد فى العمل الفنى نفسه، فإذا لم يؤثر في المتلقى ، فهناك إذن مشكلة فى التواصل مع العمل، موضحا أن النقد الفنى نفسه لم يتغير لكن الوسائط التى يعرض من خلاله المنتج النقدى هى التى تطورت فى السنوات الأخيرة تطورا كبيرا.
وأشار الناقد الفرنسى إلى أن مصداقية الناقد تأتي من ثقافته وطريقة تفكيره، والجمهور يحب أن يسير وراء الناقد المثقف فنيا وسينمائيا، مشددا على أن الجمهور لا يعزف عن النقد بل أنه لديه شغف بالنقد، والدليل هو حرصه على حضور ورش تعلم النقد.
من جانبه قال الناقد المغربى عبد الإله الجوهرى، إننا أمام مستجدات فنية تهدد النقد الفنى نفسه، لكنه عاد وأكد أن الثورة التقنية رغم أنها أثرت على النقد وجعلت الكثير من النقاد يروا أن النقد يسير إلى حتفه، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والتى تختلف طريقة كتاباتها عن الكتابات النقدية الرصينة، لكنها أيضا أصبحت مسافة متاحة أمام الكثير من النقاد الجادين لإبداء رأيه.
واستشهد 'الجوهرى' برأى الشاعر الفرنسى شارل بودلير، وهو بأن 'ما أغرق النقد فى التفاهات هو أنه أصبح وظيفة من لا وظيفة له'، موضحا أننا إذا حاولنا إرضاء الجمهور فهو بالتأكيد سوف يؤثر على صناعة السينما، لافتا إلى أنه هناك غوغائية على وسائل التواصل الاجتماعى، بالعكس الناقد الذى لابد أن يمتلك أدوات التحليل.
وأتم 'الجوهرى' حديثه بضرورة أن نكون متفائلون جراء هذا التطور الكبير الذى يشهده عصرنا، لأن وسائل التقنيات الحديثة، أعطت للناقد وسيلة لمراجعة مقاطع من الأفلام مرة أخرى وقراءة ما كتب عنها، كما أننا الآن أصبحنا أمام شكل جديد للنقد فى الغرب، وهناك بعض الجرائد العالمية التي أنشأت مواقع إلكترونية خصيصا لهذه الشأن.
فيما قال الناقد السنغالى تييرنو إبراهيما، إن النقد فى مفهومه هو عمل قائم بين المشاهد والمنتج الفنى، وهنا تتجلى قوة الناقد فى الوصول بعناصر العمل الفنى للجمهور، لافتا أنه من وجود كتابة نقدية حقيقية، لابد من خلق مساحات بين الناقد وصناع السينما وبينه وبين الجمهور.
وتابع 'تييرنو' أن صفة من صفات الناقد الحقيقى هو التواضع والفضول، والنقد مثلما من الممكن أن يهاجم عمل من الممكن أن يحميه، وأحيانا من الممكن أن يمدح ناقد عملا فنيا لكنه يفشل جماهيريا وذلك ليس تفوق ذكاء الناقد على الجمهور، مشددا على أنه من الهام أن يتدقق النقاد ويتفحصوا جيدا العمل الذى يقومون بالكتابة عنه، لأن الناقد فى الأصل صحفى.
وقال الناقد الكبير كمال رمزى، إن حركة النقد المغاربية بها تطور كبير، بينما نحن لا نعرف شىء عن حركة النقد الأفريقية، مشيرا إلى أنه ضد مصطلح ديمقراطية الغوغاء لأن أى شخص دخل السينما من حقه إبداء رأيه فيما شاهده بالسلب أو الإيجاب ولا يتم اعتبار ذلك ديمقراطية غوغاء، واصفا من يرفضون ذلك بالكهنوت.
فى السياق ذاته قال الناقد أحمد شوقي، إن هناك مشاكل تواجه النقاد، تتمثل فى أن عدد كبير من الجرائد توقفت عن الصدور والبعض الآخر قلل مساحة النشر للمقالات النقدية، مشيرا إلى أنه رغم وجود قراءات ضعيفة على السوشيال ميديا، فأن الجمهور يميل دائما إلى الأراء التى تكمل وجاهة وفكر.
وأشار 'شوقى' إلى أن النقد القديم لا يختلف عن الجديد وفى الأساس هى افتراضية خاطئة لأن كبار النقاد دائما ما كنت أساليب تناولهم النقدى ولم يكن لديهم صورة واحدة للكتابة النقدية، ولابد أن نتصالح مع التطور الموجود حاليا، كما أننا لابد أن نعى أن هناك كتابات نخبوية يقرأها عدد قليل من الجمهور، وهناك كتابات قريبة أخرى أكثر قدرة على التواصل مع القراء وخلق حالة من الاستمتاع بالعمل لديه، وهى التى تربط العمل بسياقات أخرى اجتماعية أو تاريخية، وليس التى تكتفى بتحليل عناصر العمل الفنى فقط.
وقال الناقد أندرو محسن، إننا نحتاج كنقاد أن نكون قادرين على التغيير، والانتقال بسلاسة بين الوسائط المختلفة، وأن يكون لدينا أكثر من تحليل وسلاسة فى التناول النقدى وهو ما يخلق شريحة جديدة من القراء، لافتا إلى أنه من الضروري أن يكون الناقد واعى لنوعية الأفلام التى تعرض فالكتابة عن الأفلام التجارية مثلا تحتاج لإيقاع أسرع وطريقة أبسط فى عرض الرؤية التحليلية الفنية للعمل.
من جانبه قال الناقد التونسى كمال بن وناس، إنه علينا النظر إلى المستقبل وألا نظل نتسأل ماذا نفعل؟ وماذا نقدم لأن؟ ذلك يؤخرنا، موضحا أن مكانة الصحفى والناقد الكلاسيكي اندثرت، وأصبح هناك وسائل مغايرة للنقد الصحفى، موضحا أنه علينا النظر إلى الماضى وبحث تاريخ النقد خاصة على المستوى الاجتماعي والايدلوجى حتى نفهم حاضرنا، ومعرفة السياقات التاريخية لكل عمل.
وفى نهاية الندوة أعلن السيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان استمرار المناقشات فى هذا المحور إلى العام القادم وزيادة عدد الجلسات فى هذا الشأن.