ads
ads

نقاد يدقون ناقوس الخطر: صناعة السينما المصرية في ورطة

السينمات
السينمات

السينما المصرية، التي طالما كانت مرآة المجتمع وذاكرة أجياله، تعيش اليوم أزمة هوية وفنية واضحة، وفق ما يؤكده كبار النقاد، فالأفلام التي تتصدر شباك التذاكر في المواسم الأخيرة ـ مثل درويش، الشاطر، أحمد وأحمد، روكي الغلابة، والمشروع إكس، قد أثارت جدلًا واسعًا حول غياب السيناريو، تكرار القوالب، وسيطرة منطق 'أكل العيش' على حساب القيمة الفنية وفي هذا السياق، قدّم الناقدان جمال عبد القادر وسمير الجمل في حديثهما لجريدة أهل مصر رؤيتهما النقدية الصريحة، التي تكشف بوضوح ما آل إليه حال الصناعة خلال العقدين الأخيرين.

جمال عبد القادر: إيرادات ومطاردات وإفيهات.. لكن بلا فن

يقول الناقد الفني جمال عبد القادر:'السمة الأساسية في الأفلام خلال السنوات الأخيرة هي غياب السيناريو، فمنذ فترة طويلة لم نعد نشاهد سوى ما يمكن تسميته بـ'سينما المقاولات'، التي يدخل إليها المشاهد لمجرد قضاء وقت، ثم يخرج لينسى ما شاهده مباشرة، لم يعد الهدف هو تقديم سينما حقيقية، بل التركيز على الإيرادات ومغازلة شباك التذاكر، فيُنتج الفيلم وفق مقاييس الجمهور: بعض المطاردات، مشاهد أكشن، وفي النهاية ينتصر البطل كما في فيلم الشاطر، أما إذا كان العمل كوميديًا، فيكتفون بمجموعة 'إفيهات' ومواقف كوميدية، لكن هذه ليست سينما'.

جمال عبد القادر: من سينما المقاولات إلى سينما تُشبه السينما

وأضاف:'لقد أصبحنا منذ عشرين عامًا أسرى لما يُعرف بـ'سينما المقاولات'، الفرق أن سينما المقاولات قديمًا كانت قليلة التكلفة وضعيفة المستوى، أما اليوم فهي بلا فن أيضًا، لكنها غزيرة الإنتاج، خذ مثلًا فيلم المشروع إكس: إنتاج ضخم، سفر للخارج، مطارات، طائرات، تفجيرات.. لكن في النهاية: ما الذي نشاهده؟ لا توجد فكرة ولا وحدة فنية، بعض النجوم يعتبرون السيناريو عنصرًا ثانويًا؛ فإذا وُجدت مشاهد أكشن أو مطاردات فهي كافية للتغطية على العيوب، وإذا كان العمل كوميديًا فإن 'الإفيهات' تغني، بينما العمل الفني الحقيقي يحتاج إلى سياق يربط هذه العناصر، نحن اليوم أمام ما يمكن تسميته بـ'سينما تُشبه السينما': تصوير، شريط سينمائي، تمثيل، إخراج… لكن بلا فن'.

جمال عبد القادر: أين الفيلم الذي يعيش كما عاش نور الشريف وعادل إمام؟

وتابع جمال عبد القادر:'هات فيلمًا واحدًا من العشرين سنة الماضية قادرًا على أن يعيش أربعين أو خمسين عامًا كما عاشت أفلام نور الشريف أو عادل إمام أو محمود عبد العزيز، لن تجد. هات فيلمًا لو شاهدته مرة ثانية تشعر بالمتعة كما حدث مع أفلام الماضي، لن تجد أيضًا، اليوم يخرج المشاهد من صالة العرض، ولو طلبت منه أن يحكي قصة الفيلم سيتوقف، لا لأنه نسي، بل لأنه لم تكن هناك قصة أصلًا'.

وواصل:'العناصر الجوهرية لأي عمل فني ثلاثة: السيناريو، التمثيل، والإخراج، لكن السيناريو غائب، والتمثيل ضعيف، والإخراج كذلك، الشخصيات غير مرسومة، أمير كرارة يمثل أمير كرارة، وكريم عبد العزيز يمثل كريم عبد العزيز، فيلم المشروع إكس لا يختلف كثيرًا عن أعمال كريم السابقة، وبالتالي لا يوجد تمثيل حقيقي، ولو كان هناك إخراج واعٍ لبدأ المخرج بالعمل على السيناريو ثم على تفاصيل الشخصيات مع الممثلين، لكن هذا لم يحدث، ولهذا نشاهد ذلك العبث، نحن نصنع سينما تُشبه السينما فقط: إيرادات وميزانيات بلا أفلام حقيقية'.

جمال عبد القادر: الممثلون يكررون أنفسهم.. وكثرة الظهور تستنزف القيمة

وأكمل الناقد الفني حديثه قائلًا:'الغاية الوحيدة الآن أن يجتذب الفيلم الشباب في موسم الإجازة، يدخلون ويخرجون ليكتشفوا أن ما شاهدوه لا يتعدى 'إفيه' قاله مصطفى غريب، أو مشهد حركة لطائرة، أو لقطة بالـ'درون' لنتباهى بأننا متطورون، أما السينما الحقيقية فهي غائبة، لا توجد أعمال تبقى في الذاكرة كما بقيت أفلام الماضي، والدليل أنه حينما عُرضت في سينما زاوية أفلام مثل القمة وسواق الأتوبيس، اصطف الناس في طوابير أمام شباك التذاكر، نحن اليوم ندخل السينما لنضيّع ساعتين ثم نخرج وكأننا تلقينا صفعة: لا استمتعنا ولا انبسطنا، فقط أضعنا وقتنا وأموالنا، منذ عشرين عامًا ونحن نُباع الوهم، 'اللا شيء'.

وأردف:'حتى التمثيل أصبح 'شبه تمثيل'، والإخراج 'شبه إخراج'، يُنتج الفيلم ويُطرح في موسم العيد ليشاهده الجمهور في مصر والخليج، ومع فارق العملة تتحقق الأرباح للمنتجين، ثم يقال: 'هاتوا الفيلم اللي بعده'، أقصى طموح صنّاع السينما اليوم هو الإمكانيات المادية فقط، والممثلون يقدمون أقصى ما لديهم، والمخرجون لا يتجاوزون حدود 'تصوير الورق'، المخرج 'المجتهد' من وجهة نظر البعض هو من يقتبس كادرًا من فيلم أجنبي، أما الإخراج الحقيقي، برؤية وبصمة وصورة تنطق قبل أن يتكلم الممثل، فهذا غير موجود'.

وضرب عبد القادر الأمثال قائلًا:'خذ الممثلين على سبيل المثال: أمير كرارة لا جديد بين أدواره الحالية والسابق منها، كريم عبد العزيز كذلك: ما الفرق بين المشروع إكس وبيت الروبي أو البعض لا يذهب للمأذون مرتين أو محطة مصر؟ لا يوجد، إذا غاب السيناريو، وضعُف التمثيل، وتلاشى الإخراج، فما الذي يتبقى؟ لا شيء، الممثلة هنا الزاهد في الشاطر مع أمير كرارة لم تختلف عن أعمالها مع كريم عبد العزيز أو أحمد فهمي أو مع أي فنان، نفس الأسلوب ونفس 'المَرْمَطة' والضرب، وفي النهاية يتزوجها البطل وكأن هذا هو الحب!.. عمرو يوسف في فيلم درويش ربما كان 'أفضل السيئين'، إذ كان هناك وحدة موضوع، لكن السيناريو أيضًا مليء بالمشكلات، أما مصطفى غريب، فقد تحول إلى 'بيومي فؤاد جديد'، يظهر في كل الأعمال: أفلام، إعلانات، مسلسلات، صحيح أنها مرحلة انتشار ومن حقه أن يفرح، لكنه يجب أن يعي أن كثرة الظهور ستستنزفه سريعًا، وسيفقد قيمته عند الجمهور، وسينتقل الدور لغيره، النجاح لا يعني القبول بكل ما يُعرض، بل بالاختيار الواعي'.

جمال عبد القادر: النصيحة: العودة إلى صناعة السينما الحقيقية

وقدم الناقد الفني جمال عبد القادر نصيحته قائلًا:'النصيحة الأساسية هي العودة إلى صناعة السينما الحقيقية، حيث يكون الهدف تقديم فيلم متكامل العناصر: سيناريو، إخراج، تمثيل، إذا نجح فخير وبركة، وإن لم ينجح فهذه تجربة تُحسب، لكن ما يحدث الآن مجرد استجابة لشباك التذاكر: مطاردات، إفيهات، ثم حساب الإيرادات والانتقال إلى الفيلم التالي، إذن، ما الهدف الحقيقي لصُنّاع اليوم؟ هل هو شباك التذاكر فقط؟ أم السينما كفن وصناعة وتاريخ؟ هل يقدمون أعمالًا تعيش، أم مجرد حسابات مصرفية؟.. الفنان اليوم يعتبر نفسه ناجحًا لمجرد أنه مطلوب، ويتقاضى 20 مليونًا في الفيلم و30 مليونًا في المسلسل، فلماذا يبذل جهدًا أكبر من وجهة نظره؟ هكذا استمرت أزمتنا عشرين عامًا، وربما تستمر أكثر'.

جمال عبد القادر: الأمل في الجيل الجديد.. ومالك وداش وعمر ودسوقي أكثر وعيًا

واختتم عبد القادر حديثه قائلًا:'ومع ذلك، هناك بعض الأمل في الجيل الجديد: عصام عمر، طه دسوقي، أحمد مالك، وأحمد داش، ما زالوا في بداياتهم ويحاولون الاختلاف، طه دسوقي يتنوع من عمل لآخر، وكذلك عصام عمر، وأحمد مالك، وأحمد داش، هذا الجيل يبدو أكثر وعيًا من جيل استُهلك مبكرًا ورضخ للأمر الواقع، وربما يكون لديهم القدرة على أن يقدموا شيئًا مختلفًا حقًا'.

سمير الجمل: "الأفلام مجرد أكل عيش.. والمنتج لا يُلام"

من جانبه قال الناقد الفني سمير الجمل:'كل الأفلام التي تُعرض مؤخرًا تشبه بعضها، حيث يعتمد صناعها على أنماط معينة، وأصبح الأمر مجرد أكل عيش، وطالما يُقدَّم الفن بنفس هذا المنطق، فكل ما يحدث هو تقديم أفلام بتكلفة معقولة؛ بالكاد يحصل البطل على أجر مرتفع، بينما باقي فريق العمل مجرد سنيدة، وبعدها يُغطى التوزيع الداخلي والخارجي تكلفة الفيلم، ويجني المنتج بعض الأرباح، وكل سنة وأنتم طيبون'.

وأضاف:'ولا نلوم التاجر، فهذا عمله، لكن اللوم على الفنانين الذين يعملون على مدار الساعة: تمثيل، إعلانات، برامج، وأي سبوبة وخلاص، فمثلًا: أمير كرارة في فيلم الشاطر قدَّم تكرارًا، محاولًا الجمع بين الضحك وبعض مشاهد الأكشن المعتادة، أما دنيا سمير غانم في فيلم روكي الغلابة فهي فنانة ظريفة، لكن الفيلم في النهاية مجرد أكل عيش، وروكي الغلابة مأخوذ من عدة أفلام، أبرزها فيلم الممثل كلينت إيستوود الشهير 'فتاة المليون دولار' الذي رُشِّح للأوسكار، حيث استُنسخت تسريحة البطلة وشكلها لتُقدَّم في نسخة شعبية أُطلق عليها روكي الغلابة، بل نسخة حريمي من روكي'.

وتابع الناقد الفني:'أحمد السقا حصر نفسه في أدوار الأكشن المعروفة بـ'طاخ طيخ'، لكن هذا اللون انتهى، والسن لن يُسعفه في الاستمرار بهذا الطريق، ونصيحتي لكل الممثلين أن يفصلوا بين أكل العيش والفن، فمن منكم أنتج لنفسه فيلمًا عن شخصية أو قيمة ليخلّد اسمه؟ لا أحد تقريبًا'.

سمير الجمل: "العمل الجيد وحده هو الذي يبقى في ذاكرة الجمهور

'

واختتم سمير الجمل حديثه قائلًا:'الحقيقة أن العمل الجيد وحده هو الذي يعيش، فنحن لا نتذكر أفلام العيد الصغير ولا الكبير، ولا أغلب الأفلام التي عُرضت في السنوات الأخيرة، بينما لا تزال أعمال مثل شباب امرأة، شئ من الخوف، الزوجة الثانية حاضرة في الذاكرة، وحتى الأفلام الكوميدية، يكفي أن نذكر أن أعمال إسماعيل ياسين ما زال الناس يشاهدونها حتى اليوم'.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً