"اضطربت دقات القلب.. ثم أبطأت.. وتوقفت الحياة في الرابعة وثلاثين دقيقة"، تلك كانت اللحظات الأخيرة في عمر أم كلثوم وهي "فاطمة إبراهيم البلتاجي" الفنانة المصرية، التي دابت العالمين العربي والعالمي في القرن العشرين ولقبت بـ"كوكب الشرق" و"سيدة الغناء العربي".
توفيت أم كلثوم، عن عمر يناهز 71 عاما، وولدت في محافظة الدقهلية لإبراهيم البلتاجي مؤذن قرية طماي الزهايرة، مركز السنبلاوين، وكانت تحفظ وتغني القصائد والتواشيح هي وأخوها خالد إبراهيم البلتاجي، وفي حدود سن العاشرة تغنت أمام الجمهور في بيت شيخ البلد في قريتها.
من أهم أغاني كوكب الشرق: ولد الهدى، سلوا قلبي، نهج البردة لأحمد شوقي، رباعيات الخيام ترجمة أحمد رامي، أراك عصى الدمع لأبى فراس الحمداني والأطلال لإبراهيم ناجى.
ما بين 1916 و1919 التقت أم كلثوم باثنين من كبار الفنانين هما الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد، وقد استمع كلاهما إلى صوتها وامتدحا أداءها لكنها لم تتعامل معهما فنيا إلا عندما استقرت بالقاهرة.
عام 1920 تغنت أم كلثوم في القاهرة لأول مرة ثم عادت إلى قريتها مبهورة بأضواء العاصمة وأملت في العودة إليها مرة أخرى.
أم كلثوم تغنى للقصبجي:
في عام 1924 سجلت أم كلثوم بصوتها لإحدى شركات الاسطوانات أحد ألحان الموسيقار محمد القصبجى قبل أن تتعرف إليه هو طقطوقة قال إيه حلف ما يكلمنيش مقام راست من كلمات أحمد رامي، وكمن عثر على كنز قرر صاحب الشركة تعريفها بالموسيقار صاحب اللحن فقدمها إليه ثم قام القصبجى بتدريبها بعد ذلك كما تولى تعليمها المقامات الموسيقية والعود كما بدأ يلحن لها أغنيات خاصة بها وحتى عام 1928 كان قد لحن لها 17 أغنية ما بين الطقطوقة والمونولوج منها ينوبك ايه من تعذيبي، قلبك غدر بي، تراعي غيري، أحبك وانت مش دارى ونشأت بينهما صداقة فنية استمرت حتى وفاة القصبجى عام 1966.
تحولات سياسية في حياة "كوكب الشرق"
بعد ثورة يوليو التي اجتاحت مصر تم التعامل بعدوانية شديدة مع كل ما يخص عهد الملك السابق، فتم منع إذاعة أغاني أم كلثوم من الإذاعة نهائيا وطردها من منصب (نقيب الموسيقيين) باعتبارها (مطربة العهد البائد)، لم يكن هذا قرارا من مجلس قيادة الثورة لكنه كان قرارًا فرديًا تم اتخاذه من قبل الضابط المشرف على الإذاعة الرائد أحمد الكيلاني، وقد وصل الموضوع إلى جمال عبد الناصر شخصيا، الذي ألغى هذا القرار، ويذكر أن الذي أوصل إليه الموضوع هو مصطفى أمين في سبتمبر 1952.
كما لوحظ أن أغانيها السياسية التي غنتها آبان العدوان الثلاثي على مصرعام 1956 وعدوان عام1967 قد وحدت الشباب العربي تحت يافطة المقاومة ضد الاستعمار، وجهر ذلك الجيل بالمواطنة وبحبه لوطنه ولقضاياه القومية، فأمست السيدة أم كلثوم بحق موجدة الشعوب العربية تحت راية القومية العربية ومالكة قلوب الجماهير العربية من المحيط الى الخليج.
أنت عمري... لقاء السحاب:
تظل انت عمري أكثر أغنية لأم كلثوم حظيت بالاهتمام من الجماهير وترقب مولدها ملايين العرب وذلك بالمقارنة بما سبقها وتلاها من أغنيات..كانت اللقاء الكبير بين أم كلثوم وعبد الوهاب بعد انتظار دام ثلاثين سنة وأكثر.
ولهذا اللقاء قصة طويلة تبدأ من خمسة أعوام سبقت ظهوره للجماهير،فذات يوم دق جرس التليفون في بيت عبد الوهاب..وكان المتحدث أحمد شفيق كامل.
في ذلك الوقت كان عبد الوهاب يفكر في عمل مشترك بينه وبين أم كلثوم وعرض فكرته على أحمد الحفناوي عازف الكمان في فرقة أم كلثوم ورجاه أن يجس نبضها في ذلك الموضوع، فعاد إليه بعد أيام يعلن الموافقة المبدئية لأم كلثوم على هذا المشروع.
وحدث أن أصيب عبد الوهاب في الحادث المشهور حينما اعتدى عليه " مجنون عبد الوهاب " ونقل إلى المستشفى..
و زارته أم كلثوم وقتها وكان عبد الحليم موجودًا وفتح الكلام في الموضوع القديم – موضوع تلحين عبد الوهاب أغنية لأم كلثوم – وأبدت أم كلثوم استعدادها.
وعندما خرج عبد الوهاب من المستشفى كانت فكرة التعاون الفني بينهما قد استقرت في ذهن الاثنين وأخذ عبد الحليم يلح بها على رأس عبد الوهاب بين الحين والآخر وبعدها عرض عبد الوهاب مجموعة من الأغاني على أم كلثوم ومنها أغنية أحمد شفيق كامل التي أعجبت بكلماتها فاختارتها في منزل أم كلثوم اجتمع كل من أم كلثوم وعبد الوهاب وأحمد شفيق كامل لقراءة الأغنية من جديد.. واعترضت أم كلثوم على بعض الكلمات..وكانت الأغنية تبدأ بـ شوقوني عينيك لأيامي اللي راحوا" فغيرتها إلى “رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا".
وفي مقطع آخر “من حنان قلبي اللي بيشابي لحنانك" إلى “من حنان قلبي اللي طال شوقه لحنانك"، وقد اعترضت أم كلثوم على كلمة بيشابي..لأنها كلمة عامية تستعمل في مصر فقط..مع أنها تغني لكل الملايين العربية، ودافع أحمد شفيق كامل عن الكلمة بحرارة وقال أنها تشبيه لعواطف الطفل الذي يريد أن " يطول " شيئًا طالت لهفته عليه..ولكن أم كلثوم أصرت على أن اللغة العربية مليئة بالكلمات السهلة التي تؤدي إلى نفس المعنى..!
أما عبد الوهاب فقد اعترض على الكلمات التالية
"قد إيه من عمري قبلك راح وعدى
راح كأن العمر قبلك ليلة واحدة
ليلة من دمعي ومن نار الجراح "
فاستبدلها الشاعر بـ “قد إيه من عمري قبلك راح وعدى ياحبيبي
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا داق في الدنيا غير طعم الجراح "
مرضها
الأمر بدأ قبل ذلك بحوالي 4 عقود، فأزمة «ثومة» الصحية بدأت تطاردها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت البداية بمشاكل في الكبد والمرارة أطرحتها الفراش عام 1937، وكانت وصية الأطباء، أن تقضي فترة علاج بأحد البلدان التي تحتوي على المياه المعدنية، لكن الأمر تأزم بمشاكل في الغدة الدرقية عام 1946، جعلتها تفكر جديًا في التقاعد.
داهمتها الأزمة مرة أخرى في 1971، بالتهاب في المرارة جعلها تؤجل حفلاتها، لكن الكلى أبت إلا أن تٌلغي جميع حفلاتها بعد إصابتها الشديدة بها. كانت أم كلثوم في حيرة من أمرها طوال مشوار مرضها، فكانت بين آلام المرض المُبرحة، والأعراض الجانبية للعلاج على صوتها، مما جعلها تعاني اكتئابًا شديدًا طوال هذه الفترة.
بدأ قلب أم كلثوم يضطرب في اليوم التالي، اضطراب أفضى إلى أزمة قلبية، المشهد كان فوضويًا كتلك الخطوط على شاشة قياس ضربات القلب، الأطباء يهرعون، أحدهم يدلك قلب ثومة بعنف، كأنما يستعطفه أن يعود للخفقان، وآخر يتابع جهاز التنفس، وينفخ في جسد أم كلثوم الأكسجين بغزارة، واحتدم الأمر إلى حقنة في القلب لحثه على النبض، لكن كما تُغني هي «بالحب وحده أنا سلمت قلبي إليك»، فهي هنا كانت قد أسلمته إلى بارئها، وتحولت تلك الفوضى على شاشة دقات القلب إلى انتظام تام في خطٍ مستقيم، ليخفق قلب «ثومة» خفقته الأخيرة في فبراير عام 1975.
كان موكب جنازة أم كلثوم سيخرج من مسجد عمر مكرم، وكان الأمر مرتب ومنظم، لكن أثناء طريقه بشارع طلعت حرب، إذ تفيض الشوارع بسيل من البشر تناولوا جثمان «ثومة» واحدًا تلو الآخر متحدين أي تنظيم، أو تخطيط مسبق، وأعدوا هم تنظيمهم الخاص في طريقٍ استغرق 3 ساعاتٍ حتى مسجد الحسين، مسجد أم كلثوم المفضل، كأنما أرادوا لروح «ثومة» أن تخرج من مكانٍ أحبته.