حصلت السيدة أمال أيوب الحناوي، على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بعدم حصول طعن على حكم صادر لصالحها في الدعوى رقم 15645 لسنة 62 ق، ولأول مرة فإن وزارة الصحة لم تطعن على حكم إنساني حصلت عليه السيدة لصالحها من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بسبب فقدانها البصر فجأة بعد أن أمضت 27 سنة في العمل وهي مُبصرة.
صدر برئاسة القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، وبذلك يكون الحكم الصادر من القضاء الإداري نهائيا وباتا، ووجهت السيدة التي كُف بصرها فجأة في فيديو شكرها العميق لوزارة الصحة وللمحكمة التي أنصفتها.
وقد بدأت قصة السيدة اَمال الحناوي، عندما تعرضت لأقصى درجات الجحود من وكيل الوزراة، الذي اتخذ قرارًا أصابها بالإحباط بفصلها من الخدمة بعد أن أمضت في عملها بمرفق الصحة 27 عاما أعطت فيه كل اهتماماتها وفقدت فجأة بصرها وهي في سن 48 سنة، وجاء قرار فصلها بدون أي حقوق مالية أو وظيفية، فما كان منها سوى اللجوء للقضاء المصري العادل طالبةً العدل والإنصاف بعد أن فقدت وظيفتها وفقدت أعز ما يملكه إنسان نور البصر.
وقالت السيدة اَمال الحناوي، أن تصرف وزارة الصحة بعدم الطعن على حكم القضاء الإداري أمام الإدارية العليا يعد مثالا حيا على إنسانية الوزارة مع موظفيها وتصحيحا لتصرف وكيل الوزارة الخاطئ الذي فصلها بسبب إصابتها بفقدان البصر فجأة دون حقوق، وجاء حكم القاضي الإنسان المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة الذي وقفت أمامه السيدة مدافعة عن حقوقها يمثل نموذجا إنسانيا تفخر به ساحات القضاء المصري يمنح الحياة الكثير من الرحمة والإنسانية في حياة الناس في مجالات العدل الذي نقيضه الظلم، ليؤكد ارتباط العدل ارتباطا وثيقا بالرضاء النفسي للناس خاصة البسطاء ليترسخ مبدأ الإخاء الإنساني وتتحقق العدالة الاجتماعية في أبهى صورها، لأن انكار العدل بمثابة تقبيح للظلم الاجتماعي.
سيدة فقدت بصرها فجأة بسبب عملها
وسجلت عدسة الزمن السيدة الفقيرة عند دخولها إلى قاعة محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية تتكئ على ذراع نجلها أمام القاضي الرحيم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، الذي نظر القضية في ذلك الوقت، وانهمرت دموع السيدة قبل أن تتكلم، فهدئ القاضي روعها وطلب منها أن تتحدث وسمع لها طويلًا رغم ازدحام القاعة بالمتقاضين ومنحها كامل الوقت لتقص حكايتها بأنها كانت مُبصرة خلال 27 عاما في العمل ثم اُصيبت فجأة بفقدان البصر على سن 48 سنة بعد أن كانت من أنشط الموظفات، وأن وكيل الوزارة اتخذ قرارًا ظالما بإنهاء خدمتها جعلها في الشارع ليس لها مورد رزق أخر، فأصدر القاضى حكمه أخر الجلسة.
وسطر حكم القاضى المصرى الدكتور محمد خفاجى فصلًا جديدًا من معاني الإنسانية وجاء حكمه العادل متضمنا ثلاثة أجزاء:
الأول: إلغاء قرار فصلها من العمل على سن 48 عاما.
والثاني: إلزام الإدارة بصرف مرتبها كاملا من وقت فصلها حتى تاريخ صدور الحكم.
والثالث: منحها القاضى إجازة استثنائية في بيتها حتى بلوغها سن الستين بأجر كامل شاملا الحوافز والبدلات والمكافاَت كما لو كانت قائمة بالعمل فعلًا ومشاركةً فيه.
وعقب نطق القاضي بالحكم بكت الموظفة البسيطة وأبكت كل من في القاعة وقالت للقاضى في مشهد مهيب،'ولا مليون دكتور نفساني كان يقدر يطلع اللي جوايا زي حكمك العادل، ربنا يكرمك زي ما فرحتني بالعدالة يا قاضي الغلابة والمظلومين، أنا كرهت حياتي وعانيت وأسيت بسبب جرة قلم ظالمة وفصلوني بدون حقوق بسبب عنيا، وأنت غيرتلي حياتي وبدلتها لفرحة، أنا بدعيلك من قلبي ربنا يكرمك زي ما انصفتني وأعطتني حقي وسددت ديوني.'
وجاءت حيثيات حكم القاضي المصري بأحرف من نور عن الدوافع الإنسانية في حكم قضائي حيث قال القاضي في حكمه، 'إن الدوافع الإنسانية تتأبى أن تتدنى حقوق العامل المريض بمرض مزمن بعد ثبوت مرضه وزيادة حاجته إلى صنوف الرعاية عن تلك التي يتمتع بها قبل مرضه، والمرض قدر الله وحساب الموظف ينصرف فيما تمليه عليه إرادته'.
وأضاف القاضي في حكمه، 'أن المشرع خص العاملين المصابين بأمراض مزمنة بعناية خاصة، نظرًا لما يحتاجونه من رعاية اجتماعية خلال فترة المرض الذي قد يستغرق نظرًا لطبيعته أمدًا طويلا، فوضع نظامًا خاصًا للاجازات المرضية التي يحصل عليها المريض بأمراض مزمنة يغاير في أسسه وقواعده نظام الاجازات العام، وطبقا لهذا النظام يمنح المريض بمرض مزمن حقًا وجوبيًا في إجازة مرضية استثنائية بأجر كامل إلي أن يشفى أو تستقر حالته استقراراً يمكنه من العودة إلي العمل أو يتبين عجزه عجزًا كاملًا، وفي هذه الحالة يظل العامل في إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغه سن الإحالة إلي المعاش '.
واختتم حكمه العادل الذي تتجلى فيه معاني الرحمة والإنسانية 'الثابت أن المدعية كانت تشغل وظيفة كاتبة بمديرية الصحة بالإسكندرية وأثناء عملها أصيبت بعجز جزئي مستديم ومرض مزمن من بين حالات الالتهابات الشبكية والإرتشاحات والأنزفة الداخلية إذ قلت قوة الإبصار عن 6/36 بالعينين معًا، وثبت أن المدعية فقدت البصر بنسبة أقل من 6/36 بالعينين، ومن ثم يكون قرار الإدارة بإحالتها للمعاش على سن 48 سنة بسبب فقدان البصر قد تنكب وجه الحق ووقع مخالفًا للقانون يتعين القضاء بإلغائه ومنحها إجازة مرضية بأجر كامل حتى بلوغها السن القانونية للمعاش بالأجر الكامل الشامل.'