أمرت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار فتحي توفيق نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية كل من المستشار إبراهيم عبدالغني والمستشار حامد محمود المورالي نائب رئيس مجلس الدولة، بعدم قبول الدعوى المطالبة بإحالة كل من الإعلاميين أحمد موسى ومصطفى بكري للتحقيق، مختصمًا نقابة الصحفيين، لصدور بعض المخالفات التي ترتبط بالتعليق على دعاوى كانت مقامة أمام القضاء لانتفاء القرار الإداري.
وكانت قد ذكرت المحكمة في الدعوى رقم 25056 لسنة 71 ق، أن المدعي لم يقدم أي أوراق أو مستندات تؤيد ما ذكره بعريضة دعواه أو الشكوى المقدمة منه إلى نقابة الصحفيين، ولذلك فإن أقواله تعد مجرد أقوال مرسلة لا دليل عليها، ولا يجوز من ثم لمجلس النقابة إحالة عضو من أعضاء النقابة إلى التحقيق دون وجود دلائل وشبهات تفيد احتمالية وقوع الفعل، فالأصل البراءة، والدليل على من ادعى.
كما ذكرت أنه لا يجوز إلقاء اتهام دون تقديم بينة، أو إجراء تحقيق يقوم على افتراض الاتهام ويلقي عبء إثبات البراءة على المتهم، وبالتالي فإن مجرد تقديم شكوى إلى النقابة أو طلب بإجراء التحقيق لا يسوغ إحالة المشكو في حقهما إلى لجنة التحقيق، وهو ما يوجب على المحكمة القضاء بعدم قبولها.
وكان أحد المحامين أقام دعوى قضائية ضد أحمد موسى ومصطفى بكري، واتهمهما بتعمد نشر أخبار كاذبة وإذاعتها عبر برامجهما بالقنوات الفضائية، متحديًا القضاء المصري، والتعرض لقضاة مجلس الدولة، وهو ما يعد تضليلًا للرأي العام، وهو ما يعد مخالفة لميثاق الشرف الصحفي والأعراف المهنية والمبادئ الصحفية المتبعة في نشر أخبار صحيحة للقارئ، حسب قوله.
وتقدم المحامي بمذكرة إلى نقيب الصحفيين برقم 6287 بتاريخ 21-11-2016، مطالبًا بإجراء تحقيق معهما ومعاقبتهما وفقًا لأحكام قانون تنظيم الصحافة، وذلك لارتكاب أفعال تتجاوز حدود ممارسة الرأي، كالسب والقذف ونشر أخبار كاذبة ونشر مداولات الجهات القضائية والتعليق على الأحكام، كما ترتكب الصحافة بعض الجنايات التي من شأنها المساس بالنظام العام والأمن العام كجناية نشر أخبار خاطئة مغرضة تمس أمن الدولة والوحدة الوطنية أو تتضمن سرًا من الأسرار العسكرية، وكل هذه الجرائم ترتكب بصفة مباشرة عن طريق الصحافة أو إحدي الوسائل المتصلة بها، وشملت جرائم الإعلام: التشهير، إفشاء أسرار، إذاعة أخبار كاذبة، جرائم ماسة بسير العدالة، والتحريض على ارتكاب الجرائم، مضيفًا أنه إذ ارتكب المدعي عليهما الثاني والثالث مخالفات تستوجب معاقبتهما وإحالتهما إلى مجلس التأديب، وهو ما لم يقم به نقيب الصحفيين.
وجاء في حيثيات الحكم، أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على التأكيد على استقلال القضاء، فلا يقصد من ورائها حماية شخص القاضي ذاته، وإنما الهدف أساس كفالة استقلاله في الرأي والحيدة والتجرد في أحكامه، وتمكينه من مواجهة أي ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها، وهي عناصر ضرورية ولازمة لصالح النظام القضائي حتى يؤدي دوره بإرساء دعائم العدل وإعلاء الشرعية وتدعيم سيادة القانون، فالاستقلال الحقيقي للقضاء يتحقق في الحصانة الذاتية والعصمة النفسية، فلا تخلقها النصوص ولا تقررها القوانين، وإنما تكفل فقط الضمانات التي تؤكد هذه المعاني وتعززها، وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء، فمهمة القاضي مهمة فريدة من نوعها، فبالعدل وحده تصان القيم وتستقر المبادئ ويتضاعف شعور المواطن بالانتماء لوطنه ويعلو بناء الإنسان، وتلك الغايات تعد قمة الأهداف لأي مجتمع ينشد التقدم والحضارة والأمن والاستقرار، وتدعيم أركان الدولة واستقرارها.
كما جاء في حيثيات الحكم أيضًا، أن التأثير في الخصومات والدعاوى القضائية يكون عن طريق النشر والتعليق عليها من مشكلات العدالة التي تنبه لها قانون العقوبات المصري منذ عام 1937، فقد أدى تطور الصحافة والإعلام والنشر واستخدام الوسائل الحديثة للإعلام، إلى أن الأنباء والأخبار تصل إلى الملايين في لحظات بطريقة فعالة ومؤثرة، وإن كان نشر الإجراءات القضائية يعد من صميم عمل وظيفة أجهزة الإعلام ومن طبيعة عملها، وهو نتيجة حتمية لحرية الصحافة وحق الناس في معرفة ما في المجتمع، ومباشرة رقابتها على الديمقراطية، وسير العدالة، في الإجراءات القضائية العلنية امتداد منطقي لهذه العلانية، وهي تؤكد الثقة في القضاء وتدعم استقلاله.
وتنبه المشرع المصري في المادة 187 سالفة الذكر، لخطر النشر الذي يكون من شأنه التأثير في القاضي أو المحقق أو الشاهد أو الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده، كما تنبهت المحاكم منذ وقت طويل ومنها محكمة القاهرة الابتدائية إلى أنه مما يفسد سير العدالة أن يرد النشر بصورة مشوهة أو روائية أو تصحبه تعليقات ولو مستترة تدل على ميل أو اتجاه خاص ورأت أن مثل هذا النشر ينطوي على إخلال بالعدالة (دائرة الجنح المستأنفة في القضية رقم 6290 لسنة 1955 جلسة 241956).
ويعد مفاد نصوص قانون نقابة الصحفيين أنها شأنها شأن جميع النقابات المهنية، منحها المشرع قدرًا من السلطة العامة تمثلت في محاكمة أعضائها تأديبيًا في حالة مخالفة الواجبات أو الخروج على مقتضى الواجب في مزاولة الصحفي لمهنته، أو أن يأتي بمظهر من شأنه الإضرار بكرامتها أو يأتي بما يتنافى مع قواعد آداب المهنة، ولا ريب في أن أحكام قانون العقوبات بما تضمنته من محظورات تمثل جرائم جنائية فإنها في ذات الوقت تشكل جرائم تأديبية تستوجب معاقبة مرتكبها إذا ثبتت في حقه دون حاجة إلى تحريك الدعوى الجنائية ضده، وأيضًا لا يلزم أن تتضمن تلك المخالفات قوانين خاصة تنظم المهنة باعتبار قانون العقوبات قانونًا عامًا يسري على كل أفراد الدولة ومؤسساتها فضلًا عن أن النصوص الواردة به تعد خاصة بمهنة الصحافة والإعلام.