افترش الليل قلب الأرض مدلى بجدائلها خيوط كاحلة السواد، تنثب على الأرجاء عتمته، بالأخص تسلط على شارع معروف باسم "المتاجر" وسط المدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، وبين هذا وذاك ترقد "الحاجة نادية" جثة هامدة مُضرجة بدمائها داخل مسكنها.
السطور التالية تروي قصة مقتل سيدة مسنة "الحاجة نادية" على يد جارها، والتي تربط بينهم علاقة نسب، بعدما أقدم على ضربها بآلة حادة، نتج عنها جرح غائر في الرأس و أودى بحياتها.
اعتدت "حاجة نادية" دائما على السعي لنيل قوت الحياة، في صراعات الفقر بكشك، تضع ميزانها بكفتيه أمامها بعدما فقدت زوجها، تلك "الأروانة"من الألومنيوم التي لا جار ولا ظلم لزبونها يوما ما، وسط رحلة كفاح دامت أكثر من عدة سنوات، تجلس بجوار "الكشك" تتحد ظروف الحياة بافتراشه بشتى السلع ما بين "سجائر وعلب من الكرتون حاملة لمواد غذائية مختلفة".
كانت هذه السلع بمثابة طوق نجاة، فتعرض وتبيع وتجلب قوتها من المال وتحمل ومعاها أحلامها الممتلى بالستر، تتهاوى عليه بعض الزبائن المعروفه لها ، فمنهم جيارنها ومنهم أقاربها، تشاركه يومها، تجلس معه أمام فرش الكشك، ببرأة وعفوية تطلق كلامتها وعباراتها للحديث والحوار، لم تتوخى الحذر فهم أقربها وجيرانها المعتدون بالأمانة.
لكن دوام الحال من المحال، لتكتشف العجوز أن إحدى جيرانها سرق منها 5 علب سجائر، انصرفت المرأة المسنة من سرايا بيتها، إلى بيت جيرانها وهى تتمتم بكلمات حزينة على سرقتها، وتمتد أصابعها تمسح دموعها التي تزحف داخل خطوط الزمن التي ارتسمت على وجهها.
احتدمت الخلافات بين العجوز وجارها فى ذلك اليوم ، وصلت معهم إلى طريق مسدود بعدما زادت مطالبات العجوز بالجار بأن يرجع لها حق قوتها اليومى، إلا أنه أصر على النفي والإنكار ، فلم يجد مفر من كلامتها ونشبت بينهم مشادة كلامية ووبخته بكلمات جارحة.
وبخطوات وطيدة سار القاتل تجول بخاطره كلمات العجوز التي لو اُذيعت سيتم افتضاحه فى القرية، استغل العتمة وأعمدة الإنارة المُطفأة ، وبين هذا وذاك حركة سكون جعلت المنطقة أشبه بالمقابر خالية من الحياة والصوت والحركة، أقدم على بيت العجوز وبالآلة حادة ضربها، لكن صراخات العجوز التى كانت تصارع الحياة، أيقظت من حوالها، لكنها كانت مثابة النهاية التى وضعت حد لروحها، لتسقط جثة هامدة مُضرجة بدمائها داخل مسكنها.
خرج الشاب هائماً بعد مقتل العجوز، بعدما تحولت أدميته إلى ذئب لا يعرف الرحمة غير مبال بالعقاب، كل ما داخله هو الخوف من افتضاح أمره بعدما عزمت العجوز نشر سرقتها، زاهقًا بذلك روح مطمئنة لا دخل لها، مذيقا فريسته كأس الموت مرًا وعلقما معتقدا هربه من جريمته ونسي عدالة السماء.
البداية كانت بتلقي اللواء عاطف مهران، مساعد وزير الداخلية مدير أمن الشرقية، إخطارًا من العميد عمرو رؤوف، مدير المباحث الجنائية، يفيد بورود بلاغ بالعثور على ربة منزل تُدعى “نادية.ع.ع” 74 سنة، جثة هامدة داخل مسكنها بشارع “المتاجر” التابع لدائرة مركز شرطة بلبيس.
بالانتقال والفحص، تبين العثور على جثة المجني عليها مُسجاة أرضًا وبها جرح غائر في الرأس أودى بحياتها، فيما أفادت التحريات الأولية وسؤال الجيران أن أحد الشباب كان يجري مُسرعًا بعد خروجه من مسكن المجني عليها، حيث تبين أنه قتلها بآلة حادة “حديدة”.
وتوصلت التحريات الجنائية إلى أن وراء ارتكاب الواقعة المدعو “فيصل.أ.ص” 18 سنة، طالب بالصف الثالث الثانوي العام، مُقيم بدائرة المركز، وجرى ضبطه، وبمواجهته أقر بما أسفرت عنه التحريات، وأنه قتلها لاتهامها غياه بسرقة 5 علب سجائر من “كشك” تمتلكه، فيما تحرر عن ذلك المحضر اللازم، وبالعرض على النيابة العامة أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات، قبل قرار محكمة الجُنح بتجديد الحبس لخمسة عشر يومًا إضافية."