مع تزايد انتشار العملات المشفرة، تخشى البنوك المركزية من فقدان السيطرة على نظام المدفوعات العالمي لصالح العملات المشفرة، والتي لا تخضع لسيطرة أي هيئة مركزية، كما في حالة البيتكوين.
ويرى أحمد عثمان، نائب رئيس مجموعة الخدمات المصرفية للشركات والاستثمار ببنك البلاد السعودي، أن هذا الخوف مبرر جدا لأنه سوف يضعف من سيطرة البنوك المركزية على المعروض النقدي، مشيرا إلى أنه أحد أدوات السياسة النقدية لتوجيه الاقتصاد، وأن التهديد أصبح أكثر واقعية وسط التبني المتصاعد من بعض الشركات العالمية والصناديق الاستثمارية للعملات الرقمية.
وتابع، أن هذا الضغط المتزايد على أكبر البنوك المركزية في العالم جعلها تمضي في خططها لإصدار النقد الرقمي، للحد من تهديدات العملات المشفرة من كيانات غير معلومة للأموال التقليدية.
وخلال الأسبوع الماضي اجتمع وزراء مالية مجموعة السبع، وتمت مناقشة الإجراءات التنظيمية للعملات الرقمية و سبل منع استخدامها لأغراض غير القانونية.
و أكد عثمان، أن عملات البنوك المركزية الرقمية تعتبر المكافئ الإلكتروني للنقد التقليدي مثل الأوراق النقدية أو العملات المعدنية، وسوف يمنحون حامليها حق المطالبة او استبدالها مباشرة من البنك المركزي، ستكون هذه العملات المشفرة "خالية من المخاطر" مثل الأموال التقليدية، وتسمح لحامليها بإجراء المدفوعات عبر الإنترنت.
وتابع أن البنوك المركزية حثت على تكثيف البحوث حول إمكانية إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية، مشيرا إلى أنها تسارع الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى اعتماد اللوائح والقوانين المناسبة قبل إصدارها.
من جانبه قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، أن الحاجة ظهرت أمام البنوك المركزية حول العالم إلى النظر بجدية استخدام العملة الإلكترونية، كوسيلة حتمية تحويل القيمة جنبًا إلى جنب مع العملات التقليدية.
وأوضح أبوالفتوح، أن العملة الإلكترونية تختلف عن العملة المشفرة مثل البيتكوين، فهي تستخدم الملفات الرقمية كأموال، لافتا إلى أنها تستخدم أساليب التشفير في التعاملات وهي مستقلة عن العملات الرسمية الصادرة عن الحكومات.
ولفت أبو الفتوح إلى أن العملات المشفرة أصبحت حديث الساعة، حيث حققت عملة بتكوين مستوى قياسيا جديدا فوق 52000 دولار أمريكي في هذا الأسبوع هذا المستوى غير المسبوق دعمه تحول موقف بنوك استثمار عالمية وعدد من الشركات العملاقة للنظر مجددا في الاستثمار في البيتكوين، خصوصا بعد أن حققت العملة مكاسب تصل الى 74% منذ بداية العام.
والجدير بالذكر أن شركة تسلا الأمريكية العملاقة رائدة صناعة السيارات الكهربائية في العالم، قدمت أكبر دعم للعملات المشفرة عندما أعلنت أنها استثمرت 1.5 مليار دولار في عملة البيتكوين ، وتخطط لقبول العملة المشفرة في عمليات شراء منتجاتها.
وتجدر الإشارة الى أن البنوك المركزية حول العالم قد وجهت بوصلتها في سبتمبر الماضي نحو دعم التحول الرقمي في مجال الخدمات المالية، وبعد أن كانت العملات الرقمية من المحظورات التي تشدد البنوك المركزية عن الابتعاد عنها، أصبح لا مفر من التراجع عن هذا الموقف التحفظي، والبدء في ملاحقة التطور المتسارع للابتكارات في مجال التعاملات المالية الرقمية.
ومن هذا المنطلق، خفت حدة نبرة مقاطعة العملات الرقمية لتصدر عدة بنوك مركزية لمجموعة الدول العشرين وهيئات الرقابة المالية- توصيات بوضع أطر تنظيمية لإصدار عملات رقمية محلية.
وأكد أبو الفتوح أنه على الرغم من تخوف البنوك المركزية بشأن أخطار إصدار العملات الرقمية، التي قد تؤثر على القدرة على توجيه السياسة النقدية ومراقبتها، ما قد يؤدي للإخلال بالاستقرار المالي، خصوصًا أن التشريعات الحالية لا تغطي العملات الرقمية، فإن الرفض المطلق للعملات الرقمية أوشك على الانتهاء.
وأشار إلى أن العديد من البنوك المركزية حول العالم دخلت بشكل تدريجي في شراكة مع القطاع الخاص لاستخدام العملة الإلكترونية على سبيل المثال، في الصين، يشارك البنك المركزي بالفعل مع عدد قليل من شركات القطاع الخاص لتجربة عملة إلكترونية مستخدمة منذ سنوات، وكذلك يعمل البنك المركزي السويدي على تجربة عملته المقترحة "كورونا الإلكترونية"، و في مصر أعلن البنك المركزي في وقت سابق أنه بصدد الانتهاء من دراسة خاصة بإصدار عملة رقمية مصرية.