أكد أبوبكر الديب، مستشار المركز العربي للدراسات، والباحث في العلاقات الدولية، والاقتصاد السياسي، رئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أن العقوبات الأمريكية والأوروبية، على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وصلت إلى 6 آلاف عقوبة، ستؤثر على فقراء العالم، أثناء تأثيرها على الاقتصاد الروسي.
وقال إن العقوبات ضد روسيا ليست وليدة اليوم وإنما تعود لعام 2014 ، لكن تم تشديدها بالتأكيد بعد اندلاع الحرب مؤخرا، واقتربت العقوبات الغربية علي روسيا من مستوي الـ 6 آلاف عقوبة شملت الكثير من المجالات ولم تسلم المجالات الرياضية منها، وبالتأكيد سيكون لها الكثير من الخسائر علي الدولة والشعب الروسيين خاصة إذا استمرت العقوبات لفترات طويلة فقد تم تجميد الأصول والاحتياطيات المالية الروسية ومصادرة أو التحفظ على أموال رجال أعمال روس بالدول الغربية وانخفاض قيمة الأصول والأسهم والسندات في الخارج وانخفاض ايرادات الصادرات الروسية لدول الغرب "أمريكا والإتحاد الأوروبي وحلفاءهم" ماعد الغاز المورد لأوروبا فضلا عن خسائر في شركات الطيران بسبب إغلاق المجال الجوي الأوروبي والأميركي والكندي وتوقف أو ضعف السياحة الغربية إلى روسيا وانسحاب عدد كبير من الشركات الغربية من المشروعات المشتركة في روسيا وإخراج بعض البنوك والمؤسسات الروسية من نظام التحويلات المالية بالدولار الأميركي "سويفت".
وأضاف أن روسيا فقدت السيطرة علي ما يقارب نصف الاحتياطي النقدي الذي يقدر بنحو 643.2 مليار دولار، حسبما قال وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، فلا يمكنها استخدام نحو 300 مليار حاليا وقال الديب إن الاحتياطي لروسيا يتكون من عدة أشكال منها 32% يورو أوروبي، و13% يوان صيني، و16.4% دولارات أميركية، و1.7% ذهب، و2.5% في صورة حقوق سحب خاصة صادرة من صندوق النقد الدولي ويوجد منه 60% داخل روسيا أو لدى دول صديقة كالصين والباقى خارج روسيا لدى مصارف وبنوك مركزية في أوروبا وأمريكا، وعملت روسيا بعد 2014 علي هذا التنوع في الاحتياطي وهي خطوة ذكية فلوكانت كل الاحتياطيات في أمريكا وأوروبا لضاعت جميعها الان.
وفي المقابل قال مستشار المركز العربي للدراسات أن أوروبا ستدفع فاتورة ثقيلة جراء العقوبات باعتبار موسكو خامس أكبر سوق تصديرية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي بمعدل صادرات تصل الي 91.92 مليار دولار خلال 11 شهر فقط من عام 2021، وتغطي صادرات النفط والغاز من روسيا نحو 40% من احتياجات المستهلك الاوروبي، كما أنها تشكل اكثر من نصف عائدات الخزينة الحكومية الروسية وفي نهاية عام 2021 بسبب ازدياد اسعار المواد الخام حققت عائدات النفط والغاز ايرادات اضافية للميزانية تقدر بحوالي 50 مليار دولار، ومن المتوقع ان تحقق الميزانية هذا العام أيضا فائض يصل الي 13 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار الطاقة أي أن روسيا هي المستفيد في هذا الاتجاه.
وأضاف أن الغاز الروسي يمثل أكثر من 40 % من واردات الغاز الأوروبية وقد يؤدي وقفه أو استهدافه بعقوبات إلى زيادة أكبر في تعرفة الطاقة لملايين الأسر، ولن تستطيع أوروبا تعويضه من مصادر أخري في الشرق الأوسط أو أمريكا علي المدي القريب بل ليس قبل 5 سنوات وبفاتورة عالية تزيد من خسائر أوروبا الاقتصادية وستتأثر الشركات التي تتعامل مع موسكو والدول الأوروبية التي تقيم روابط اقتصادية قوية مع روسيا مثل ألمانيا كثيرا بالعقوبات وستتعرض شركات أوروبية كثيرة لاضطرابات اقتصادية ضخمة، وخاصة في مجالات الصناعات التحويلية والهندسة الميكانيكية وصناعة السيارات والصناعات الكيماوية والأسمدة وسترتفع الأسعار بشدة وستتوقف المصانع والطائرات في الغرب وسيرتفع التضخم السنوي في منطقة اليور جراء العقوبات الاقتصادية على روسيا وربما يؤدي ذلك لزعزعة الاستقرار الاقتصادي الأوروبي بأكمله، ويكفي أن نعرف أن أوروبا تتكبد خسائر قيمتها 21 مليار يورو سنويا إثر العقوبات الاقتصادية على روسيا في 2014، ويمكن أن تصل خسائر ألمانيا وحدها عن وقف واردات الطاقة الروسية بنحو 3 % من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي.
أما عن الاقتصاد العالمي والذي لم يكن قد تخلص من تداعيات جائحة كورونا بعد حتى الآن، والتي فقد خلالها ما يقرب من 15 تريليون دولار فقد جاءته الحرب والعقوبات بصدمة أخري لتعيده من جديد إلى المربع صفر، وسيتكبد خسائر تصل الي تريليون دولار العالم الجاري مع زيادة التضخم العالمي وتضرر سلاسل الإمداد والتوريد، وتزايد أزمة الطاقة، وارتفاع أسعار الغذاء، والمعادن والطاقة وانهيار الاسهم وتفاقم أزمة الديون العالمية وضعف النمو، وهي مرشحة للأسوأ مع طول فترة الحرب ونطاقها والعقوبات.
وأكد الديب أن روسيا لديها من البدائل والشركاء ما يمكنها من الوقوف في وجه الغرب ومواجهة عقوباته مثل تسديد الشركات الروسية مديونياتها لجهات مالية غربية بالعملة المحلية الروبل وليس بالدولار الأمريكي، وكذلك الرد علي الدول غير الصديقة لروسيا بعقوبات مماثلة تنهك اقتصادها فضلا عن تطوير الروبل الرقمي والذ يمكن الشركات الروسية من تمرير عملياتها المالية من خلال تقنيات البلوك تشين بعيدا عن سيطرة الدول الغربية، وتقييد تصدير السلع الزراعية والمواد الأولوية مثل القمح لهذه الدول غير الصديقة.. ويمكن لروسيا وقف التعاون الفضائي مع أوروبا حيث من المعروف أن روسيا متفوقة في هذا المجال كما أن روسيا لديها حلفاء أقويا مثل الصين والتي تقف معها في خندق واحد لمواجهة الغطرسة الغربية.
وأشار الديب الي أن أمريكا وأوروبا حاولتا الضغط علي "أوبك" والدول المصدرة للغاز والنفط لزيادة الانتاج وتعويض النفط الروسي، فلم تنجح وأخر هذه المحاولات زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للامارات والسعودي حيث فشل في الحصول على تعهدات بزيادة الإنتاج من النفط نظرا لما تتمتع به دول الشرق الأوسط من علاقات متميزة بموسكو ومصلحتها الكبيرة في زيادة أسعار النفط العالمية لدعم الميزانيات، فضلا عن أن الدول المصدرة للغاز بالشرق الأوسط لن تستطيع أن تغطي احتياجات امدادات الغاز الروسي لأوروبا .
وقال أبوبكر الديب الباحث في العلاقات الدولية إن ليبيا لن تتمكن من تعويض جزء من امدادات الغاز الروسي للقارة الأوروبية قبل حدوث استقرار سياسي وتوقف الصراعات السياسية، مضيفا أن ليبيا لديها احتياطي كبير، يصل إلي 54.6 تريليون قدم مكعب، وتحتل المرتبة 21 عالميا ويمكن في حال الاستقرار السياسي رفع هذه الاحتياطات باكتشافات جديدة.
وأوضح أن ليبيا تصدر الآن الغاز والمواد الهيدروكربونية، إلي القارة الأوروبية بالغاز، ولكن بكميات متوسطة مقارنة بروسيا والنرويج والجزائر، وأن تهدئة الوضع السياسي شرط جذب استثمارات جديدة في مجال البحث والتنقيب عن الغاز.
وأشار مستشار المركز العربي للدراسات الي أن العالم الغربي بات صاحب مصلحة لتحقيق الإستقرار السياسي في ليبيا وضخ استثمارات جديدة في قطاع الغاز وتطوير البنية الأساسية في قطاع الطاقة الليبي ومواجهة البيروقراطية واخراج المليشيات المسلحة من الأراضي الليبية من أجل تعويض جزء كبير من الغاز الروسي لكنها وعند حدوث ذلك فلن تغني القارة الأوروبية عن كامل الغاز الروسي فقطاع الطاقة بليبيا يعاني من هشاشة البنى التحتية.
وقال أبوبكر الديب، إن روسيا بالتأكيد كانت تعلم مسبقا بالأبحاث التي تجري في أوكرانيا حول انتقال الأمراض إلى البشر عن طريق الخفافيش في مدينة خاركوف الاوكرانية تحت سيطرة واشنطن، قبل سنوات من الحرب، وكان ذلك أحد أسباب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فضلا عن أسباب أخري تمس الأمن القومي الروسي، ولكن وزارة الدفاع الروسية أعلنت عن ذلك بعد امتلاكها أدلة قاطعة علي ذلك، حيث تم الحصول علي تلك الوثائق من الموظفين الأوكرانيين العاملين في تلك المعامل وهو ما يستوجب محاكمة دولية للمتهمين وتعتبر جريمة حرب، وقالت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو لديها وثائق تؤكد تطوير مكونات "سلاح بيولوجي" في المختبرات الأوكرانية بالقرب من الحدود الروسية، وأن هناك "مختبرات بيولوجية قرب حدود روسيا كانت تجري فيها أبحاث لتطوير أسلحة بيولوجية وتدمير عينات تم تطويرها في المختبرات لمحفزات أمراض كالكوليرا والطاعون بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، داعيا المجتمع الدولي والامم المتحدة ومجلس الأمن للتحرك في هذا المجال.