تراجعت أسعار النفط بوتيرة سريعة لتصل إلى أدنى مستوياتها المسجلة في ستة أسابيع ببداية أكتوبر 2023، بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ أحد عشر شهراً تقريباً قرابة نهاية شهر سبتمبر 2023.
وكانت المكاسب المسجلة خلال الشهر الماضي مدفوعة بصفة رئيسية بشح امدادات السوق، حيث قام منتجو الأوبك بتقييد الإنتاج بالإضافة إلى مخاوف العرض في الولايات المتحدة وانخفاض مخزون النفط الخام والمنتجات المكررة.
استمرار تذبذب أسعار النفط
من جهة أخرى، يعزى الانخفاض الذي شهدته الأسعار في مستهل الشهر الحالي في بداية الأمر إلى قوة الدولار الأمريكي الذي وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ نوفمبر 2022، وهو الأمر الذي تبعه انخفاض حاد في الطلب على البنزين في الولايات المتحدة بسبب المشكلات المتعلقة بالطقس.
كما كانت هناك أيضاً بعض المخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي على المدى القريب حيث بدأت تداعيات رفع أسعار الفائدة في احداث تأثيرات سلبية على العديد من القطاعات، كما انعكس على تباطؤ وتيرة نمو قطاع الخدمات في الولايات المتحدة في سبتمبر 2023.
من جهة أخرى، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لآفاق النمو هامشياً لهذا العام، مشيراً إلى سيناريو الهبوط الناعم.
اتجاه أسعار النفط منذ بداية العام
وتلقت الأسعار دعماً مرة أخرى خلال الأسبوع الثاني الذي أعقب اندلاع الصراع في فلسطين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 4 في المائة خلال اليوم نتيجة للمخاوف المتعلقة بعدم استقرار المنطقة بصفة عامة، مما قد يؤدي إلى نقص الامدادات.
وأدت زيادة إنتاج النفط الأمريكي إلى مستويات قياسية بالإضافة إلى ارتفاع مخزونات النفط الخام والبنزين في كبح ارتفاع الأسعار.
ومع ذلك، فان الأسعار أنهت تداولات الأسبوع فوق مستوى 90 دولار أمريكي للبرميل مع استمرار المخاوف من اتساع الصراع في المنطقة.
وعلى صعيد الطلب، كشف أحدث تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية تأثر الطلب على النفط نتيجة لارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة والأسواق الأخرى.
وأظهر التقرير أن تراجع الطلب في الأسواق الناشئة كان شديداً للغاية على خلفية تأثير العملات وإلغاء الدعم.
من جهة أخرى، انخفضت الواردات النفطية في آسيا للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر 2023 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى موسم صيانة المصافي. ووفقاً ل 'LSEG'، شهدت المنطقة وصول 24.95 مليون برميل يومياً من النفط الخام خلال الشهر، فيما يعتبر أدنى المستويات المسجلة هذا العام، مقارنة بمستوى أعلى قليلاً قدره 25.22 مليون برميل يومياً في أغسطس 2023، كما شهدت المستويات الخاصة بمصافي التكرير في الهند وفيتنام وكوريا الجنوبية وتايوان تراجعا.
من جهة أخرى، انخفضت واردات النفط الخام في الهند للشهر الثاني على التوالي فيما يعزى بصفة رئيسية إلى صيانة المصافي خلال فصل الخريف بالإضافة إلى انخفاض المتطلبات خلال فترة الرياح الموسمية.
وظل الطلب على النفط من الصين مرناً، حيث أفادت التقارير أن البلاد أطلقت الدفعة الرابعة من حصص واردات النفط الخام، وباحتساب الحصة الجديدة، من المتوقع أن تشهد واردات النفط الخام إلى البلاد زيادة بنحو 14 في المائة في العم 2023 مقارنة بالعام 2022.
أما على صعيد العرض، أكد منتجو الأوبك وحلفائها على إبقاء إنتاج النفط عند المستويات الحالية.
وفي الاجتماع الأخير للجنة الوزارية للأوبك وحلفائها، صرحت السعودية إنها ستواصل التخفيضات الطوعية بمقدار مليون برميل يومياً، بينما أكدت روسيا إنها ستواصل التخفيضات الطوعية بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الحالي.
وفي ذات الوقت، كشفت بيانات الإنتاج من مصادر الأوبك الثانوية عن ارتفاع إنتاج الأوبك بمقدار 273 ألف برميل يومياً في سبتمبر 2023، على خلفية ارتفاع الإنتاج بصفة رئيسية في نيجيريا والسعودية والكويت، والذي قابله جزئياً انخفاض الإنتاج بصفة رئيسية في فنزويلا وغينيا الاستوائية.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
وصلت أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ 11 شهراً بنهاية سبتمبر 2023 وتم تداول مزيج خام برنت بسعر يقارب نحو 97.1 دولار أمريكي للبرميل في أسواق العقود الفورية. وتعزى تلك المكاسب إلى انخفاض مخزونات النفط على المستوى العالمي في ظل ضيق الامدادات بعد أن قررت السعودية ومنتجو الأوبك الآخرون مواصلة سياسات خفض حصص الانتاج.
وأدت تلك الأوضاع إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 27.3 في المائة خلال الربع الثالث من العام 2023، وصولاً إلى أعلى المستويات المسجلة في ست فترات ربع سنوية، إلا أن ارتفاع الأسعار وقوة الدولار الأمريكي بدأت في التأثير على الطلب على النفط مما أدى إلى انخفاض الأسعار خلال الأسبوع الأول من أكتوبر 2023.
كما وظهرت تقارير تشير إلى تباطؤ قطاع الخدمات في الولايات المتحدة مما سلط الضوء على تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، في حين ساهم ارتفاع أسعار المنتجين نتيجة لتزايد تكاليف الطاقة والمواد الغذائية في تعزيز المخاوف من انخفاض الطلب، ونتيجة لذلك، انخفضت الأسعار بأكثر من 10 في المائة للعقود الآجلة خلال الأسبوع الأول من الشهر، إذ وصلت إلى 84.1 دولار أمريكي للبرميل، كما أدى إنتاج النفط القياسي في الولايات المتحدة إلى جانب إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وفنزويلا إلى تخفيف بعض المخاوف المتعلقة بأسواق النفط، لكن الأسعار ارتفعت في نهاية الأسبوع مع مراقبة المستثمرين عن كثب لتأثير الصراع في فلسطين بينما دعمت الأسعار المخاوف من صراع أوسع نطاقا.
من جهة أخرى، كشف تقرير عن مخزونات النفط الصادر عن معهد النفط الأمريكي عن زيادة المخزون بمقدار 12.9 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 5 أكتوبر 2023 بينما ارتفعت مخزونات البنزين بنحو 3.6 مليون برميل، كما أظهر تقرير آخر أن الطلب على البنزين في الولايات المتحدة يشهد تراجعاً حاداً.
في حين أشار تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى انخفاض المنتجات النهائية لبنزين المحركات إلى نحو 8 مليون برميل يومياً الأسبوع الماضي، فيما يعد أدنى المستويات المسجلة هذا العام، وهو الأمر الذي يعزى جزئياً إلى الأمطار الغزيرة التي شهدتها مدينة نيويورك.
وشهد متوسط سعر سلة نفط الأوبك نمواً شهرياً للمرة الثالثة على التوالي في سبتمبر 2023 بلغت نسبته 8.3 في المائة ليصل في المتوسط إلى أعلى مستوياته في 12 شهراً عند 94.6 دولار أمريكي للبرميل.
في حين شهد متوسط سعر مزيج خام برنت نمواً بوتيرة أعلى بنسبة 9.1 في المائة، إذ وصل في المتوسط إلى 94.0 دولار أمريكي للبرميل، في حين شهد سعر الخام الكويتي ارتفاعاً بنسبة 7.8 في المائة، ليصل في المتوسط إلى 95.7 دولار أمريكي للبرميل في سبتمبر 2023.
كما انعكس هذا الاتجاه أيضاً على تقديرات الاجماع بالنسبة للنفط الخام.
وكشفت أحدث التقديرات الصادرة عن وكالة بلومبرج عن رفع توقعات الأسعار خلال الأرباع الأربعة المقبلة.
الطلب العالمي على النفط
لم تطرأ أي تغيرات تذكر على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2023، إذ استقرت عند مستوى 2.4 مليون برميل يومياً، حيث يتوقع أن يصل الطلب إلى 102.06 مليون برميل يومياً هذا العام. إلا أنه تم خفض توقعات الطلب لبعض المناطق، خاصة بالنسبة للدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الأمريكية ودول آسيا الأخرى والدول الأفريقية التابعة للمنظمة) لفترة الثلاث أرباع الأولى من العام، وهو الأمر الذي قابله رفع توقعات الطلب لفترة الربعين الثاني والثالث من العام 2023 للدول غير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خاصة الصين.
كما تم الابقاء على تقديرات نمو الطلب للعام 2024 دون تغيير عند 2.2 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الطلب إلى 104.31 مليون برميل يومياً على خلفية النمو القوي المتوقع ان يشهده الاقتصاد العالمي، إلى جانب التحسن المستمر لاقتصاد الصين.
وكشفت التوقعات على المدى القريب تسجيل الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً بمستويات جيدة في ظل استمرار ضيق سوق العمل مما أدى إلى دعم قوي للاستهلاك الخاص في ظل قوة واستدامة مستويات الدخل.
ومن المتوقع أن يظل نشاط السفر الجوي قوياً في الربع الرابع من العام 2023، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على وقود الطائرات، في حين من المتوقع أن يتأثر الطلب على البنزين بانخفاض نشاط القيادة نتيجة لفصل الشتاء. كما يتوقع أيضاً أن يؤثر ضعف نشاط التصنيع على الطلب على الوقود الصناعي، بما في ذلك الديزل.
وفي ذات الوقت، شهد قطاع الخدمات في الولايات المتحدة، الذي نجح في الحفاظ على مرونته هذا العام، تباطؤاً في سبتمبر 2023، في ظل انخفاض الطلبيات الجديدة إلى أدنى المستويات المسجلة في تسعة أشهر. إلا أن القطاع شهد نمواً في ظل وصول قراءة مؤشر مديري المشتريات غير الصناعي إلى 53.6 نقطة في سبتمبر 2023.
وفي ذات الوقت، ظل الطلب على النفط في الصين جيداً في ظل اعلان البلاد عن الدفعة الرابعة من حصص الاستيراد. ومن المتوقع أن يصل الحجم الإجمالي للعام 2023 إلى 203.64 مليون طن متري، مما يشير إلى تسجيل نمواً بنسبة 14 في المائة مقارنة بالعام الماضي البالغ 179 مليون طن، وفقاً لوكالة رويترز.
وأظهر تقرير منفصل صارد ايضاً عن وكالة رويترز أن الصين نجحت في توفير 10 مليار دولار أمريكي تقريبا من خلال مشتريات النفط القياسية من روسيا وإيران وفنزويلا التي تخضع للعقوبات الأمريكية.
كما ساهم انخفاض أسعار واردات النفط الخام في تعزيز إنتاجية المصافي ورفع هوامش الربح، خاصة بالنسبة للمشغلين المستقلين الصغار المعروفين باسم 'أباريق الشاي'.
من جهة أخرى، انخفضت واردات النفط المتجهة إلى الهند للشهر الثاني على التوالي خلال سبتمبر 2023 لتصل إلى 4.19 مليون برميل يومياً مقابل 4.34 مليون برميل يومياً في أغسطس 2023 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى موسم صيانة المصافي في الخريف وانخفاض الطلب خلال فترة الرياح الموسمية.
العرض من خارج الأوبك
ظل الإنتاج العالمي من السوائل النفطية مرة أخرى ثابتاً دون تغير يذكر على نطاق واسع في سبتمبر 2023 مقارنة بمستويات أغسطس 2023. ووفقاً للبيانات الأولية، بلغ متوسط إمدادات النفط العالمية 100.6 مليون برميل يومياً.
أما وفقاً للأوبك، تراجعت إمدادات الموردين من خارج الأوبك هذا الشهر بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً، لتصل في المتوسط إلى 72.9 مليون برميل يومياً، حيث قابل ارتفاع الإنتاج في مناطق أوروبا الأسيوية الأخرى والمملكة المتحدة انخفاض الإنتاج في روسيا والولايات المتحدة. وقد قابل هذا الانخفاض زيادة في إنتاج الأوبك خلال الشهر.
وتم رفع توقعات نمو إمدادات السوائل النفطية من خارج الأوبك للعام 2023 بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً وفقاً لأحدث تقرير شهري صادر عن منظمة الأوبك، إذ من المتوقع الآن أن ينمو العرض بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً هذا العام ليصل إلى 67.49 مليون برميل يومياً.
وتضمنت التعديلات بصفة رئيسية رفع توقعات العرض لكل من روسيا (+80 ألف برميل يومياً) والولايات المتحدة (+49 ألف برميل يومياً) والبرازيل (+45 ألف برميل يومياً)، وهو الأمر الذي قابله خفض التوقعات الخاصة بكل من النرويج والمملكة المتحدة (- 25 ألف برميل يومياً لكلا منهما) وأذربيجان وكازخستان.
أما بالنسبة لتوقعات العرض للعام 2024 فقد ظلت ثابتة، مع توقع تسجيل نمواً قدره 1.38 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 68.88 مليون برميل يومياً.
وكشفت أحدث توقعات الطاقة على المدى القصير الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الإنتاج في الولايات المتحدة وصل إلى مستوى قياسي بلغ 13.13 مليون برميل يومياً في الربع الثالث من العام 2023 بينما أظهرت توقعات الربع الرابع من العام 2023 زيادة الإنتاج إلى 13.16 مليون برميل يومياً، إلا ان بيانات عدد منصات الحفر النفطي لم تتسق مع بيانات الإنتاج المرتفعة، حيث أظهرت المنصات انخفاضات متوالية خلال الأشهر القليلة الماضية لتصل إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ فبراير 2022 في الأسبوع المنتهي في 6 أكتوبر 2023، إذ وصلت إلى 497 منصة.
انتاج الأوبك من النفط الخام
زاد إنتاج الأوبك من النفط للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر 2023. إذ وصل إجمالي الإنتاج إلى 27.97 مليون برميل يومياً خلال الشهر، مسجلا نمواً قدره 50 ألف برميل يومياً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى ارتفاع إنتاج كل من نيجيريا والعراق والإمارات، والذي قابله انخفاض إنتاج إيران وليبيا وغينيا الاستوائية. وأظهرت بيانات الإنتاج من مصادر الأوبك الثانوية نمواً شهرياً أكثر حدة بلغ 273 ألف برميل يوميا، بوصول إجمالي الإنتاج إلى 27.76 مليون برميل يوميا خلال الشهر. وكان هذا النمو، وفقاً لمنظمة الأوبك، مدفوعاً بنمو ملحوظ لإنتاج نيجيريا (+141 ألف برميل يومياً) والسعودية (+82 ألف برميل يومياً) وهو الأمر الذي قابله انخفاض إنتاج فنزويلا وغينيا الاستوائية وأنجولا.
وكانت التغيرات التي شهدتها معدلات إنتاج بقية أعضاء الأوبك هامشية إلا انها كانت إيجابية وفقا لتقرير الأوبك الشهري.
حصص الدول الأعضاء في الأوبك
وخلال الشهر، أكدت السعودية وأعضاء آخرون في الأوبك وحلفائها الالتزام بسياسات الإنتاج الحالية، بالإضافة إلى التخفيضات الطوعية التي أعلنت السعودية وروسيا عن تنفيذها.
وأنتجت المملكة 9 مليون برميل يومياً خلال شهر سبتمبر 2023 بعد إضافة 20 ألف برميل يومياً مقارنة بالشهر الماضي وفقاً لوكالة بلومبرج، بينما كشفت مصادر الأوبك الثانوية عن تسجيل زيادة قدرها 82 ألف برميل يومياً.
ووصل إنتاج النفط في نيجيريا إلى أعلى مستوياته المسجلة خلال العام 2023 عند 1.4 مليون برميل يوميا خلال شهر سبتمبر 2023.
ويعزى هذا النمو بصفة رئيسية إلى استئناف البلاد انتاج خام فوركادوس بكامل طاقته الانتاجية، بينما واصلت بذل الجهود للحد من سرقات النفط وعمليات التخريب، وفقاً لوكالة ستاندرد أند بورز بلاتس.
فيما انخفض إنتاج النفط في ليبيا بمقدار 30 ألف برميل يومياً خلال الشهر، وفقاً لوكالة بلومبرج، ليصل إلى 1.11 مليون برميل يومياً.
ويعزى هذا الانخفاض إلى إغلاق العديد من المحطات بسبب العاصفة دانيال.
كما ارتفع إنتاج النفط في إيران خلال الشهر ليصل إلى 3.1 مليون برميل يومياً، والذي يعتبر أعلى المستويات المسجلة منذ أكتوبر 2018 في ظل استمرار المفاوضات بشأن إمكانية تخفيف العقوبات الأمريكية على البلاد.