أظهرت دراسة أصدرها باحثون في جامعة ستانفورد مدى تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة الأخرى، مع التأكيد أيضا على حرص كبرى شركات الذكاء الاصطناعي على إبقاء طريقة عمل خوارزمياتها المتطورة محاطة بالغموض، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من إساءة استخدام التكنولوجيا وأيضاً بسبب المخاوف من المنافسين.
وأوضحت الدراسة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أسهمت في دعم القطاعات المجتمعية المختلفة "الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات العامة"، وأحدثت تطورات تقنية في تلك القطاعات.
وأكدت الدراسة أن جائحة كوفيد-19 فرضت زيادة الاستثمار والاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي كآلية لتقليل حدة آثارها السلبية على المستوى الصحي، والمجتمعي، والبيئي، والاقتصادي.
وعلق محمد نصار، الخبير في الإعلام الرقمي، على نتائج تلك الدراسة التي تؤكد أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، أنه في الماضي عندما انتشرت الآلات الحاسبة المتطورة بكثرة كانت هناك تحذيرات منها لأنها "تجمد المخ.. تجعل عقلك كسولاً لقلة اعتمادك عليه".
وأوضح أن الجميع أصبح يعتمد على الذكاء الاصطناعي فبعدما مرت السنوات لم تقف التكنولوجيا ففي عام 2005 ظهرت إرشادات خرائط جوجل، المرافق الافتراضي الجديد الذي أنقذ البشر من تيه الطرقات وتعقيداتها، وأصبح الاعتماد عليه أحيانًا للوصول إلى وجهة نزورها للمرة العاشرة، بل جعلنا في أحيان كثيرة نشعر بصعوبة التحرك من دونه، وهذا بناء على دراسة أجريت عام 2017.
وأكد نصار، أن باحثين وجدوا أن الأشخاص الذين يستعينون بنظام تحديد المواقع يعطلون عمل أجزاء من المخ في أثناء ذلك، وبحسب دورية "نيتشر كوميونيكيشن" المرموقة فإنه عندما اعتمد متطوعون في الدراسة على أنفسهم لبلوغ وجهاتهم كان لديهم زيادة في أنشطة الحُصين Hippocampus (منطقة من المخ مرتبطة بالتعلم والذاكرة الطويلة والإبداع والتخيل وحل المشكلات) والقشرة الأمامية التي تغطي الفص الجبهي.
وتابع خبير الإعلام الرقمي، أنه في نوفمبر الماضي، كان العالم أمام فتح جديد مذهل في مجال ما يعرف بتعليم الآلة العميق، إذ أطلق مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي "أوبن أي آي" (OpenAI) روبوت الدردشة "Chat gpt" الذي يتميز عن أسلافه من روبوتات الدردشة بقدرته الفائقة والفورية على شرح مفاهيم معقدة بجمل بسيطة منطقية وسليمة، دون الاقتباس من مصادر أخرى، وفوق كل ذلك يعلم نفسه بنفسه، فالخوارزمية التي تديره تُنتج جُمَلًا مكتوبة يجري توليدها إحصائيًّا بالاعتماد على البيانات هائلة الضخامة، لدرجة يصعب أن تميزه عن صديقك الذي تتحدث معه.
وأشار محمد نصار، إلى أن 100مليون مستخدم نشط شهريًّا لـ"Chat gpt" في يناير، أي بعد شهرين من إطلاقه، ما يجعله التطبيق الأسرع نموًّا في التاريخ وفقًا لدراسة نشرها "يو.بي.إس"، وفي ذلك - لا شك - دلالة واضحة على أن البشرية كانت بانتظار شيء كهذا، ومن منا لن يغريه أن يقوم هذا الساحر بجل ما نبذل جهدًا ووقتًا لإنجازه يوميًّا. فهل يتحول من معين لا ضرر منه إلى إدمان لا مفر منه؟
وأكد أنه بالاتجاه نفسه، هل يؤدي الاعتماد المتنامي على الذكاء الاصطناعي إلى الحد من قدرة البشرية على الخلق والإبداع؟ وهل سيزيد القصور في اجتراح الحلول لمشكلات وتعقيدات كبرى طارئة؟ ويغدو كالهاتف الجوال الذي يتعذر التحرك من دونه وخرائط جوجل التي يشعرنا غيابها بالعمى الجزئي، هل يصل الذكاء الاصطناعي ونماذجه اللغوية كـ"Chat gpt" إلى مرحلة يستحيل فيها أن نقرر من دونه؟
وتساءل: "هل يعمل انتشار هذا الذكاء الآلي لإقالة العقل وتغليب النقل، وكيف لا نخشى الأسوأ كأفراد وقد سبقتنا الحكومات إلى ذلك، ونحن نرى أنه يكاد يحدث نوع من المساواة بين فنان مبدع وآخر لا يفقه في الفن شيئًا".
وقال إنه على الجميع إقرار أن الذكاء الاصطناعي بكل أذرعه واستطالاته لم يبدأ قبل عقود ليتوقف الآن، والتطور لن يلجمه كل تلك المخاوف ولن تكون هنام صدمة بشكل من الأشكال، وربما تتسع الهوة بين من يواكب ومن لا يواكب من المجتمعات والأفراد، ولكن بلا شك هناك منعطف جديد هائل الانزلاق والوعورة سيفتح آفاقًا جديدة، لا أحد قادر على التكهن بها، فإذا كان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرًا على خلق نوع من المساواة بين فنان مبدع وآخر لا يفقه في الفن شيئًا، فإن ذلك الفنان لو تمكّن من دمج إبداعه بذكاء الآلة فلن يسبقه أحد ولن يدانيه مستسهل.