يستعد الصندوق السيادي السعودي لتقليص ميزانيات بعض المشاريع المحلية للسنة الثانية على التوالي، وسط ارتفاع الإنفاق الإجمالي، ما يعكس تغير أولويات المملكة ضمن خطة بقيمة تريليون دولار لإعادة هيكلة الاقتصاد.
تعديل الصندوق السيادي السعودي
طلب 'صندوق الاستثمارات العامة' من بعض الشركات التابعة له تقليص الميزانيات المقترحة للعام المقبل بنسبة تصل إلى 20%، في حين قد يتم تسريع بعض المشاريع الأخرى، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كون المعلومات خاصة. وقالوا إن الصندوق يراجع أيضاً ميزانيات مشاريع لم يتم الإعلان عنها بعد.
من المتوقع أن تُعرض خطط الإنفاق لعام 2025 الشهر المقبل على مجلس إدارة الصندوق، والذي سيتخذ القرارات النهائية بشأن إجمالي النفقات والميزانيات المخصصة لكل مشروع، وفق الأشخاص الذين أشاروا إلى أن بعض المشاريع التابعة للصندوق تسعى للحصول على تمويل خارجي لتعويض أي تخفيضات في الميزانية.
وقال 'صندوق الاستثمارات العامة' في بيان: 'سيستمر تمويل جميع المشاريع التي تم الإعلان عنها مسبقاً، ولم يتم تأجيل أي منها.. بل إن وتيرة ضخ رأس المال تتزايد.. ومع نضوج مشاريع وشركات الصندوق وتوسعها، ستتوفر لها خيارات تمويل متنامية، تشمل الاستثمارات الخاصة وأسواق رأس المال'.
يتولى 'صندوق الاستثمارات العامة'، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الدور الرئيسي في تنفيذ مبادرة رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط. وتعكس احتمالات تقليص بعض المشاريع تحولاً مستمراً في أولويات السعودية، التي تواجه تحديات انخفاض أسعار النفط إلى جانب تباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بعض القطاعات.
أصبحت الحاجة لإعادة تقييم خطط الإنفاق لبعض الشركات التابعة للصندوق ملحة بشكل خاص بعد فوز المملكة بحق استضافة سلسلة من الأحداث العالمية، بما في ذلك كأس آسيا لكرة القدم 2027، والألعاب الشتوية الآسيوية 2029، ومعرض إكسبو 2030. كما أن السعودية هي المرشح الوحيد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 'فيفا 2034'، حيث يتولى الصندوق قيادة معظم مشاريع التطوير اللازمة لهذه الفعاليات.
التداعيات على الشركات
لكن أي قرار يتخذه الصندوق بتعديل الإنفاق أو إبطاء وتيرة بعض المشاريع قد يؤثر على الشركات المعنية. على سبيل المثال، اضطرت إحدى شركات المقاولات الأجنبية إلى تسريح عدد كبير من العمال في نيوم هذا العام نتيجة تقليص بعض الخطط.
من المتوقع أن تسجل السعودية عجزاً في الميزانية حتى عام 2027 على الأقل. وبحسب صندوق النقد الدولي، تحتاج المملكة إلى سعر 98.40 دولار للبرميل لتحقيق التوازن بين الإيرادات والإنفاق الحكومي، فيما تقدر 'بلومبرغ إيكونوميكس' سعر التوازن عند 106 دولارات إذا أخذنا في الاعتبار الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة. يُذكر أن سعر خام برنت يبلغ حالياً نحو 73 دولاراً، بينما تُقيد السعودية إنتاجها كجزء من اتفاقها مع تحالف 'أوبك+'.
ولمعالجة هذه الفجوات، جمعت المملكة وصندوق الاستثمارات العامة مليارات الدولارات عبر مبيعات الديون، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، والتي تتوقع وكالة 'موديز' أن تصل إلى 35% بحلول عام 2030، وهي نسبة لا تزال أقل بكثير مقارنة بمعظم الدول الأخرى.
بدأ المسؤولون السعوديون بالإعلان عن تأجيل بعض خطط الإنفاق قبل نحو عام، دون الكشف عن المشاريع التي قد تتأثر.
وفي الوقت نفسه، ذكروا أن وتيرة بعض المشاريع ستُسرّع.
وقالت وكالة التصنيف الائتماني 'موديز' في تقرير هذا الشهر: 'رغم أن الحكومة بدأت بمراجعة مالية أدت إلى إعادة ضبط الأولويات لبعض المشاريع، نتوقع أن يظل الإنفاق الرأسمالي والاستثمارات المحلية للصندوق مرتفعين نسبياً خلال السنوات القادمة'.
وقد رفعت الوكالة مؤخراً تصنيف المملكة لأول مرة منذ تقييمها الأول في عام 2016، مدفوعة بالتقدم المستمر في تنويع الاقتصاد وتحسن الآفاق للقطاع غير النفطي. يُتوقع أن يسجل هذا القطاع نمواً سنوياً بنسبة 4% إلى 5% وفقاً لتقديرات الحكومة والمحللين.
لا تزال المشاريع، بما في ذلك المدينة الطينية التاريخية في الدرعية ومركز الترفيه في القدية، على رأس الأولويات، وفقاً لمطلعين. كما يخطط مطار الملك سلمان الدولي، أحد المشاريع الضخمة، لبدء إنشاء أحد مدارج الطيران قبل نهاية العام.
من بين المشاريع التي قد تواجه تخفيضات 'المربّع الجديد'، الذي من المتوقع أن يضم ناطحة سحاب على شكل مكعب بحجم يسمح باحتواء 20 مبنى بحجم مبنى 'إمباير ستيت'.
وذكرت 'بلومبرغ نيوز' أن نيوم، المشروع الأكثر بروزاً ضمن خطط ولي العهد، قد خُفضت ميزانيته بنسبة 20% تقريباً هذا العام.
رفض ممثلون عن 'المربّع الجديد' التعليق على الأمر، بينما رفض مشروع 'نيوم' تقديم أي تعليق.
قال صندوق النقد الدولي في يونيو إن إعادة ضبط الإنفاق للحد من 'مخاطر الضغط الزائد والحفاظ على الاستدامة المالية والخارجية' أمر مرحب به، لكنه دعا إلى مزيد من الشفافية بشأن المشاريع التي تأثرت.