شارك الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، في جلسة نقاشية بعنوان "من شركة ناشئة إلى البورصة: مسارات جديدة للنمو والاستثمار"، وذلك ضمن فعاليات النسخة الأولى من أسبوع الابتكار في مصرEgypt Innovation Week، الذي انطلقت فعالياته
بالتزامن مع قمة "تكني" لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة في قصر غرناطة التاريخي الذي أُعيد ترميمه ليصبح مركزًا ثقافيًا وسياحيًا ومجتمعيًا متكاملًا. وجاءت مشاركة الدكتور فريد في إطار حرص الهيئة على تعزيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال وربطها بمصادر التمويل المستدامة، وتأكيدًا على الدور المركزي الذي يلعبه القطاع المالي غير المصرفي في تمكين الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والتكنولوجيا، حيث دعا رواد الأعمال لمزيد من الابتكار والتطوير.
وشهدت الجلسة حضورًا واسعًا من رواد أعمال من مختلف القطاعات، والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، وأدار الحوار المهندس طارق القاضي، مؤسس قمة "تكني" للتكنولوجيا وريادة الأعمال.
واستهل رئيس هيئة الرقابة المالية كلمته، بالتأكيد على أن أسبوع الابتكار في مصر فرصة أمام الشباب من رواد الأعمال لتحويل الأفكار إلى مشروعات ناجحة، واكتشاف حلول مبتكرة قابلة للتنفيذ، وفرصة للحكومة والشركاء لترسيخ قناعة بأن مصر تسير بخطى ثابتة نحو موقعها كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي. وأوضح أن ما يدفع الهيئة للمضي قدمًا في تطوير التشريعات والأدوات التمويلية ليس فقط الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وإنما أيضًا الحماس والإصرار الذي يلمسه في عيون الشباب المشاركين في مثل هذه الفعاليات. وأوضح أن رواد الأعمال لا ينظرون إلى التحديات باعتبارها عوائق، بل يرونها فرصًا للابتكار وصناعة حلول جديدة، مؤكدًا أن هذا الإيمان بقدرة الشباب على تغيير الواقع هو ما يحفّز الهيئة على مواصلة جهودها لتوفير بيئة مواتية وداعمة تُمكّنهم من تحويل أفكارهم إلى مشروعات ناجحة تسهم في مستقبل أفضل لمصر.
أوضح الدكتور محمد فريد أن الهيئة العامة للرقابة المالية تنطلق في عملها من قناعة راسخة بأن الثقة ليست مجرد شعار يُرفع، بل ممارسة يومية تُترجم في السياسات والإجراءات، مشددًا على أن الهيئة منفتحة دومًا على الحوار البنّاء مع مختلف الأطراف، وعلى رأسهم الشباب ورواد الأعمال. وأكد أن الشباب والشركات الناشئة لهم دور محوري في دفع عجلة الاقتصاد القومي نحو مزيد من النمو والتطور، ولذلك تضع الهيئة على عاتقها مسؤولية دعمهم وتمكينهم عبر العمل المستمر على تبسيط الإجراءات وتطوير القواعد بما يتناسب مع طبيعة أنشطتهم وسرعة نموهم. وأعرب عن سعادته بالحوار المباشر مع شباب رواد الأعمال، الذي يمنح الهيئة فرصة الاستماع إلى تطلعاتهم وتحدياتهم، ويمثل مصدر إلهام لمواصلة الجهد من أجل تغيير الواقع إلى الأفضل وبناء بيئة استثمارية أكثر شمولًا ومرونة وعدالة.
وأكد الدكتور محمد فريد أن أي نقاش حول مستقبل الشركات الناشئة لا يمكن أن يكتمل دون التطرق إلى آليات الخروج والطرح في البورصة باعتبارها من بين أهم الأدوات التي تتيح لهذه الشركات استقطاب التمويل طويل الأجل وتعزيز قدراتها التنافسية. وأضاف أن التجارب الدولية تؤكد أن بيئة ريادة الأعمال الناجحة تقوم على وجود أدوات مالية وتشريعية مرنة قادرة على مواكبة احتياجات الشركات في مختلف مراحل تطورها. ولفت إلى المزايا الضريبية التي تتمتع بها الشركات المُقيّدة مقارنة بتلك غير المُقيّدة، وأن الهيئة تواصل التعاون مع وزارة المالية في سبيل التأسيس لنظام ضريبي داعم للنمو وجاذب للشركات لكي تقيّد أسهمها في سوق المال.
وأشار رئيس هيئة الرقابة المالية إلى أن الإدراج في السوق الرئيسي للبورصة المصرية هو النموذج التقليدي والأكثر شيوعًا، لكنه يتطلب متطلبات مرتفعة تشمل حجم أعمال كبير ورأسمال يصل إلى مئات الملايين من الجنيهات، وهو ما يجعله مناسبًا للشركات الكبرى فقط. أما سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، فقد جرى تصميمه لدعم الشركات في مراحل النمو الأولى بمتطلبات أقل، إلا أن جذب المستثمرين فيه يظل مرهونًا بقدرة الشركات على تحقيق معدلات نمو مرتفعة قد تصل إلى 30% أو 40% وحتى 100%.
وأوضح رئيس الهيئة أن مصر تراقب عن كثب التطورات العالمية في هذا المجال، خاصة في الولايات المتحدة، حيث ظهرت أدوات تمويلية مبتكرة مثل شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPACs)، التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة كآلية بديلة للطرح التقليدي. وتقوم هذه الشركات بجمع أموال من المستثمرين عبر البورصة بهدف الاستحواذ أو الاندماج مع شركة قائمة، مما يتيح للشركات الناشئة الوصول إلى الأسواق المالية بشكل أسرع وأيسر.
وسلّط الضوء على موافقة الهيئة على تأسيس أول شركة رأس مال مخاطر ذات غرض الاستحواذ (SPAC) في القرار رقم 2323 لسنة 2024، وهي الخطوة التي تهدف إلى فتح قناة تمويلية جديدة من خلال البورصة المصرية للأنشطة المالية غير المصرفية والمنصات الرقمية التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية في ظل الفرص التي يتمتع بها كلًا من القطاعين المؤسسات المالية غير المصرفية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية لتوسيع قاعدة المستفيدين من الأنشطة المالية غير المصرفية.
وكشف الدكتور فريد أن الهيئة وافقت على تجربة الـ (SPAC) العالمية لكن بنكهة مصرية، أي أنها وافقت عليها لتكون أكثر ملاءمة لخصوصية السوق المصرية. وأوضح أن هذا النموذج يمزج بين فلسفة صناديق رأس المال المخاطر (VCs) وآلية الطروحات العامة، حيث يسمح بإدراج مجموعة من الشركات الناشئة داخل محفظة واحدة تُطرح جماعيًا في البورصة.
وأضاف أن هذه الآلية تمنح الشركات الصغيرة، التي يصعب عليها بمفردها دخول البورصة، فرصة عادلة للوصول إلى التمويل والطرح، كما يوفر للمستثمرين مزايا تنويع المخاطر وزيادة العوائد المحتملة.
وشدد رئيس الهيئة على أن نجاح هذه الأدوات يتطلب إطارًا تشريعيًا وتنظيميًا مرنًا يوازن بين حماية حقوق المستثمرين وتمكين الشركات الناشئة من النمو. وأوضح أن الهيئة تعمل بشكل مستمر على تحديث لوائحها للسماح بظهور أدوات مالية مبتكرة دون المساس باستقرار السوق أو ثقة المستثمرين.
وأكد أن التحدي الحقيقي لا يكمن في مجرد ابتكار أدوات جديدة، وإنما في بناء منظومة متكاملة تتضمن بنية تشريعية متطورة، وممارسات حوكمة رشيدة، وشفافية مالية، بما يعزز ثقة جميع الأطراف في السوق.
وأشار الدكتور فريد إلى أن مصر حققت خلال السنوات الأخيرة تقدمًا ملموسًا في تحسين البيئة القانونية والتنظيمية، حيث أصبحت الجهات الرقابية أكثر تعاونًا مع الشركات طالما التزمت بالقانون. وأضاف أن هناك دعمًا حكوميًا واضحًا لتسهيل إجراءات تسجيل الشركات والتعامل مع المتطلبات التنظيمية، وهو ما يعكس وعيًا متزايدًا من الدولة بأهمية دور الشركات الناشئة في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وختم الدكتور محمد فريد كلمته بالتأكيد على أن البيئة الاستثمارية في مصر تسير في الاتجاه الصحيح، وأن البلاد تتمتع بشباب موهوب، وشركات ناشئة طموحة، وحكومة جادة في دعم الإصلاحات التشريعية، معتبرًا أن ما نحتاجه هو الاستمرار في هذا المسار، واستغلال أدوات مثل الـ (SPAC)، حتى نصنع بيئة مالية واستثمارية متطورة قادرة على تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي لريادة الأعمال والابتكار.