أكد المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن مصر حققت إنجازات غير مسبوقة فى منطقة شرق المتوسط، ليس فقط لاعتبارات الموقع الجغرافى، بل وأيضاً بفضل تلاقى أربعة عوامل رئيسية تحققت بفضل جهود حكومية مثابرة وحكيمة، هى: اكتشافات الغاز الطبيعى فى المناطق البحرية؛ الإصلاح الاقتصادى والمالى؛ تنمية موارد الطاقة المتجددة؛ وإقامة شبكات الربط الكهربائى.
وأضاف المجلس - خلال مؤتمره السنوى عن عام 2020 والذى عقد تحت شعار "الاستراتيجية المصرية للطاقة فى شرق المتوسط... الفرص والتحديات"، بمشاركة مجموعة من الخبراء والمتخصصين والدبلوماسيين- أنه ونتيجة لتلك الجهود، باتت مصر مركزاً إقليمياً هاماً لنقل وتداول الطاقة، وتحوَّلت إلى الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى منذ عام 2019، كما باتت مصدراً صافياً للطاقة.
وتابع المجلس ان النجاحات التى تحققت فى مجال تطوير مصادر الطاقة المتجددة أدت إلى تحقيق فائض فى الكهرباء قابل للتسويق مع ما تمَّ إنجازه فى مجال الربط الكهربائى إلى أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فى وضع يسمح لمصر اليوم بالاضطلاع بدور رئيسى فى مجال الطاقة البازغة فى شرق المتوسط.
ونوَّه المتحدثون فى هذا السياق إلى الأهمية الاستراتيجية لاكتشاف حقل "ظهر" العملاق فى أغسطس 2015، وهو الاكتشاف الأكبر للغاز فى المنطقة حتى الآن، والذى غيَّر قواعد اللعبة، وعجَّل بتلاقى العوامل الأربعة المشار إليها.
وجرت أعمال المؤتمر السنوى على ثلاث جلسات، تناولت الأولى منها مقومات مصر كمركز إقليمى للطاقة، عُرِض خلالها ثلاث أوراق؛ تعلقت الأولى منها بالموارد الهيدروكربونية فى منطقة شرق المتوسط وموقع مصر منها، وأخرى حول البنية التحتية لمصر فى مجال الطاقة، بما فيها محطات تسييل الغاز وقدراتها وشبكات الربط الكهربائى والبترولى من أنابيب ومعامل تكرير ومحطات كهرباء وتسهيلات سوميد وخزاناتها بموانىء البلاد، وفى هذا السياق، تم التأكيد على أنه لا توجد دول أخرى فى المنطقة تمتلك بنية تحتية مثيلة أو منافسة.
أمَّا الورقة الثالثة، فقد تطرقت إلى مستقبل الطاقة البديلة فى مصر، وما تحقق من إنجازات فى هذا الشأن عززت من مكانة مصر كمُصدِّرٍ صافٍ للطاقة للمنطقة العربية وأفريقيا وآسيا والقارة الأوروبية، مع القابلية للنمو الكبير فى المستقبل القريب مع تقدم مشاريع الطاقة المتجددة والنووية.
وتناولت الجلسة الثانية موضوع ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الثروات، وفقاً لأحكام القانون الدولى ذات الصلة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وفى هذا السياق، تناولت الورقة الأولى الوضع بالنسبة لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية فيما بين دول المنطقة، وآخرها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان فى أغسطس 2020، وهو ما أغلق الطريق أمام تركيا للتحايل على القواعد القانونية الدولية الحاكمة، مثل قيامها بتوقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة الانتقالية السابقة فى ليبيا فى 27 نوفمبر 2019 حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين استناداً إلى تفسير مختل وشاذ لهذه القواعد.
أمَّا الورقة الثانية، فقد تناولت منتدى غاز شرق المتوسط من حيث النشأة والتطور والأهداف، والدور المركزى لمصر فى إنشائه فى يناير 2019، وما بذلته من جهود دبلوماسية قادت إلى تحويله ليصبح منظمة دولية إقليمية يحكمها إطار قانونى ملزم، تضم سبع دول مؤسسة، بما فيها دولة فلسطين، منها ثلاث دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى (قبرص – اليونان – إيطاليا)، السوق المستهدف لغاز شرق المتوسط. أمَّا الورقة الثالثة، فقد عرضت للتعقيدات الخاصة بإدارة منظومات الطاقة فى المنطقة.
وفى الجلسة الثالثة من المؤتمر، تمَّ تناول التحديات أمام التعاون الإقليمى للاستغلال الأمثل للطاقة فى شرق المتوسط، من خلال ثلاث أوراق، عرضت الأولى للسلوك التركى العدوانى فى المنطقة، وسياستها البحرية الاستفزازية فى شرق المتوسط وأبعادها وأهدافها وانعكاساتها الاقتصادية والأمنية على الإقليم، وكذا التدخل العسكرى التركى فى ليبيا، ارتباطاً بملف الطاقة، ودوافعه وتداعياته، ومواقف القوى الإقليمية والدولية منه.
و تناولت الورقة الثانية تهديدات دول الجوار والمناخ الأمنى فى المنطقة، والتى من بينها استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية وتأثير ذلك على الاستغلال الأمثل للطاقة فى شرق المتوسط، والأنشطة الإرهابية وعمليات نقل المرتزقة الأجانب، وأنشطة الميليشيات والجماعات الإرهابية وغيرها من المخاطر والتهديدات لأمن واستقرار بعض دول الإقليم.
وعرضت الورقة الثالثة لمواقف القوى الكبرى من ملف الطاقة فى شرق المتوسط – ممثلة بصفة أساسية فى كلٍ من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين – واعتبارات الجغرافيا السياسية التى تحكم أدوار ومواقف هذه القوى من الملف. وفى هذا السياق، أثنى المتحدثون على السياسة الخارجية المصرية، وما حققته من إنجازاتٍ على صعيد حشد دعم كل هذه القوى – رغم ما بينها من تباينات – للإطار التعاونى الإقليمى الذى نشأ بفضل جهود القاهرة، ممثلاً فى منتدى غاز شرق المتوسط. وقد طالب المؤتمر الاتحاد الأوروبى والقوى الكبرى الأخرى المعنية بأمن واستقرار الإقليم، باتخاذ مواقف حازمة تجاه السلوك العدوانى للحكومة التركية، والذى يعوق الاستغلال الأمثل لموارد الطاقة فى الإقليم.
وفى الختام، شدَّد المؤتمر على الأهمية القصوى التى توليها مصر للعمل الجماعى المُنظَّم والمُؤسَّس على قواعد وأحكام القانون الدولى، من أجل الاستغلال الأمثل لثروات منطقة شرق المتوسط، والحاجة الماسَّة إلى وضع نهاية للاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وكذا السلوك التركى العدوانى فى المنطقة، ودعمها لجماعات الإرهاب والتطرف وإشعالها للصراعات داخل الدول.