مصر رفضت مبكرًا أن تكون "ملاذًا جغرافيًا" للحلول الإسرائيلية
الفراغ بعد حماس قد يكون أخطر من وجودها.. والحل يبدأ من الداخل الفلسطيني لا عبر الحصار
الدعم غير المشروط لإسرائيل يُقوّض صورة أمريكا الأخلاقية في العالم العربي
ترامب يتعامل مع غزة كملف للمكاسب الانتخابية وليس كأزمة إنسانية تحتاج تدخل عاجل
في ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط والصراع المستمر في غزة، يبرز دور مصر كلاعب إقليمي محوري في إدارة الأزمات وتعزيز الاستقرار، خاصة بعد موقفها مصر الحازم من قضية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وفي خضم التحولات العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط، وتصاعد التحديات الأمنية والسياسية التي تؤثر على الاستقرار الإقليمي، برزت الحاجة إلى إعادة تقييم دور اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وخاصة مصر والولايات المتحدة الأمريكية، في إدارة النزاعات وتوجيه مستقبل السلام. وفي هذا السياق، كان لنا هذا الحوار مع "إيرينا تسوكرمان"، المحامية الأمريكية المتخصصة في الأمن القومي، وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن للأجانب لشؤون حرب المعلومات، تناولنا فيه أبعاد التنسيق الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، وتطرقنا إلى المواقف السياسية الحاسمة التي تتخذها مصر بشأن القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تقييم السياسات الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، والتحديات التي تواجه تطبيق هذه السياسات على الأرض.. وإلى نص الحوار:
كيف يمكن للأمن القومي الأمريكي أن يستفيد من تعزيز التنسيق الاستراتيجي مع مصر في إدارة النزاعات الإقليمية؟
التنسيق الاستراتيجي الأعمق مع مصر يقدم فوائد ملموسة لمصالح الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط.
مصر، كونها الدولة العربية الأكبر سكانًا والقوة العسكرية الأساسية في المنطقة، تملك نفوذاً لا مثيل له في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. موقعها الجغرافي كبوابة إلى غزة وشبه جزيرة سيناء يضعها في قلب التحديات الأمنية مثل التمردات المسلحة، شبكات التهريب غير المشروعة، وأنشطة الجماعات المتطرفة.
من خلال تعزيز التنسيق مع مصر، تكتسب الولايات المتحدة شريكاً في الخطوط الأمامية قادر على منع التدهورات قبل تفاقمها.
علاوة على ذلك، يوفر التنسيق المصري الأمريكي معلومات ميدانية حيوية حول الوكلاء الإقليميين والأدوار الإقليمية التي تنطوي على وكلاء مدعومين من إيران ومنظمات إرهابية. ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع القاهرة تحسن بشكل كبير من قدرات الإنذار المبكر والفعالية العملياتية الأمريكية. إلى جانب الاستخبارات، وتعزز التدريبات المشتركة والتعاون العسكري المتبادل والاستعداد، مما يضمن استجابة سريعة وحاسمة ضد التهديدات العابرة للحدود.
استراتيجياً، يعكس التنسيق المصري الأمريكي والشراكة القوية بين الولايات المتحدة ومصر، رسالة واضحة للخصوم الإقليميين، لا سيما إيران، بأن واشنطن لديها حلفاء موثوقون ملتزمون بمواجهة النفوذ الخبيث. وعبر الاستثمار في شراكة مؤسسية طويلة الأمد مع مصر، تستطيع الولايات المتحدة دعم محور إقليمي حيوي وتعزيز أهداف مكافحة الإرهاب والدبلوماسية والأمن الأوسع نطاقا.
كيف ترين توازن الدور المصري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية والولايات المتحدة؟ هل يمكن أن يكون هذا نموذجاً للدول الإقليمية الأخرى؟
توازن مصر هو درس نموذجي في الدبلوماسية الإقليمية الواقعية. فمن جهة، تحافظ مصر على معاهدة سلام تاريخية لكنها متوترة مع إسرائيل، مع تعاون أمني وثيق خصوصاً في سيناء وغزة. ومن جهة أخرى، عليها إدارة علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية مثل حماس والسلطة الفلسطينية، اللتين تختلف شرعيتهما والدعم الشعبي لهما بشكل كبير، لكنهما يمثلان جهات ذات مصالح إنسانية وسياسية كبيرة. وأخيراً، عليها التنقل ضمن شراكتها مع الولايات المتحدة التي تطالب بالتعاون المستمر في مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي، مع مراعاة الرأي العام الداخلي الذي يتعاطف بقوة مع القضية الفلسطينية.
هذا التوازن الثلاثي يتطلب ضبطاً مستمراً ورسائل دقيقة. والقيادة المصرية نجحت في الحفاظ على الثقة التي تتمتع بها إقليميا ودوليا، والاستفادة من نفوذها على الفصائل الفلسطينية لوساطة التهدئة، دون إغضاب الرأي العربي العام أو الشركاء الإقليميين. هذا المسار يحمل مخاطر كبيرة — حيث قد تؤدي الأخطاء إلى اضطرابات داخلية أو أزمات دبلوماسية — ومع ذلك، تمكنت مصر من الحفاظ على دورها كوسيط إقليمي رغم الضغوط الكبيرة.
كما يمكن للدول الإقليمية الأخرى، خاصة تلك التي لديها تحالفات متضاربة وخطوط داخلية متشابكة، أن تستفيد من نموذج مصر الذي يقوم على نهج عملي ومرن بدلاً من مواقف أيديولوجية جامدة.
الدرس الأساسي هو أن الدبلوماسية الناجحة في الشرق الأوسط تتطلب القدرة على الموازنة بين مصالح متعددة في وقت واحد، ودفع التقدم التدريجي، وتجنب التفكير الصفري. ويمكننا القول إن النموذج المصري يعد من أندر الأطر الفاعلة في ظل تقلبات المنطقة.
في ظل العلاقة الشخصية القوية بين الرئيس ترامب والرئيس السيسي، هل تلقى العلاقة المؤسسية بين واشنطن والقاهرة الاهتمام والاستثمار الذي تستحقه؟
بينما وفرت العلاقة الشخصية بين ترامب والسيسي فرصاً لدفع التعاون الثنائي، إلا أنها لم تتحول بالكامل إلى علاقة مؤسسية عميقة بين الولايات المتحدة ومصر. فالكيمياء الشخصية قد تفتح الأبواب، لكن الشراكات المتينة تتطلب تواصلاً مؤسسياً مستمراً ووجود دبلوماسي ثابت، وتنسيق بين الوكالات، وتخطيط استراتيجي طويل الأمد قادر على التكيف مع التغيرات السياسية وتبدل السياسات.
خلال ولاية ترامب الأولى، كان جزء كبير من التفاعل مع مصر تقليديًا ومعاملاتيًا، مركزاً على حزم المساعدات العسكرية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والزيارات الدبلوماسية الإعلامية. ومع ذلك، كان هناك اهتمام بمسائل هيكلية أعمق، مثل تعزيز المؤسسات المدنية، ومعالجة قضايا حقوق الإنسان بطرق تدعم الاستقرار طويل الأمد، والاستثمار في التنمية الاقتصادية باهتمام أقل انتظاماً. هذا النهج المعاملاتي حد من القدرة على بناء شراكات شاملة تعزز مصالح الولايات المتحدة وتدعم التحديات المحلية والإقليمية المعقدة لمصر.
مع عودة ترامب لولاية ثانية، تتاح فرصة لإعادة ضبط العلاقة برؤية استراتيجية أكثر عمقاً، عن طريق الاستثمار في العلاقات المؤسسية، وتعزيز قدرات السفارة، وتعزيز المشاركة متعددة الأطراف مع الوكالات المصرية، ودمج تنسيق السياسات الأمريكية عبر الجهات الحكومية ذات الصلة، كل ذلك سيعزز المكتسبات بعيداً عن مرحلة الدبلوماسية الشخصية، ويضمن استمرارية التعاون بغض النظر عن الأفراد.
يرى بعض المحللين أن إدارة ترامب تعاملت مع الشرق الأوسط بمنهج معاملات تجارية فقط. هل تعتقدي أن هذا النهج أضر بحضور أمريكا الاستراتيجي طويل الأمد في المنطقة؟
النهج المعاملاتي الذي تميزت به إدارة ترامب — بمعالجة العلاقات على أنها صفقات ثنائية تركز غالبًا على العوائد الاقتصادية أو العسكرية — كان له تأثيرات مختلطة على الحضور الاستراتيجي الأمريكي طويل الأمد في الشرق الأوسط.
من ناحية، سمح هذا النهج بتحقيق مكاسب سريعة وصفقات بارزة، مثل مبيعات الأسلحة، عقود الطاقة، والاتفاقيات الدبلوماسية مثل اتفاقيات أبراهام. هذه النتائج أظهرت نفوذ الولايات المتحدة وقدمت مكاسب سياسية فورية.
لكن الجانب السلبي للنهج المعاملاتي يكمن في محدوديته وتركيزه على المدى القصير، بالتركيز على إبرام الصفقات بدلاً من بناء تحالفات متينة أو الاستثمار في القدرات المؤسسية، فوتت الولايات المتحدة فرصاً لبناء ثقة وتأثير أعمق.
كما أن الحلفاء والشركاء شعروا بنهج أكثر براجماتية"، مما قلل من جاذبية القيادة الأمريكية كطرف موثوق. علاوة على ذلك، تجاهل هذا النهج التعقيدات الاجتماعية والسياسية التي تشكل المنطقة، مما أدى إلى حلول تفتقر إلى الاستدامة أو تعجز عن معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات.
في منطقة معقدة ومتقلبة كالشرق الأوسط، يمكن أن يؤدي النهج المعاملاتي وحده إلى تآكل النفوذ الناعم الأمريكي، وإبعاد الشعوب، وخلق فرص لمنافسين مثل روسيا والصين أو إيران لتوسيع نفوذهم عبر تقديم بدائل.
كيف يتم تلافي تلك المشكلة وإعادة الثقة بين الولايات المتحدة وشركائها؟
لتعزيز الوجود الأمريكي بشكل استراتيجي في ولاية ترامب الثانية، من الضروري موازنة المكاسب المعاملاتية مع بناء علاقات طويلة الأمد ودبلوماسية مبدئية.
إذا عاد دونالد ترامب إلى السلطة، ما التعديلات التي توصين بها في السياسة الأمريكية تجاه غزة؟
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في فترة ثانية، ينبغي أن يبدأ إعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه غزة ومصر بالاعتراف بالحقائق الميدانية في غزة والتجاوزات الصارخة والاستفادة من النفوذ الدبلوماسي الفريد لأمريكا.
بالنسبة لغزة، يجب أن يتحول التركيز من نهج عقابي أو عسكري بحت إلى استراتيجية أكثر توازناً بين الاعتبارات الأمنية والإنسانية.
كيف تصفين سياسات ترمب السابقة تجاه غزة؟
سياسات ترامب السابقة كانت تميل بقوة نحو احتياجات أمن إسرائيل، متجاهلة قضايا المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مما زاد من الاستياء وعدم الاستقرار.
في بيئة غزية متقلبة، إهمال البُعد الإنساني ليس فقط مسألة أخلاقية، بل هو قصير النظر استراتيجياً، ويجب على الولايات المتحدة استئناف شكل محسوب من المساعدات يدعم البنية التحتية المدنية ويخفف من المعاناة، مع العمل عن كثب مع مصر لضمان ألا تُستخدم المساعدات لتحقيق أهداف غير إنسانية.
وماذا عن علاقات الولايات المتحدة بمصر؟
فيما يتعلق بمصر، تحتاج واشنطن إلى استثمار يتجاوز صفقات الأسلحة والمعاملات الدبلوماسية العرضية. يجب أن تشهد ولاية ترامب الثانية إقامة شراكة منظمة ومؤسسية مع القاهرة تبني على العلاقة الشخصية التي تم تأسيسها وتثبتها ضمن أطر بيروقراطية لضمان الاستمرارية والعمق. هذا يتضمن تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، دعم التنمية الاقتصادية المستدامة، والمساعدة في تعزيز مؤسسات الحكم الرشيد التي تساهم في الاستقرار الداخلي المصري.
في المجمل، التعديل الرئيسي هو الانتقال من سياسة قصيرة النظر إلى رؤية استراتيجية متوازنة تأخذ في الحسبان كل من الأمن والمصالح الإنسانية والسياسية الإقليمية المعقدة.
كيف تقيمين سياسة نتنياهو الحالية الخاصة بالحصار والتجويع في غزة كوسيلة للحرب؟ وهل يمكن تبريرها قانونياً وإنسانياً؟
سياسة نتنياهو بفرض حصار صارم على غزة مدفوعة بالحاجة الإسرائيلية إلى تحييد القدرات العسكرية لحماس وحماية مواطنيها من الهجمات المستمرة.
وترى الحكومة الإسرائيلية أن تقييد السلع والموارد تكتيك ضروري للضغط على حماس لإضعاف بنيتها التحتية وسلاسل التوريد. ومن منظور أمني، قطع الموارد يهدف إلى تقليص قدرة الحركة المسلحة على إعادة التسلح واستمرار الأعمال العدائية.
المشكلة هنا ليست في حجم المساعدات المسموح بها، بل في فشل إسرائيل في وضع استراتيجية متماسكة للتعامل مباشرة مع السكان المدنيين أو تجاوز السيطرة القمعية التي تمارس خلال توزيع المساعدات. وهذا تسبب في حدوث تلاعب بعملية التوزيع.
من الناحية القانونية والإنسانية، يجب أن يكون هناك التزام بضرورة تقليل الأضرار المدنية وضمان وصول المساعدات الإنسانية لمن يحتاجها.
حكومة نتنياهو تعرضت لانتقادات لعدم استغلالها بشكل كافٍ الشركاء الإقليميين، مثل مصر والمنظمات الدولية، لتطوير آليات أكثر تعقيدًا لحماية المدنيين، ودون هذه الاستراتيجية، فإن تأثير الحصار يطال بشكل غير متناسب الأبرياء، ما يضر بالمبادئ الإنسانية ويحد من فعالية الأهداف العسكرية والسياسية الإسرائيلية الأوسع. هذه الفجوة الاستراتيجية تعكس تعقيدات تحقيق توازن بين الضرورات الأمنية والحاجة الملحة لرعاية المدنيين في ظل النزاع.
من خبرتك في الأمن القومي، هل هدف القضاء على حماس من خلال حل عسكري بحت أمر واقعي أم مجرد وهم سياسي؟
الفكرة التي تقول إنه يمكن هزيمة حماس عبر وسائل عسكرية فقط هي مشكلة عميقة، فعلى الرغم التفوق العسكري الإسرائيلي، أظهرت حماس قدرة مرنة على التكيف، وإعادة التنظيم، والحفاظ على نفوذها رغم الحملات الإسرائيلية المتكررة.
والقضية ليست مجرد مسألة تكتيكية بل هي تحدٍ استراتيجي وسياسي، فحماس ليست فاعلاً عسكرياً فقط، بل هي جزء متجذر في النسيج الاجتماعي لغزة، تعمل عبر شبكات حكم، خدمات اجتماعية، وغرس أيديولوجي. وهذا يجعل النهج العسكري البحت غير محتمل في تفكيكها بالكامل.
ويجب أن ترك أنه تاريخياً، الانتصارات العسكرية على فصائل مقاومة نادراً ما تترجم إلى سلام دائم أو استقرار سياسي دون استراتيجيات سياسية مرافقة.
كما تحظى حماس بدعم إقليمي وأيديولوجي يتجاوز غزة، مما يخلق طبقات من التعقيد لا يمكن للضربات العسكرية وحدها معالجتها. علاوة على ذلك، الاعتماد الحصري على القوة العسكرية يعرض المدنيين لمعاناة أعمق ويزيد من عزلة إسرائيل عن شركائها الإقليميين، مما يطيل دوامة العنف بدلاً من كسرها.
والنهج الواقعي يتطلب دمج العمليات العسكرية مع جهود دبلوماسية منسقة تشمل دولاً إقليمية، فاعلين إنسانيين، دون هذه الاستراتيجية الأوسع، يظل هدف القضاء الكامل على حماس مجرد وهم سياسي أكثر منه هدف عملي.
هل لا يزال ترامب أو مستشاروه يعتقدون أن الهزيمة العسكرية لحماس يمكن أن تمهد الطريق لسلام أوسع، أم أن هذا النهج منفصل عن واقع الأرض؟
ضمن دائرة ترامب، لا يزال هناك تيار من الإيمان بفكرة أن هزيمة حاسمة لحماس عسكرياً ستخلق بيئة أمنية تهيئ الطريق لسلام أوسع. هذا التفكير يتماشى مع نهج ترامب القائم على "صنع الصفقات" حيث يُتوقع أن تؤدي الخطوات الحازمة إلى فتح المجال لإنجازات دبلوماسية.
لكن هذا النهج كثيراً ما يقلل من شأن الحقائق السياسية والاجتماعية الراسخة على الأرض، فالقضاء على حماس سيترك فراغاً كبيراً في السلطة، ولا يضمن ظهور طرف معتدل وموثوق للتفاوض.
كما الخطر هو أن المزيد من العنف قد تسبب ببساطة في ظهور قوة مسلحة أخرى أو يعمق الانقسامات الفلسطينية، مما يعقد مسار السلام بدلاً من تبسيطه.
علاوة على ذلك، يبدو أن نهج ترامب منفصل عن التحولات الإقليمية الأوسع، حيث تفضل الدول العربية إدارة النفوذ الإيراني وتعزيز العلاقات الواقعية مع إسرائيل، متجاوزة القضية الفلسطينية كموضوع أساسي، دون معالجة هذه الديناميات الجيوسياسية العميقة وتعقيدات الحكم الفلسطيني، إلا أنه من غير المرجح أن ينجح النهج العسكري وحده في تحقيق السلام.
ما تقييمك لموقف مصر المبكر والحازم الرافض لأي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء؟ وكيف يؤثر ذلك على جدوى "الحلول" الإقليمية التي نوقشت بهدوء تحت خطة ترامب؟
رفض مصر المبكر والواضح لأي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء يشكل اختباراً واقعياً حاسماً لجدوى الاقتراحات الإقليمية السابقة. هذه الاقتراحات، التي كانت أحياناً تطرح بهدوء في الأروقة الدبلوماسية، تضمنت أفكاراً حول نقل السكان أو إعادة تخصيص الأراضي، متجاهلة سيادة مصر والاعتبارات الإنسانية للفلسطينيين أنفسهم.
من خلال رسم هذا الخط الحازم، سلطت مصر الضوء على القيود العملية والأخلاقية لمثل هذه "الحلول". فسيناء تمثل منطقة حساسة واستراتيجية للغاية بالنسبة للقاهرة، وإعادة توطين الفلسطينيين قسرياً فيها لن يؤدي فقط إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، بل سيتعارض أيضاً مع المعايير القانونية الدولية التي تحظر النقل القسري للسكان.
وهذا الموقف المصري الصلب يُغلق بفعالية أحد المخارج الأكثر إثارة للجدل التي كان بعض المخططين ينظرون إليها بصمت، ويعزز الحاجة إلى التركيز على حلول ترتكز على احترام حقوق الفلسطينيين، وسيادة الدول الإقليمية، والقانون الدولي. كما يقوي هذا الموقف من دور مصر كوسيط رئيسي ملتزم بالاستقرار، ويؤكد أن أي حل دائم يجب أن يبنى على التوافق والأطر السياسية الواقعية، وليس على هندسة سكانية قسرية.