تكشف 'أهل مصر' النقاب عن بعض الأنشطة الحرفية والصناعات الجديدة؛ وذلك في الجزء الثالث من حفائر جزيرة تنيس شاهدة على العصر.
قال طارق إبراهيم مدير عام الآثار في بورسعيد وبحيرة المنزلة في حديثه لـ 'أهل مصر'، إن مدينة 'تنيس' انفردت بأرباضها أو ضواحيها القائمة تحت أسوارها من الخارج الممتدة على طول سواحل الجزيرة، مستفيدة من موضعها هذا في وظائفها المرتبطة بنشاط المدينة البحري، وفي الاستيراد والتصدير والشحن والتفريغ ومخازن، ودواوين متعلقة بالجمارك ثم مرافق لا يمكن قيامها في وسط المدينة كمطاحن الجبس ومواقد الجـير واسطبلات الخيل والملاحات ومساحات فضاء للرماة وعمال تبييض الثياب.
بالإضافة إلى الحمامات العامة والتي بلغ عددها 36 حماما، وطواحين الغلال والتي تم الكشف عن بعض أحجارها، كما كان نمط المقابر ومواضعها قد جاء وليد ضيق مساحة الجزيرة واقتظاظها بالسكان، مشيرا إلى أن وجود نسبة كبيرة من السكان النصارى بها له أثره من خلال كثرة دور العبادة المسيحية، كما كان بها عدد كبير من المساجد، بالإضافة إلى المسجد الجامع الكبير وكان توزيع هذه المساجد لا يقتصر على داخل المدينة بل كانت هناك المساجد في ضواحيها 'أرباضها' خاصة الربض الشمالي، فكان به مصلين لجنائز الموتى وآخر لصلاة العيدين.
قطعة من زخارف الطيور المتقابلة
وأضاف مدير الآثار، أن أعمال الحفائر أكدت أنه قد مورست في تنيس أنشطة حرفية وصناعية عديدة، وظلت المدينة تتمتع بشهرة واسعة في صناعة النسيج حيث كانت الصناعة الرئيسية طوال حياة المدينة، وكان لها شهرتها في إنتاج أنواع القباطي والثياب المشهورة من القصب والشروب، كما أشارت بعض المراجع إلى مدى اهتمام العباسيين والطولونيين والإخشيديين والفاطميين بمصانع النسيج في المدينة التي أطلق عليها دور الطراز، وما كانت تنتجه من أنواع الخلع الثمينة والمطرزة بأسماء الخلفاء ووزرائهم، فضلا عن كسوة الكعبة المشرفة، كما أوضحت تلك النصوص وما عثر عليه من منسوجات خاصة المحفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وبعض المتاحف العالمية وبعض المجموعات الخاصة حول العالم مدى التقدم وما بلغته هذه الصناعة في تنيس.
قطعة من الكتان باسم المقتدر بالله العباس
وأشار إبراهيم إلى أن ما تم الكشف عنه من التحف المنقولة من شتى أنواع الفنون التطبيقية، من خلال الحفائر أدى إلى التعرف على مدى انتشار صناعة الفخار من شبابيك القلل، تلك الأوانى الفخارية ذات اللون الأصفر الضارب إلى الخضرة أو الرمادي، والتي كانت تستخدم في تبريد مياه الشرب واقتصرت الزخارف على مصفاتها (شبابيكها) الداخلية، والتي قصد منها تنظيم تدفق الماء خارج القلة ولتحول في الوقت ذاته دون تسرب الهوام والعوالق إلى داخل القلة، ويزين هذه الشبابيك زخارف مفرغة ومحزوزة أشبه ما تكون بالمنخل ذو الثقوب الكثيرة، تسمح بخروج الماء ولا تسمح بدخول الهوام.
المسارج اللوزية الشكل مزخرفة بالقالب عليها زخارف كتابية وهندسية و أشكال لطيور وحيونات محورة
وتابع طارق إبراهيم، أن المسارح كانت أكثر انتشارا حيث وجدت في أغلب مستويات الحفر وكانت المسارج اللوزية الشكل أكثرها، وقد صنعت هذه المسارج في قوالب في شكل بيضاوي مدبب، زخرف الجزء العلوي منها بالقالب بزخارف بارزة من كتابات عربية، وزخارف نباتية وهندسية وطيور وحيوانات هذا بالإضافة إلى الأشكال الأخرى من المسارج الفخارية المطلية والمسارج الخزفية الأخرى، والمتنوعة الأشكال الطبقية والكروية والتي تأخذ شكل السلطانية.
أشكال متنوعة من جلل النفط عليها كتابات عربية تقرأ سنا وسعادة وهنا
كما أمدتنا الحفائر بأشكال متنوعة من جلل النفط لتلك الأواني ذات اللون الأسود سميكة الجدران مخروطية أو كمثرية الشكل ذات طرف مسلوب إلى أسفل، غالبا تخلو من أي زخارف إلا من حزوز عند طرفها المسلوب، وربما يكون هذا النوع استخدم كقنابل يدوية أو كمسارج تضاء بالنفط وهناك شكل ثاني منها من الفخار الأحمر اللون متوسط الحجم في الغالب كروي الشكل أو رماني الشكل مبطط القاعدة خالي من أي زخارف، كما أن لها رقبة وفوهة قصيرة للغاية، ويرى بعض الباحثين أن تكون هذه الأواني قد استخدمت كزمزمية لحمل الماء من زمزم من مكة إلى أرجاء بلاد المسلم.
مسارج كرويه بلون واحد فخار مطلى
هذا بالإضافة إلى العديد من الأواني الفخارية المختلفة كالأطباق والصحون العميقة والمسطحة والأقداح والكؤوس والسلاطين والقوارير والأباريق والأزيار والانفورات والبرنيات، وغيرها من الأشكال كالقواديس وأنواع المكاييل المخصصة للحبوب والزيوت، كما تعد الأواني المصنوعة من الخزف، والتي عثر عليها بالمدينة من المواد الأثرية القيمة، ذلك للاعتماد عليها بصفة خاصة في تأريخ طبقات الحفر الأثري.
قلل عليه زخارف نباتية بعضها محور يشبة الدنتيلا القرن 4,3 الهجري
وأيضًا الطراز الفنية وكذلك ترتيب مراحل التطور الحضاري والفني، كما يعد الخزف من أكثر القطع الأثرية المنتشرة من اللقى الأثرية على سطح التل، كما أنه وجد في كل أماكن الحفر تقريبا وفي أغلب مستويات الحفر، وقد أمدتنا حفائر تنيس بشتى أنواع الخزف بداية من الخزف المحزوز والخزف المرسوم تحت الطلاء وفوقه، والخزف الرقيق المعروف بخزف الفيوم والخزف ذو البريق المعدني والبورسلين والسيلدون وغيرها من الأنواع المحلية والمستوردة.
أجزاء من أطباق وسلطانيات من أنواع متعددة من الخزف المحزوز