تعتبر مهنة صناعة الفخار من الصناعات القديمة، وتشتهر بها مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ منذ زمن بعيد، ويكافح العاملين بهذه المهنة فى ظل التحديات والمشاكل الكثيرة التى تواجهها، حيث أن مهنة صناعة الفخار أصبحت من المهن التى قاربت على الاندثار، الأمر الذى دفع البعض لاتخاذ قرارعدم توريث هذه المهنة لأبنائهم وذلك لصعوبة ما واجهوه بها.
'محمد السعيد'، وشهرته 'حمودة الفخرانى'، أحد صانعى الفخار بمدينة دسوق، ويعمل بهذه المهنة منذ صغره لمدة قاربت الأربعين عاماً، وذلك لتوارثه هذه المهنة عن عائلته التي تعمل بها منذ سنوات بعيدة، وكغيرهم من العاملين بهذه المهنة، يكافح محمد وإخوته فى هذه المهنة التى يحبونها كثيراً، ويصرون على أن يكملوا بها مهما واجهوا من تحديات.
يقول محمد لـ'أهل مصر'، إن ما يميز من يعمل بهذه المهنة عن غيره أنه يستطيع العمل بأى مهنة أخرى، بينما من يعملون بالمهن الأخرى لا يستطيعون أن يعملوا بمهنتنا هذه، 'اللى بيشتغل فى مهنتنا سهل عليه يشتغل فى أى مهنة تانية'، مشيرا إلى أن هناك أناس يأتون إلينا من محافظات أخرى لشراء منتجاتنا، فالفخار صحى فى الطعام، وهذه المهنة تتطلب الأمانة والضمير، فمن لا يمتلك ضميراً سليماً لا يمكنه النجاح في هذه المهنة.
وأضاف: 'الخطوات التي نتبعها هنا لصناعة المنتج هى أننا نقوم فى البداية بشراء الطين، ثم نضعه بحوض ونضيف إليه المياه ليتحلل، وبعد ذلك يتم تصفيته، ونتركه لمدة 4 أو 5 أيام حتى يجف، وبعدها نبدأ فى تشكيل المنتج ثم نتركه ليجف تماماً، وتأتى بعد ذلك مرحلة وضعه بالفرن إذ نتركه لمدة 5 أيام تقريباً إذ نقوم بتدفئة الفرن بنشارة الخشب، وأخر يوم نشعل النيران بالخشب والنشارة فى الفرن لمدة 3 ساعات، وباليوم التالي نخرج المنتج من الفرن، وبعدها يأتى الزبون لشرائه، ومرحلة صناعة المنتج تستغرق تقريباً 20 يوماً، ونصنع هنا الكثير من الأوانى سواء لتناول الطعام أو للشرب وغيرها الكثير'.
ويتابع: لا أستطيع أن أجزم إن كنت سأورث أبنائى لهذه المهنة أم لا، لأننا واجهنا تحديات كثيرة بهذه المهنة، ولا نريد لأبنائنا أن يروا ما مررنا به، فهذه المهنة تتطلب أن يكون الشخص ذا صحة جيدة، لأن هذه المهنة تؤثر بالسلب على صحة الفرد، ويتابع: هناك طلبة من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية يأتون إلينا لشراء منتجات من هنا ، وذلك إضافة إلى طلاب من هنا بالمحافظة أيضاً.
ويكمل: من المشاكل التى نعانى منها فى هذه المهنة هى شكاوى البعض من الدخان الناتج عن حرق المنتج بالأفران، ولكننا هنا لا نستخدم سوى نشارة الخشب والخشب، كما أننا أيضاً نعانى من مشكلة أخرى ففى البداية كان العميل يتواصل معنا ليطلب ما يريده من منتجات، أما الآن فنحن من نتواصل مع الزبائن، والعميل الذى يأتى لا يشترى الكمية بأكملها بل نسبة منها.
وأوضح: الخامات أسعارها مرتفعة ونحن مضطرون أيضاُ لرفع السعر لتعويض ذلك وحتى نستطيع تحقيق ربح، ويضيف: المهنة في طريقها للانقراض حيث أن هناك زحف عمراني على أماكن صناعة الفخار، ففى المكان هنا كان يوجد قرابة الـ 40 موقعاً لصناعة الفخار، أما الآن تقلص الرقم لأربعة أماكن، ولكننا نحب هذه المهنة وحتى لو انتهت بالمكان هنا سنبحث عن مكان أخر ونبنى به موقعاً لصناعة الفخار ونعمل به، 'المهنة دى من قديم الأزل وعمرها ما هتنتهى'.
ويقول محمد، إنه يعانى من كسر فى المفصل وشرخ فى العضلة منذ سنوات وهذا تسبب له فى إعاقة، والتى يعانى بسببها أثناء عمله بهذه المهنة خاصة فى فصل الشتاء، وأوضح أنه لا يستطيع رفع ذراعه سوى لمستوى معين، وأحياناً قد يطلب من أشخاص مساعدته فى العمل بمقابل مادى لأنه لا يستطيع بسبب المشاكل الصحية التى يعانى منها.
'إبراهيم السعيد'، شقيق محمد، وصانع فخار، يقول أيضا لـ'أهل مصر': أتحدى أى شخص أن يتعلم هذه المهنة، فمهنة صناعة الفخار هى مهنة ذكاء، وتحتاج لدقة إذ أنها ليست مهنة عشوائية، فكل شىء بنسب معينة، ويضيف: لا نستطيع الاستغناء عن هذه المهنة، وأنا أعمل بهذه المهنة منذ صغرى، ونحن ثلاثة إخوة نعمل بها، ونقسم أدوار العمل علينا.
ويتابع: نحاول الحفاظ على هذه المهنة، ولكننا لن نستطيع توريثها لأبنائنا، فنحن الجيل الرابع من الأسرة الذى يعمل بصناعة الفخار، فنحن نتمنى أن نطور هذه المهنة ولكن ليس فى استطاعتنا ، حيث أن التطوير يتطلب معدات وآلات حديثة والمنتج لن يغطى تكاليف الإنتاج ، وبالتالى نضطر للعمل بشكل بدائى، والمنتج يستغرق 20 يوماً ليكون جاهزاً حتى نبدأ فى تسويقه، وطوال هذه الفترة ننفق من مالنا الخاص، وهناك مشاكل تحدث متعلقة بالتسويق فنضطر لترك المنتج بالمكان حتى يأتى أحد لشراؤه، ونصنع للعميل المنتج حسب رغبته الخاصة.