ولدت طفلة طبيعية لا تعاني ألمًا أو مرضًا، وقبل اكتمال عامها الأول، شاءت الأقدار أن تغير مجرى حياتها، فأصيبت عن طريق الخطأ بشلل أطفال، لكن الله يضع المنحة في قلب المحنة، واحتواها هي وأسرتها باللطف ووضعها في عنايته، فغدت سفيرة العطاء.
وفاء الحسك من محافظة سوهاج:
إنها الفتاة الشابة ' ابنة محافظة سوهاج، وفاء محمد الحسك'، أول فتاة من ذوي الهمم تتبرع لوالدها بكليتها، والبالغة من العمر 37 عاما، تروي قصة إصابتها بشلل الأطفال، ودعم أسرتها التي زودتها بكل ما يلزمها، لتكمل مسيرة الحياة بطاقة وأمل ولتبلغ مرادها، تقول: 'أصيبت بشلل الأطفال عن طريق الخطأ، إذ تم حقني بالتطعيم ضد شلل الأطفال، وكنت في الشهر التاسع من العمر، والنتيجة كانت إصابتي بشلل الأطفال، معلقة: 'ومن هنا بدأت قصة الكفاح والألم، التي أمسكا أول طرفها أبي وأمي ثم بالتبعية كان نصيبي الأكبر منها، استلمت المسئولية كاملة بعدما أدا رسالتهما نحوي على أتم وجه'.. حسب تعليقها.
والدي "وفاء الحسك" الداعم الأكبر:
تتابع 'وفاء الحسك': 'أقسما والديّا على إكمال تعليمي بكافة مراحل التعليم إلى حد اكتفائي، لافتة إلى قضاء مرحلة الطفولة المبكرة وحتى إنهائها مرحلة التعليم الأساسي بالمستشفيات لتلقي العلاج اللازم، وكانت تنجح بتفوق طيلة هذه الأعوام، وكانا والداها يتقاسمان استذكار دروسها معها، إلى أن انتقلت المرحلة الإعدادية واجتازتها بنجاح عظيم، معلقة: 'تفوقي حفز والدي لإلحاقي بالثانوية'.. حسب تعليقها، متابعة: 'إلا أن والديّا قابلا هجوما من الأقارب، معترضين على استكمال التعليم، والمشقة التي أتكبدها وأكبّدها لأسرتي، ولكن من حسن حظي، أن والدي كان محبا لي أكثر من نفسه'.
قصة كفاح الأسرة:
وتضيف 'وفاء الحسك': 'كان والدي يعمل موظفا بشركة الألومنيوم بمحافظة قنا، بينما والدتي تعمل مديرة أسر منتجة تابعة لنفس الشركة، متابعة: 'لم يدخرا جهدا أو مالا في تعليمي والإنفاق على اجتياجاتي، فألحقاني بالثانوية العامة واجتازتها بنجاح، فالتحقت بكلية الأداب قسم الفلسفة، معلقة: 'كان والدي يحملني للطابق الخامس بالكلية لتلقي محاضراتي ولم ييأس أو يكّل مرة واحدة، وظل رفيق دربي هو وأمي وأسرتي إلى أنهيت الجامعة، كما وحصلت على دبلوم تربوي في كلية التربية، لاستطيع العمل في التربية والتعليم، وبالفعل تم تعييني في عام 2009 كمعلّمة فصل'.
مرحلة تعيينها بالمدرسة كمعلمة للأطفال:
تشير 'الحسك' إلى مرحلة عملها بالمدرسة إلى أنها مرحلة انتقالية في حياتها، خاصة وأنها ستتعامل مع أطفال، فجهزت نفسها لتكون على استعداد تام للتعامل معهم وتكون قدوة لهم، فأحبها الأطفال وأرادوا بعد ارتباطهم بها أن يكافئوها بشراء كرسي متحرك مجهز ومطوّر لإدخال السرور عليها، معلقة: 'كان الكرسي سبب محبة الأطفال وتعلقهم بيا'.. حسب تعليقها، متابعة: 'يسّر الله لي كل الأمور، فقذف محبتي في قلوب الأطفال وادارة المدرسة والعاملين، كما أن والدي أعد الطرق ومهدها للكرسي خاصتي، كي لا أتعثر وأسير بسهولة من وإلى المدرسة'.
تحديات وصبر وأمل:
وتقول 'الحسك': 'لم أقابل تحديات مرهقة، ولكن لا تسير الأمور بسهولة فلا بد من كفاح واجتهاد نوعا ما، وكنت أسعى جاهدة لأن أثبت لزملائي أنني مثلهم لا أقل عنهم جهدا وكفاءة، لافتة إلى سعيها الدؤوب لإثباتها لأسر الأطفال أنها جديرة لأن تكون معلّمة جديرة بثقة أسر الاطفال، معلقة: 'ولإني أضع الله أمامي في كل خطواتي، فكان دائم التوفيق لي'.. حسب تعليقها.
عمليات جراحية وصبر وكفاح:
وتردف 'الحسك' قائلة: 'تعددت عملياتي الجراحية، وفي عام كنت قد أجريت عملية جراحية، ورقدت في الجبس لتعديل اعوجاج العمود الفقري، متابعة: 'كان والدي يعاني من مرض بالكلى، وكان بحاجة لزرع كلى ولم تطابق أنسجته مع أي شخص من أسرتي، وقررت أعمل الفحوصات اللازمة للتطابق رغم رفض والدي، معلقة: 'والدي هو عمودي الفقري وأهم من العميات وصحتي نفسها'.. حيب قولها، مؤكدة على أنها قررت فور علمها بمطابقة الأنسجة مع والدها، بالتبرع بإحدى كليتيها له، وكأنها تقدم الحياة له من جديد، عرفانا واعترافا له بمحبته وعطائه لها طيلة سنوات عمرها، ووافق والدها على نقل الكلية بعد إلحاح منها وإصرار كبيرين'.
وفاء تمنح الحياة لوالدها:
وتتذكر 'وفاء' بألم وفاة والدها فتروي: 'كنت أجاهد لإنقاذ أبي فمنحته كليتي ليعود للحياة، وبالفعل عاش بصحة جيدة بعد عملية زرع الكلى وكانت سعادة لي أن يكون عضوا من جسدي ينمو داخله، لافتة إلى أنها تتمتع بصحة جيدة هي الأخرى، ولكنها الأقدار شاءت برحيل والدها عن الحياة الدنيا، فلم يبقى سوى اختيارين أمامها، إما أن تكمل مسيرة الحياة وما بدأه والدها معها أو أنها تتوقف عن السعي، معلقة :'قاومت الألم وأردت استكمال مسيرتي التي رسمها معي والدي، كان ذلك بمساعدة أمي واسرتي وزوج شقيقتي، وما زلت أواصل السير بنفس الاجتهاد في الحياة'.
سفيرة العطاء:
وتختتم في حوارها الخاص لأهل مصر: 'الحمد لله تم اختياري سفيرة للعطاء عام 2021، فضلا عن اختياري مستشار فني لمنتدى مسعود الدولي لذوي الهمم المهتم بالفنون والثقافة، لافتة إلى أنها أول معلمة من ذوي الهمم تعمل عرض استعراضي بعنوان 'علمونا في مدرستنا'، ممتنة لشقيقتها وزوجها اللذان لم يحرماها من الأمومة بإبقاء طفلهم معها يعتني بها ويمنحها المحبة، مؤكدة على مواصلة سعيها الدؤوب في الحياة لتوصيل رسالة سامية من خلال مشاركاتها الفعالة خاصة في مجال التربية والتعليم وغرس القيم في الأطفال'.