اعتاد أهالي الأقصر على ممارسة طقوس فريدة مختلفة أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، تتنوع ما بين عادات قديمة متوارثة من الآباء والأجداد وأخرى تعتبر حديثة، فلكل منطقة في الأقصر احتفالا مختلف عن منطقة أو قرية أخرى، ورغم ظروف وباء كورونا إلا أن ذلك لم يمنع من الاحتفال بالمولد.
طقوس الطريقة الرفاعية بإسنا
ويرصد 'أهل مصر'، في التقرير التالي، أهم تلك المظاهر التي تتجلى واضحة بمركز إسنا، حيث تختلف العادات والمظاهر فيها عن أي مكان أخر، ففي ليلة المولد يتجمع الأهالي بجوار ضريح 'الشيخ كوكو'، لمشاهدة طقوس الطريقة الرفاعية، حيث يضعون السيوف على الأعناق والرقاب والألسنة دون أن يتأذى أحدهم أو ينزف دما أو يترك حتى أثرا، فهذه العادة تمارس من الطريقة الرفاعية للتبرك وذكر الله -على حد قولهم-.
وعلى بعد 50 مترا من ضريح الشيخ كوكو، يقع ضريح السيدة زينب حيث يتوافد الأهالي على الضريح لشرب الشربات والتبرك بالضريح، وكذلك خروج مئات الأهالي للمشاركة في الدورة، وهي عبارة عن تجمع الأهالي حاملين العصي وخلفهم الخيول والجمال التي تحمل التوابيت ويرددون المدائح والابتهالات في جو تسوده البهجة والمحبة وأمام كل ديوان عائلة وهو دار المناسبات تقف الدورة لشرب الشربات والعصائر وتناول الحلويات والطعام وتجوب الدورة البلدة بأكملها بدءا من الصباح وحتى المساء.
مرماح المنشاة وبورصة الخيول
وفي قرية منشاة العماري شمال الأقصر، تبدأ احتفالات المولد مبكرا قبل المولد بحوالي 12 يوما، حيث يتوافد فرسان الخيول للمشاركة في مرماح الخيول حيث يتسابق الخيالة ويتبارون كل لإظهار براعته في فنون الفروسية على أنغام المزمار البلدي، فكل حصان يمثل عائلة أو قبيلة وإذا حقق الخيال مهارة تحسب للعائلة فضلا عن ارتفاع ثمن الحصان فهناك ما يشبه بورصة للخيول، وفي مساء الليلة الختامية قبل المولد تقام حلقة لرقص الخيل على انغام المزمار البلدي، ثم تناول العشاء، وفي صباح يوم المولد تقام مائدة إفطار كبيرة في كل ديوان حيث يتوافد الأهالي والمحبين لتناول الطعام والمشروبات.
الكرنك والعوامية
وفي منطقتي الكرنك والعوامية يخرج مئات الأهالي حاملين العصي والشوم ويجوبون المنطقة على انغام المزار البلدي، وانغام الدي جي الذي يصدح بالأغاني، وللأطفال احتفال خاص حيث ينشط سوق الحمير التي تؤجر بالساعة حيث تبلغ الساعة 50 جنيها للأطفال لركوبها بالإضافة إلى ركوب التوك توك والعربات الكارو المزينة بالبالونات.
مأدبة الملوخية الناشفة
وفي نجع العقاربة بمدينة الطود جنوب الأقصر، يحتفل الأهالي بالمولد النبوي الشريف بطريقة خاصة حيث يعدون مأدبة 'ملوخية' كبرى في ساحة القرية المركزية التابعة لمسجد النجع تجمع لها المحتفلين بالذكرى الشريفة، حيث يفترش الكبارٌ والصغار الساحة لتناول الملوخية الجافة 'الناشفة' عبر ملئها في أكواب أو أطباق أو زجاجات مع قطع اللحم الشهية، ليعود بعدها كل محتفل ومحب ليقيم احتفاله الخاص في منزله مع بأقي أفراد أسرته في عادة موروثة منذ أجدادهم للاحتفال بمولد النبي.
ففي الليلة الأخيرة للمولد النبوي الشريف يخرج الأطفال والرجال والنساء، شبابا وشيوخ على حد سواء، ترتسم البهجة على وجوههم يحملون الأكواب والآنية وطواجن الطبخ الصغيرة، ويتوجهون بها الى ساحة النجع الرئيسة، حيث يجلسون على الأرض، ويكون في انتظارهم قدور الملوخية 'الناشفة' ، ليتم توزيعها عليهم ومعها قطع اللحم، ليعودوا بها إلى منازلهم يكملون احتفالاتهم، ويتم تجهيزها على يد مجموعة من شباب القرية محترفون في الطبخ؛ حيث يتم في البداية ذبح عجل كبير ثم تطبخ عليه الملوخية، فضلًا عن باقي مكونات الوجبة، وهي كميات من الأرز، وأخرى من الكمونية وهي عبارة عن خليط من الصلصة ممتزج ببعض اللحوم البيضاء من العجل.
وتعود قصة الاحتفال إلى رواية أجدادهم بامتلاك أحد المؤسسين للقرية، لبقرة كانت على وشك الولادة قبل ذكرى المولد النبوي في إحدى السنوات البعيدة، وعندما تصادف ذلك مع الذكرى الشريفة نذر صاحب البقرة لله أن يخصص كل عجل تلده طيلة حياتها لإطعام الناس، وعمل وليمة به يوم ذكرى المولد النبوي، فتصادف أن هذه البقرة ظلت تلد عجولاً من الذكور ولم تلد إناثاً قط، فاستمر الرجل يذبح كل عجل في كل عام، واعتبر أهالي القرية بدورهم أن هذا العجل يخصهم جميعًا، فتركوه طليقاً في مزارعهم وبيوتهم وأحواشهم، واعتبروا أن مهمة إطعامه ورعايته تخصهم جميعاً، لدرجة أنهم كانوا يبحثون عنه بصعوبة في مزارعهم وأحواشهم حين يحل ميعاد ذبحه.