"وشه كان بيضحك"... حكايات وأسرار من عالم الموتى يرويها مغسّل متطوع بكفر الشيخ (فيديو)

محمد عبدالعزيز وافى
محمد عبدالعزيز وافى

عالم ملىء بالأسرار والحكايات، ومواقف صعبة تقشعر لها الأبدان يمر بها من يقتحم ذلك المجال، مهنة أطلق عليها 'مهنة أقوياء القلوب'، إذ لا مكان فيها لمن لا تتحمل قلوبهم مهابة التعامل مع عالم الموتى، إنه عالم تغسيل وتكفين الموتى.

مهنة أقوياء القلوب

جثث محترقة، وأخرى بها أعضاء مبتورة إثر حادث أودى بحياة صاحبه، وغير ذلك من المشاهد الصعبة يتعامل معها مغسل الموتى وخاصة إذا كان المتوفي هو أحد المقربين له، إذ يشرف فى هذه اللحظة على تجهيز عزيز قلب له قبل أن يوارى جسده بيديه الثرى.

رهبة كبيرة، وأحزان كثيرة يشعر بها مغسل الموتى أثناء أدائه المهمة الأخيرة فى حياة المتوفى، ومشاهد كثيرة تراها عيناه أثناء تغسيله للمتوفى، ولكن الأمانة تقتضى عليه أن يخفيها بقلبه كشخص لم ير ولم يسمع شيئا البتة.

تطوع لأكثر من 15 عاما

ورغم رهبة ذلك المجال إلا أن هناك من اختار أن يتطوع ويعمل به مجانا ابتغاء مرضاة الله تعالى، ومن بين أولئك محمد وافى، أحد أبناء محافظة كفر الشيخ، والذى رغم امتلاكه مصنع أخشاب، إلا أنه قرر التطوع فى مجال تغسيل وتكفين الموتى منذ أكثر من 15 عاما اقتداء بعمه.

البعض يتعرض لإغماء من هول الموقف

فى البداية يقول محمد فى حواره الخاص لـ'أهل مصر'، إنه تطوع فى تغسيل الموتى منذ 15 عاما، وأن الأمر بالنسبة له فى البداية كان شاقا للغاية، موضحا أنه درس الأمر عمليا، واطلع على كتب الفقه وغير ذلك لتعلم السُنة المتبعة فى التغسيل، وأن الغُسل ما هو إلا ممارسة، إذ أن البعض قد يكون على دراية نظريا بالأمر ولكنه لا يمتلك القدرة على الغُسل وتحمل الموقف عمليا، إذ يتعرض البعض لإغماء من هول الموقف.

ويتابع: هناك الكثير من المواقف التى لا أستطيع نسيانها، ففى بداية عملى فى هذا المجال كانت تحدث لنا رجفة من رهبة الموقف، ولكن أصبح هناك تعود على الأمر بالممارسة، ولخوفنا من أن نصاب بقسوة القلب، أصبحنا نذكر أنفسنا أن هذا المتوفى قد ارتدى ملابسه بنفسه وأن المغسل هو من سيخلعها عنه، فالمغسل يذكر نفسه أنه ربما يتوفى فى أى وقت ويلحق بذلك المتوفى.

تغسيل صديقى المقرب كان الأصعب على الإطلاق

ويكمل: هناك موقف لا أستطيع نسيانه وهو وفاة صديق مقرب لى، وأصبت بحالة نفسية صعبة بعد وفاته، وكنا نسير يوما سويا وطلب منى أن أقوم بتغسيله عند موته، فحدثته مازحا أن يتولى هو هذا الأمر ويقوم بتغسيلى، ولكن شاء القدر أن يتوفى فى صباح اليوم التالى، ونفذت وصيته، وكانت أصعب لحظة على هى دفنه فى القبر حيث رؤية صديقى المقرب للمرة الأخيرة فى تلك الحياة الدنيا، فتغسيل شخص مقرب لى يكون صعبا جدا.

علامات تظهر على الميت

ويقول: العمل فى تغسيل الموتى أمانة قوية، وليس أى شخص يستطيع تحملها، فنحن نشارك أهل المتوفى فى أحزانهم، ويشير إلى أن هناك أنُاس يكون تغسيلهم سهل جدا 'ريحهم بيكون خفيف تحس أنهم بيغسّلوا نفسهم ومرسوم على وشها الابتسامة، ومش المغسل بس اللى بيلاحظها، كل اللى معاه وبيسألوا علامة ده إيه، فبنقول إن دى علامات كويسة'.

أخطاء فى التعامل مع جسد المتوفى

وأما عن تغير لون وجه المتوفى وعلاقة ذلك بحسن أو سوء الخاتمة فيقول إنه في بعض الأحيان قد يتعامل أهل المتوفى مع جثمانه بطريقة غير صحيحة مثل وضع الرأس بطريقة خاطئة ما يؤدى لتدفق الدم إليها وتغير لون الوجه، فهذا ليس علامة على شىء وإنما سوء تعامل مع الجثمان.

ويقول: كان هناك صعوبة بالنسبة لأسرتى فى البداية فى تقبل عملى بهذا المجال، خاصة وأننى فى البداية لم يكن لدى زي مخصص للتغسيل، ولكن مع الوقت اعتادوا على الأمر وأصبح هناك استعداد من قبلها ولبسا مخصص للتغسيل.

ظروف الغُسل تختلف من حالة لأخرى

وأردف: تختلف ظروف الغُسل من حالة لأخرى، فالوفاة الطبيعية تختلف عن وفيات الحوادث والحروق وغير ذلك، ففي حالات الوفاة غير الطبيعية تكون هناك معاناة فى التعامل معها، فكل غُسل له طريقته الخاصة به، ويضيف: فى إحدى القرى المجاورة ذهبنا لحالة غُسل وتفاجأت أن الكفن به أمور غير صحيحة، وكنا ملتزمين بوقت معين، فأجريت اتصالا وأحضرنا ما يلزم من القماش اللازم وأعددنا كفنا صحيحا شرعيا، إذ أن تلك المواقف تتطلب سرعة تصرف.

تغسيل الطفل هو الأصعب

ويتابع: أصعب المواقف بالنسبة لى هى تغسيل الطفل، فأنا لا أتحمل ذلك الموقف وأشعر برهبة كبيرة وقتها، عند تغسيل الميت نكتسب الحزن الذى تشعر به أسرة المتوفى، إذ نشاركهم الحزن بكافة تفاصيله، وأتاثر نفسيا كثيرا بعد أى عملية غٌسل.

نصائح للتعامل مع جثمان المتوفى

واستطرد: يستحب أن يتم تغيير الملابس التى خرجت فيها الروح، بالإضافة إلى المكان الذى توفى فيه، ووضعه اتجاه القبلة، وأن يكن ميل الرأس بزاوية شبه مرتفعة حتى لا يتدفق إليها الدم، ويتابع: الغُسل والتكفين غير من حياتى كثيرا، إذ جعلنى أرى الدنيا بشكل آخر، وألا أكون مهتما بالدنيا كثيرا، فالغُسل له الأولوية فى حياتى.

ويقول: من المواقف التى لا أستطيع نسيانها أن شخص ما قد أوصانى أن أحضر غُسله عند وفاته وألح على كثيرا، وعند وفاته كنت مسافرا ولم أتمكن من حضور جنازته وحزنت كثيرا لذلك.

الأمانة هى أهم صفة فى المُغسل

ويكمل: الأمانة هى أهم صفة لابد من توافرها فى مغسل الموتى، إذ لابد أن يتعامل المُغسل مع مايراه على أنه سر، كأنه لم يرى أو يسمع شيىء على الإطلاق، ويتابع: نمر بمواقف طريفة أيضا مثل أن يتخوف منى شخص ما أو يتشاءم عندما يعلم أننى مُغسل، ولكننى أعتبر الأمر مزحة ولا أخذه على محمل الجد.

دعوة للتطوع فى تغسيل الموتى

واختتم حديثه متمنيا أن يكون هناك متطوعون أكثر لتغسيل الموتى، خاصة النساء لأن هناك عجزا فى السيدات المغسلات بسبب صعوبة الموقف بالنسبة لهن وعدم توفر الجرأة والشجاعة الكافية لديهن.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً