«مكناش مصدقين إننا هنقدر نعبر القناة لأن هذا يتطلب قنبلة ذرية تهدمه، وكنا نسمع شائعات كثيرة بأن إسرائيل لديها مكونات قوية، تحطم احلامنا، ولكننا تلقينا خبر الحرب بفرحة عارمة، حينما أتى إلينا الأمر بأننا سنحارب العدو الإسرائيلي الساعة الـ2 ظهرا، والمدفعية تدق فى الثانية والنصف، لكي يعود الطيران، شعرنا وقتها كأننا استيقظنا من النوم، وأغلب العساكر كان يريدوا القصاص لزملائهم الذين استشهدوا في 63 لذلك شعروا بأن الفرصة اتتهم للمرة الأولى لكي ينتقموا لأصحابهم، واطلقوا على قرار الحرب في ذلك الوقت اسم (الفرج) كـ المسجون الذي تم الإفراج عنه، فكان شيء بداخلنا هو الذي يحركنا وهو تمنى الإنتقام والثأر لمن ماتوا، فكنا فى الحرب نقف بجوار بعض ولم نفرق بين لواء أو عسكري فكنا نحمي بعضنا جميعا ونخاف على بعض مسلم مسيحي حاربنا بشعار واحد وهو الدفاع عن الوطن».
بهذه الكلمات المؤثرة يروي (عبدالمنعم حسنين محمد الشهير بالرغيب) أحد أبطال حرب أكتوبر لـ«أهل مصر» كواليس الحرب.
البطل
اللواء 112
وروى «عبدالمنعم حسنين محمد»، وشهرته عبدالمنعم الرغيب، من قرية «الحميدات شرق» مركز «إسنا» محافظة الأقصر، وأحد أبطال حرب إكتوبر، لـ«أهل مصر» بطولته فى الحرب قائلا: «كان نصيب فى معبر سربيوم، اللواء 112 عبرنا قناة السويس باللانشات العائمة، بعد تدريب شاق ومرير، وكانت أيام المعركة يوم سبعة، وثمانية، وتسعة بالنسبة لنا فرحا، لمجيء الفرصة إلينا لـ نثأر لأرواح زملائنا الذين استشهدوا فى المعركة الأولى، وأيضا لكي نستعيد كرامتنا، مؤكدا أن المعركة مع العدو بالنسبة له ولزملاؤه كانت أيسر من التدريب 100 مرة».
تبة الطيلة
وتابع حديثه عن أيام الحرب قائلا: «رفعنا علم مصر على الضفة الشرقية عند الإنتصار، وهناك تبة تسمى بـ (تبة الطيلة) معروفة للجيش دمرناها بفضل من الله فى خلال ساعة ونصف، لم يكن هدفنا النجاة من العدو ولكن كان شعارنا (الشهادة أو الإنتصار أنسى نفسك)، لم نفكر فى طعام ولا شراب ولا أهل لحظات الحرب ولكن كل ما يعنينا كان تحرير أرضنا، والقضاء على العدو بكل شراسة».
النبلم
وأوضح أنه أثناء الحرب أصيب بطلقة في اليد اليمنى، وأيضا إصابة بالنبلم «بودرة حارقة» فكانت يده اليمنى محروقة ومصابة برصاصة ويده اليسرى تحارب العدو، قائلا:
«دخلنا على دبابة فدمرناها بالنبلم، لإن وقتها كل تفكيرنا كان حارب علشان أرضك وعرضك، ودينك، وطنك، أرضك مغتصبة، يهودي على أرضك غصب عنك، لذلك كنا نقاتل بكل حماسة ونأمل فى النصر، فقاتلنا بكل قوتنا وكنا بيننا رابط قوي نحن وأخواتنا الأقباط، وهو حب الوطن لذلك استحلفنا بالنصر».
قرى محصنة
وتابع: «صدق قول الله تعالى لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتا»، مضيفا: «العسكري الإسرائيلي في الصحراء المكشوفة فشوش ميعرفش يعمل حاجة، كان بيتكلم عربي أول ما يشوفنا يقول شلوم يا مصري يسلم نفسه علطول، والطيران الإسرائيلي كان فوقنا ونحن مثل الجراد بالرغم من كثرة صورخنا ومقاومتنا الأرضية، ومع ذلك كنا نصتطاد منهم طايرين يتساقطوا بالبرشوت فكنا نقتلهم أو نأخذهم أسرى».
تبة الشجرة
وقال عبدالمنعم: «من أصعب المواقف التي تركت أثرا فى ذاكرتي من حرب أكتوبر حتى اليوم «تبة الشجرة» التي كانت محصنة تحصين جيد جدا، يطلع طيران يضرب عليها بعد الطيران ما يمشي التِبة تخرج نار، كان معانا عقيد قلنا سندخل على هؤلاء الأعداء مترجليين بمعنى أننا نذهب إليهم بأرجلنا وذهبنا إليهم فى الخَبَاثةُ والتفينا حولهم وجها لوجه وقضينا عليهم، ده موقف لا استطيع نسيانه لإن وقتها استشهد فيه حوالى 20 شخصا مننا، و7 عربيات منهم، تدمروا بدُشمة، ودُشمة هذه كانت قد تسببت فى تعطيل اللواء 112 ساعة ونصف، ولو كنا من الداخل، ولم نذهب إليهم مترجلين لم نكن نحقق هذا التقدم».
صائمين
وأشار البطل المحارب إلى أنهم بالرغم من كونهم صائمين ولم يصرف لهم سوى زمزمية مياه وجبات افطار إلا أنهم كانوا مثل الغول يحاربون بكل وحشية وبكل حقد وانتقام من العدو، مشددا أنهم مهما وصف عساكر مصر زملائه والمقاتلون معهم فى ذلك الوقت فهو وصف غير دقيق وغير مطابق لإنهم كانوا فرسان بنفسى الكلمة لا يخشون شيء سوى رد الكرامة والنصر، أو الموت.
جسد بدون رأس
وذكر البطل المحارب أنه من ضمن الأحداث التي لا تستطيع الذاكرة نسيانها حتى الآن ما حدث معهم فى القنطرة شرق ، حينما أراد العدو استرداد القنطرة، بعد أسرهم لعساف ياجوري، عاد الهجوم عليهم من العدو مرة آخرى فظلوا يومين كاملين يقاتلوا العدو حتى قضوا على هذا اللواء وجميع دبابته، حتى لم تعد سيارة واحد سليمة للعدو بسبب تدميرهم من المقاتلين المصريين، واستشهد منهم عدد كبير من العساكر والقوات المصرية، والتي كان ابشعها حينما رأى زميله بجواره جسد بدون رأس، وزميل آخر حينما رأى عدو اسرائيلي سيقتله وضع لغم تحت صدره ونام عليه، لعلمه بأن الإسرائيلي يقتله بالجنزير ، وهذا ما حدث بالفعل تقدم عليه الإسرائيلي وفوره إنهاء حياة المصري بالجنزير دبابة العدو انفجرت، واستشهد ومسك سلك الهاتف بأسنانه حتى ينقذ زملائه رغما كونه مستشهدا إلا أنه لآخر نفس فيه كان يحارب مما جعل العدو يصفه بلغم بشري.
فيلم الحرب
واعترف عبدالمنعم، أنه عند مجئ 6 اكتوبر من كل عام وتحديدا الساعة الثانية ظهرا، حينما يجلس على التلفاز ويسمع فيلم الحرب، تدمع عيناه وتسيل منها الدموع، فرحا بالنصر حيث يظهر شريط قتالهم فى الحرب أمام عينيه بعد كل هذه الأعوام وكأنه حدث أمس وليس من سنين، وأيضا فرحا بعودته بطلا عقب اعتقاده بأنه يستحيل أن يعود بعد الحرب حيا ويعيش بين أهله حتى اليوم، لافتا إلى أنه بعد الحرب ولد طفلا كان يرغب فى تسميته حمدي يوم 6 اكتوبر ولكن وجد السجل أجازة لعطلة اكتوبر، وبعدها رزقه الله ببنتا أسماها انتصار لانتصاره هو وزملاؤه فى حرب اكتوبر.