استيقظت نجلاء الغريب، الفتاة البالغة من العمر 19 عامًا، والتي تعمل في أحد مصانع الاستثمار في محافظة بورسعيد، على صوت أذان الفجر، وتوضأت وأدت فرضها، داعيةً الله أن يأتي يوم ترتاح فيه من التعب والشقاء، وأن تكون أيامها مليئة بالسعادة، وكأنها كانت تدعو بلقاء ربها دون أن تشعر، وبعد ذلك، ارتدت ملابسها وتناولت بعض الفطور لتسد جوعها، ثم استعدت لركوب 'أتوبيس الموت'، ودعت والدتها بابتسامة، وقالت 'هانت يا أمي كلها شهور وأخلص فلوس الشوار، وهجبلك العلاج و أنا راجعة'.
ودعتها والدتها وهي تردد: 'ربنا يسعدك يا ضنايا، ويسترك، ويكملها معانا بالستر ويكفيكي شر الطريق، ويفرح قلبي بيكي'.
لم تلتفت الصغيرة، التي تبلغ من العمر 19 عامًا، إلى صعوبات رحلتها اليومية بين المطرية وبورسعيد، الطريق غير الممهد يتحول إلى ظلام دامس أثناء عودتها ليلاً، حيث تبدأ رحلتها بعد أذان الفجر وتستمر حتى أذان العشاء، بحثًا عن لقمة العيش، تكمل عملها بوردية إضافية لتتمكن من توفير 'لقمة العيش' وأدوية والدتها المريضة، خاصةً أنها الابنة الوحيدة لها، بعد وفاة والديها.
جلست الفتاة الصغيرة في الأتوبيس بجوار النافذة، لتجد نفسها ترتدي فستان الزفاف، وفي يدها باقة من الورود البيضاء كانت ترقص مع من أحبته قلبها، وتسمع زغاريد والدتها لكن مع صوت الضوضاء والصخب، استيقظت فجأة، لتدرك أنها كانت تحلم، تهرب بأحلامها من الطريق القاسي.
من زغاريد إلى صراخ ومن ثوب أبيض إلى كفن أبيض
دخلت الصغيرة المصنع، وظلت تعمل طوال اليوم، حتى نهاية العمل، فاستقلت أتوبيس الموت، بعد ساعات من التعب، والشقى، ولم تمض دقائق وتحقق حلم الصغيرة، وارتدت الكفن الأبيض، وضاعت كل أحلام والدتها، وتحولت الزغاريد إلى صراخ، وعويل، وبدلا من أن تزفها والدتها إلى عريسها تسلمت جثتها من المشرحة، وزفتها إلى قبرها.
مع السلامة يا ضنايا
وفي مشهد آخر حزين أمام مشرحة مستشفى الزهور ببورسعيد حين يرقد جثمان الفتاة الصغيرة وحيدة والدتها جلست الأم تبكي، وظلت تنظر في وجوه جميع من حولها وهي تردد كلمات مؤلمة قائلة: بنتي الوحيدة ماتت، هأجيلك قريب يا نجلاء، خلاص مش هآخد الدواء، بدل ما أزفك بالأبيض، لبستي الكفن يا نن عين أمك' وطلبت الأم بوقف كفن ابنتها دقائق أمامها قبل دخوله سيارة دفن الموتى، وظلت تتحدث اليها بكلمات موجعة، أبكت الجميع، وكأن بينهما أسرار تخبرها بها، وفي النهاية أشارت بيدها قائلة 'مع السلامة خلاص أخيرا ها ترتاحي من الشقى يا ضنايا'.
قصص وحكايات شهداء لقمة العيش
قصص وحكايات لكل شهيد من شهداء لقمة العيش عمال مصانع الاستثمار في حادث طريق المطرية - بورسعيد بالأمس رحلة يومية شاقة للبحث عن لقمة العيش، الشاب الذي يحلم بالزواج والأم التي تعمل بالمصنع طوال اليوم تساند زوجها الذي يعمل الحقول والمزارع من أجل 'الستر' الفتاة التي ترسم مستقبلها، وكل طموحها في عيشة بسيطة وهنيئة، ولكن على ما يبدو أن الله كتب لهم عيشة أفضل في الدار الاخرة لأنهم ماتوا بحثا عن الرزق الحلال، بحثا عن لقمة العيش، بحثا عن الستر (شهداء لقمة العيش).