التقى الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة وعضو اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف، شيوخ وعُمَد ووجهاء مركز (إسنا) بمحافظة الأقصر؛ وذلك في إطار دعم جهود الصُّلح المجتمعي، وبحث سُبُل التعاون والتكامل بين جميع الأطراف المعنيَّة بإرساء ثقافة التسامح ونبذ العنف، والعمل على إنهاء الخصومات الثأريَّة، بين العائلات في مختلِف محافظات الصعيد.
اللجنة
ويأتي هذا اللقاء في إطار حِرص الدكتور محمد الجندي على توسيع دائرة الشراكة المجتمعية في القضاء على ظاهرة الثأر، في ضوء توجيه ورعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتكثيفًا لجهود اللجنة العليا للمصالحات برئاسة فضيلة أ.د. عبَّاس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر.
وخلال اللقاء، أكَّد الدكتور الجندي أنَّ فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يشعر بآلام أهل الصعيد شعورَ الأب بأبنائه، ويستحضر معاناتهم جرَّاء هذا الإرث الجاهلي الذي أنهك القلوب واستنزف الدماء، لذلك يُولِي ملف المصالحات الثأريَّة اهتمامًا بالغًا؛ لما له من أثر عظيم في حقن الدماء، وحماية الأرواح، وترسيخ دعائم الأمن والاستقرار، ونَشْر قيم السلم المجتمعي التي دعا إليها الإسلام الحنيف.
وحثَّ الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة حكماء الصعيد ووجهاءه على بذل المزيد مِنَ الجهود لإطفاء نيران الفتن، مؤكِّدًا أنَّ مسئوليَّتهم كبيرة؛ لأنَّ صوت العقل ينقذ عشرات الأرواح، ويمنع سنوات طويلة من الدم والدموع، موضِّحًا أنَّ اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف تمدُّ يدها إلى جميع الشرفاء من أبناء الصعيد، وتفتح أبوابها للتعاون الكامل مع الحكماء والوجهاء ولجان المصالحات الأهليَّة في ربوع الجمهوريَّة؛ إيمانًا بأنَّ الصُّلح مسئوليَّة دِينيَّة، وأنَّ الحفاظ على الأرواح مقدَّم على كل اعتبار.
وشدَّد فضيلته على ضرورة نَشْر المفهوم الحقيقي للصُّلح داخل مجتمعاتنا، مؤكِّدًا أنه ليس ضعفًا أو خنوعًا؛ بل هو قمَّة الحكمة، ودليل قوَّة العقل ورجاحة الرأي، وأنَّ مَن يقدِّم الصُّلح والسلام على العصبيَّة الجاهليَّة، إنما يسجِّل اسمه في سجل الشرفاء الذين حفظوا الأوطان من الانقسام، وحموا المجتمعات مِنَ الانزلاق إلى دوائر لا تنتهي من العنف والدمار؛ لأنَّ الصُّلح يحقن الدماء، ويصون الكرامة، ويُعيد الاستقرار، ويفتح أبواب المستقبل أمام الأجيال المقبلة.
وبيَّن أنَّ ما يشتهر به أهل الصعيد من شهامة ومروءة لا ينسجم إلا مع ثقافة العفو والصُّلح، بوصفهما عنوان القوة والحكمة وحفظ الكرامة، أمَّا عادة الثأر فهي دخيلة على ثقافة أهل الصعيد الأصيلة، ولا تمتُّ لقيمهم النبيلة بصلة، ومن الواجب التخلُّص منها؛ لأنها لا تمثِّل تاريخهم ولا حاضرهم، ولا تخدم مستقبل أبنائهم، بل تجرُّ المجتمع إلى دوائر مِنَ الألم والخسارة لا طائل منها.
ووجَّه الدكتور محمد الجندي رسالةً إلى أبناء الصعيد المقيمين خارج محافظاتهم أو خارج مصر، دعاهم فيها إلى القيام بدورهم في دعم جهود المصالحات، من خلال توعية أهليهم بخطورة الثأر وآثاره المدمِّرة في حياة الأُسَر والمجتمع، وما يترتَّب عليه من فقدانٍ للأرواح، وضياعٍ للاستقرار، وتعطيلٍ لمصالحهم، مؤكِّدًا أنَّ أبناء الصعيد في الخارج يمتلكون وعيًا واسعًا وتجارِبَ إنسانيَّةً وحياتيَّةً عميقة، تؤهِّلهم لنقل صورة واقعيَّة لمستقبل آمن لا يُبنَى إلَّا على التصالح والتسامح وسيادة القانون؛ حتى لا يتركوا أهلهم فريسةً لصوت الغضب والعصبية العمياء.
واختتم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة اللقاء بتوجيه رسالة إلى جميع لجان المصالحات بمحافظات الجمهورية، بضرورة التنسيق والتواصل مع الأزهر الشريف؛ بما يُسهِم في نَشْر قِيَم السلام والمحبَّة، وترسيخ ثقافة الحوار والتفاهم، وبناء مجتمع متماسك يسوده الأمن والتراحم، ويحمي الأُسَر من آثار النزاعات والصراعات، لافتًا إلى أنَّ جهود المصالحات هي استثمار دائم في استقرار الوطن، وصون الكرامة الإنسانيَّة، وغَرْس قِيَم التعايش والرحمة بين الجميع.

اللجنة