لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني سواء قبل أو بعد إقامة الدولة العبرية عام 1948، في محاولة لفرض الاستسلام والأمر الواقع عليه والحيلولة دون إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بحسب قرارات الشرعية الدولية.
وتتنوع هذه الجرائم ما بين الحروب والعمليات العسكرية والاقتحامات اليومية والاعتقالات التعسفية والتوسع الاستيطاني وإطلاق يد المستوطنين المتطرفين والعقوبات الجماعية والقتل غير المشروع والتهجير القسري وفرض القيود على التنقل ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، إلى جانب الإعدامات الميدانية، واحتجاز جثامين الشهداء، وإساءة معاملة الأسرى.
وكان لقطاع غزة الذي يعد أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يقطنه نحو 4ر2 مليون فلسطيني، النصيب الأكبر من الحروب الإسرائيلية، فمن بين سبعة حروب شنتها إسرائيل على القطاع خلال العقدين الأخيرين، خاض رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو خمسة حروب، كان آخرها الحرب الدامية والمدمرة التي مر عام عليها وتدور رحاها حاليًا بعد هجوم 'طوفان الأقصى' المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023.
وتشمل الحروب السبعة التي شنتها إسرائيل على غزة منذ انسحابها الأحادي الجانب من القطاع في أغسطس عام 2005، ما يلي:
عملية "أمطار الصيف" في 2006
قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عملية عسكرية للجيش تحت اسم 'أمطار الصيف'، ردا على أسر مقاتلين فلسطينيين للجندي جلعاد شاليط خلال هجوم على دبابة قرب حدود قطاع غزة في 25 يونيو عام 2006.وبعد الأسر بيومين، بدأت العملية الإسرائيلية بقصف واسع، تلاه توغل بري لتحقيق هدف إطلاق سراح شاليط، ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة، وكشف شبكة الأنفاق المستخدمة في هجمات الفصائل الفلسطينية، مثل تلك التي أدت إلى أسر شاليط.
وفي الـ 26 من نوفمبر 2006، توصل الطرفان إلى وقف لإطلاق النار رغم فشل إسرائيل في تحرير شاليط وتحديد مكان احتجازه، إلى أن أطلق سراحه بعد أكثر من خمس سنوات، في 18 أكتوبر عام 2011، إثر صفقة لتبادل الأسرى برعاية مصرية أسفرت أيضا عن إطلاق سراح 1027 معتقلًا فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية بينهم يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس، والذي تتهمه إسرائيل بأنه ومحمد الضيف القائد العسكري في الحركة 'مهندسًا' هجمات 7 أكتوبر 'طوفان الأقصى'.
حرب "الرصاص المصبوب" 2008 – 2009
إبان رئاسة أولمرت للحكومة أيضا، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا على قطاع غزة في 27 ديسمبر 2008 ، أطلق عليها اسم 'الرصاص المصبوب'، ردا على الصواريخ التي تطلقها حركة حماس على الغلاف، والتي ردت بدورها على الهجوم ضمن عملية سمتها 'معركة الفرقان'.وكانت إسرائيل تهدف من وراء هذه الحرب إلى إنهاء حكم حماس للقطاع، ومنعها من قصف إسرائيل بالصواريخ، فضلا عن الوصول إلى مكان احتجاز شاليط.
وأسفرت هذه الجولة التي استمرت 23 يومًا وتوقفت في 18 يناير 2009عن استشهاد أكثر من 1430 فلسطينيا، بينهم نحو 400 طفل و240 امرأة ، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح. وتدمير نحو 10 آلاف منزل دمارًا كليا أو جزئيًا.. في المقابل اعترف الاحتلال بمقتل 13 إسرائيليا، بينهم 10 جنود، وإصابة 300 آخرين.
حرب "عامود السحاب" عام 2012
شن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 14 نوفمبر 2012، عملية عسكرية أطلق عليه اسم 'عامود السحاب'، وردت 'حماس' بإطلاق اسم 'حجارة السجيل' على المعركة.وانطلق العدوان الإسرائيلي باغتيال أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، ومهندس صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين بالجندي الإسرائيلي شاليط في أكتوبر 2011، وكان الهدف من العدوان تدمير المواقع التي تخزن فيها حركات المقاومة صواريخها.
وخلف العدوان الذي استمر 8 أيام، 165 شهيدًا فلسطينيًا و1220 جريحًا آخرين، في المقابل قتل 4 مدنيين إسرائيليين، وجنديان، وجرح 240.
وخلال هذه الجولة، قصفت الفصائل الفلسطينية إسرائيل بأكثر من 1500 قذيفة صاروخية، بعضها تجاوز مداه 80 كيلومترا، ووصل إلى تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل.
وفي 21 نوفمبر 2012، تم التوصل إلى وقف إطلاق النار وإعلان اتفاق تهدئة بين الطرفين برعاية مصرية.
حرب "الجرف الصامد" 2014
في السابع من يوليو 2014، شنت إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة استمرت 51 يومًا، أطلقت عليها اسم 'الجرف الصامد'، وردت عليها حماس باسم معركة 'العصف المأكول'.وجاءت في أعقاب اغتيال إسرائيل 6 من أعضاء حماس زعمت أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وهو ما نفته حماس، كما كان من أسباب هذه المواجهة أن اختطف مستوطنون الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وعذبوه وقتلوه حرقا في القدس المحتلة.
وقال نتنياهو آنذاك إن هدف العملية الإسرائيلية هو تدمير شبكة الأنفاق التي بنتها حماس وفصائل المقاومة تحت الأرض في غزة، وامتد بعضها تحت الغلاف الحدودي، ووقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل، ومنع المزيد من الهجمات.
وتسببت الحرب في استشهاد نحو 2200 فلسطيني وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين وتدمير البنى التحتية وعشرات الآلاف من المنازل. في المقابل قتل 65 جنديًا إسرائيليا، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وأصيب 2522 إسرائيليا بجروح، بينهم 740 عسكريا بحسب بيانات رسمية.
كما أعلنت كتائب القسام في 20 يوليو 2014 أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وانتهت الحرب في 26 أغسطس 2014 بتوصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية مصرية.
معركة "الحزام الأسود" 2019
بعد أن وضعت حرب 2014 أوزارها ، استمر الهدوء الحذر والترقب بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل إلى أن استيقظ أهالي قطاع غزة في 12 نوفمبر 2019 على دوي انفجار بصاروخ انطلق من طائرة إسرائيلية مسيرة، استهدف قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بهاء أبو العطا في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وأدى إلى استشهاده مع زوجته.وأطلق جيش الاحتلال على العملية التي استمرت بضعة أيام اسم 'الحزام الأسود' ، وردت حركة الجهاد الإسلامي على الاغتيال بعملية سمتها 'صيحة الفجر'، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.
وتضمنت أهداف الجيش الإسرائيلي توجيه ضربة قاسية لحركة الجهاد ، وإيجاد شرخ بينها وبين 'حماس' التي لم تشارك في القتال.
وبينما تكتمت إسرائيل على خسائرها البشرية والمادية، فإن غاراتها الجوية أسفرت عن استشهاد 34 فلسطينيًا، وجرح أكثر من 100 آخرين، بينهم نشطاء في سرايا القدس، وأعداد كبيرة من المدنيين.
معركة حارس الأسوار- "سيف القدس" 2021
على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك والمخططات الإسرائيلية لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، اندلعت جولة جديدة من القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية خلال الفترة من العاشر وحتى 21 مايو 2021.ووجهت حماس عبر جناحها العسكري كتائب القسام خلال هذه الجولة التي أطلقت عليها اسم معركة 'سيف القدس' ، فيما سمتها دولة الاحتلال 'حارس الأسوار'، ضربات صاروخية في العمق الإسرائيلي بعضها تجاوز مداه 250 كيلومترا.
وردت إسرائيل بقصف عنيف على مناطق مختلفة في قطاع غزة استهدفت خلاله آلاف المنازل وعدة أبراج سكنية، وأعلنت تدمير نحو 100 كيلومتر من الأنفاق في غزة.
ووفقا لأرقام رسمية فلسطينية، أسفرت هذه الحرب عن استشهاد 243 شخصا، منهم 66 طفلًا، 39 امرأة، و17 مسنًا، في حين أصيب 1910 آخرون بجروح.في المقابل قتل 12 إسرائيليًا وأصيب 330 آخرون، وفق مصادر إسرائيلية.
معركة الفجر الصادق- "وحدة الساحات"
في الخامس من أغسطس 2022، اغتالت إسرائيل قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس (الذراع العسكري لحركة الجهاد)، حيث استهدفته بطائرة مسيرة داخل شقة سكنية في حي الرمال وسط مدينة غزة.وجاءت عملية الاغتيال آنذاك في ظل جهود وساطة لمنع تدهور الأوضاع، إثر إقدام إسرائيل على اعتقال القيادي البارز في حركة الجهاد في جنين بالضفة الغربية بسام السعدي.
وأطلقت إسرائيل على العملية – لم تشارك فيها حماس آنذاك- اسم 'الفجر الصادق'، فيما سمتها حركة الجهاد الإسلامي 'وحدة الساحات'، وأطلقت خلالها مئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، مدعومة بفصائل فلسطينية أخرى هي كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح).
وخلال هذه الجولة، قصفت سرايا القدس تل أبيب ومطار بن جوريون وأسدود وبئر السبع وعسقلان ونتيفوت وسديروت.
ووفقا لأرقام وزارة الصحة في قطاع غزة، بلغ عدد شهداء هذه الحرب 24 شخصا، بينهم 6 أطفال، في حين أصيب 203 بجروح مختلفة، فيما تكتم الجانب الإسرائيلي على خسائره.
حرب السيوف الحديدية - "طوفان الأقصى" أكتوبر 2023 وحتى اليوم
في فجر السابع من أكتوبر 2023، شنت المقاومة الفلسطينية ممثلة في كتائب القسام وسرايا القدس وباقي الأذرع العسكرية للفصائل هجومًا مباغتًا وغير مسبوق على مستوطنات غلاف غزة أطلقت عليه 'حماس' اسم 'طوفان الأقصى' والذي ما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم.بدأ الهجوم بإطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل، وتسلل برا وبحرا وجوا نحو ألف من مقاتلي النخبة في كتائب القسام إلى المستوطنات المحيطة بالقطاع واستولوا على العديد من المواقع العسكرية، فضلا عن عدة مستوطنات وبلدات في الغلاف، منها معبر بيت حانون (إيرز المخصص لتنقل الأفراد شمال قطاع غزة) وقاعدة زيكيم العسكرية وقاعدة رعيم العسكرية ومستوطنات كفار عزة وناحل عوز وبئيري.
ووفقا للجيش الإسرائيلي، أسفر الهجوم الذي استمر بضع ساعات عن مقتل 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 آخرين بينهم عشرات الضباط والجنود.
وفي اليوم نفسه، أعلنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة تحت اسم عملية 'السيوف الحديدية'، بدأتها بالغارات الجوية المدمرة والأحزمة النارية التي استهدفت الحجر والبشر ، ثم اقتحمت بقواتها البرية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة من الدبابات والمدفعية والمدعومة بالطائرات المتنوعة القطاع وحاصرت المستشفيات ومراكز إيواء النازحين، ودمرت غالبية المباني والمستشفيات والمساجد والبنى التحتية واستهدفت المدنيين العزل بالقصف العشوائي والمجازر اليومية.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي ترقى إلى 'الإبادة الجماعية' وفقا للأمم المتحدة ومؤسسات إنسانية دولية إلى استشهاد ما يقارب 42 ألف فلسطيني جلهم من النساء والأطفال والشيوخ وإصابة 97 ألفا آخرين، وتدمير حوالى 90 في المئة من المنازل والبنى التحتية، فضلا عن وجود نحو 11 ألفا في عداد المفقودين تحت الأنقاض.