فتح المدرب البرتغالي المخضرم مانويل جوزيه، المدير الفني التاريخي للنادي الأهلي، صندوق ذكرياته، متحدثًا في حوار مطول مع صحيفة 'MaisFutebol' البرتغالية عن كواليس فترته في إفريقيا، وتجاربه داخل وخارج الملاعب، في رحلة امتدت لعقود وترك خلالها بصمة لا تُنسى في القارة السمراء.
رحلات مرهقة وسحر إفريقي
تحدث جوزيه عن الصعوبات التي واجهها خلال مشاركات الأهلي في دوري أبطال إفريقيا، قائلًا:'السفر كان كالكابوس، خاصة خارج شمال وجنوب إفريقيا، كأننا نسافر داخل حافلة وليس طائرة. كنا نتنقل بين عدة بلدان، وأحيانًا تستغرق الرحلة إلى السنغال 24 ساعة. كل 3 أيام نلعب، لذا كان التركيز فقط على الاستشفاء والخطط، دون أي تدريبات بدنية.'
كما كشف عن مشاهد غريبة واجهها في بعض المباريات:'كنا نرى سحرة في الملاعب يؤدون طقوسًا أمام الجماهير، أشخاص بأقنعة وأجواء من السحر الأسود بكل معنى الكلمة.'
ظروف قاسية وتجارب صادمة
أشار جوزيه إلى تجارب صعبة مر بها في دول مثل زيمبابوي والسودان، مؤكدًا أن الحياة هناك كانت قاسية:
'ذهبنا مرتين إلى زيمبابوي في عهد موجابي، الأوضاع كانت كارثية، فقر وفوضى. أما السودان، فكان الجو لا يُحتمل، درجات الحرارة تصل إلى 45 ليلًا. حتى أسوأ من تجربتي في السعودية مع اتحاد جدة، حيث لم أتقاضَ راتبي لخمس أشهر، لذا كنت أطلب دائمًا نصف المبلغ مقدمًا، كنوع من الحذر.'
القراءة بديلًا عن التعليم
كشف المدرب البرتغالي عن خلفيته الثقافية وشغفه بالقراءة، قائلاً:'كنت أقرأ 60 كتابًا في السنة. طُردت من المدرسة لأنني لم أستطع شراء الكتب، وكان من المفترض أن يتكفل بنفيكا بالمصاريف الدراسية، لكنهم لم يفعلوا. قلت للكاهن وقتها: أنتم ظلمتموني، ومنذ ذلك الحين بدأت أعلم نفسي بنفسي.'
أنجولا بعد الأهلي.. بلا مقابل
تحدث جوزيه عن قيادته لمنتخب أنغولا في كأس الأمم الإفريقية 2010، مؤكدًا أنه لم يحصل على مستحقاته:'قلت لمسؤولي الاتحاد: احتفظوا بالأموال، أنتم لا تحترمون أحدًا، وأنا لن أعمل بهذه الطريقة.'
هوايات ما بعد التدريب
وعن حياته بعد التدريب، قال إنه استمتع بالهدوء في البرتغال:'كنت أذهب لصيد الأسماك مع أصدقائي على شواطئ بيكو، نمضي الوقت في الضحك والبحر. كانت حياة بسيطة وسعيدة'.
عودة ما بعد الثورة.. وفوضى بورسعيد
تطرق جوزيه إلى عودته للأهلي في 2011 بعد الثورة المصرية، موضحًا:'عدت مع زوجتي ثم سافرت وحدي بعد أسبوع فقط. الشوارع كانت مليئة بالخوف، إطلاق نار وسرقات يومية، واللاعبون كانوا في حالة نفسية سيئة، حتى التنافس بين الأهلي والزمالك أصبح سياسيًا.'
وتحدث بمرارة عن كارثة بورسعيد في فبراير 2012، التي وصفها بأنها الأسوأ في حياته:'رأيت مشجعين يُلقون من المدرجات، مشهد لن أنساه أبدًا. أثناء الإحماء كنا نتمرن في نصف ملعب فقط، لأنهم كانوا يرمون الحجارة علينا، ورفعت الجماهير لافتة تقول: الكل سيموت اليوم.'
وأضاف:'بعد المباراة، الجميع هرب، لكنني رفضت الركض حتى لا أبدو خائفًا. تعرضت للضرب، وصرخت في أحدهم ليبتعد، ونجوت فقط لأني لم أُظهر خوفًا.'
وتابع:'نُقلت إلى قاعة المؤتمرات، ثم إلى ثكنة عسكرية ومنها إلى المطار. بعض لاعبي الأهلي نُقلوا على دبابات، وأصيب أكثر من 50 شخصًا في غرفة الملابس، وسقط قتلى للأسف.'
نهاية الرحلة
أنهى جوزيه حديثه بكلمات حزينة:'بعد تلك الأحداث، أُلغيت بطولة الدوري، وفكر بعض اللاعبين في الاعتزال. بالنسبة لي، رغم كل ما حدث، كنت سعيدًا مع الأهلي حتى اللحظة الأخيرة. لكن بعد كارثة بورسعيد، شعرت أن الاستمرار لم يعد ممكنًا.'