رغم محاولاتنا الانتظار، بضعة أيام بعد رحيل فقيد الشباب الدكتور «محمد العزب»، مدير العلاقات العامة بالشركة المصرية للاتصالات، لعلنا نستفيق من الصدمة التي أطاحت بعقولنا، والحسرة التي اعتصرت قلوبنا، ونجد كلمات تعبر عن محبتنا وارتباطنا بالراحل الغالي هنا في جريدة 'أهل مصر'، على الصعيد الإنساني قبل المهني، ولكن هيهات هيهات ولا مفر.
مازال الحزن كما هو، بل وسيبقى أبد الدهر، لما خلفه رحيل هذا الرجل النبيل من جرح غائر لا تقوى على تضميده الأيام، وإن تتابع عليه الزمن، سيترك أثر ذلك 'الخوند' أثرا داخل أنفسنا، وفي مستقر قلوبنا.
لم نجد أفضل مصطلح «الخوند» لننعى الفقيد الراحل، وهو لقب كان شائعًا في العصر المملوكي، ويعني الاحترام، ويلقب به أهل الكرم والإحسان ويعني (السيد) بلغة زمانه.
أما في الفارسية فكان يعني الصديق الشريف الراقي عالي المنزلة.
هذه الصفات تمثل مسيرة «العزب»، أو 'عزبوف'، مثلما كان يحب أن يطلق عليه من الأحباب، طوال فترة عمله بقطاع الاتصالات، وهي الفترة التي اجتهد فيها كثيرا، وتعب فيها أكثر، ليصل إلى مجده بحب وعرفان يعترف بهم الجميع.
كل من يعرف «العزب» لا يختلف على ذكائه الفطري في تقدير الأمور، وهو ما شهد به جميع رؤسائه.
كما كان يتمتع بحسن إدارة المواقف الصعبة والأزمات، بفطنة وكياسة جعلته أهلا لثقة من حوله، خاصة الجماعة الصحفية، التي لم يكن يتأخر أبدا في تقديم أى مساعدة أو خدمة لأى فرد فيها.
فنستطيع القول بكل يقين أنه لم يرد أحد خائبا إطلاقاً، ومهما كان الطلب كان يقف على قضاءه بنفسه وبصدر رحب، كما كان حاضرا بقوة ليشارك الجميع أحزانهم وأفراحهم، لنجد أننا أمام كتلة متحركة من الجدعنة والشهامة لا تنتهي أو تتأثر بمرور الزمن.
لباقة «العزب» وحديثه العذب ودعاباته الجميلة بجميع المواقف كانت مثار إعجاب محبيه، ليصنع بأسلوبه الراقي مساحة تلاق من الضحكات، جانب الابتسامات المستمرة التي يغلفها بجو من الألفة والمحبة، لكل من يتعامل معه.
لن تجد لبساطة «العزب» مثيلا فقد كان جابرا للخواطر بطبعه، فالعبارات من عينة ( يا عم بسيطة .. عيني.. ليه بنصعبها الحياة أسهل من كده) اشتهر بها الراحل، وسط كل من حوله لتكشف عن المعدن الغالي، لصاحب تلك الروح الخفيفة، والنفس العفوية، والابتسامة الدائمة، في أحلك المواقف دون كلل في طلب المساعدة التي اختصه الله بها من خلال منصبه، فقضاء حاجات الناس لا يكون إلا بإصطفاء المولى عز وجل للعبد.
الاصطفاء الذي اختصه الله به «العزب» لم يقتصر على هذا حسب ، بل شمل بر أسرته، الأم والأخت والزوجة، كذلك أيضا بنداء إلى زيارة بيته المعظم ليعتمر خلال شهر رمضان المبارك قبل الرحيل بأيام، لتكون مناسك العمرة جواز مروره إلى جنات الفردوس بإذن رب العالمين ليس هذا فقط كذلك ابتسامته التي عهدناه بها دائما ارتسمت على وجهه في مثواه الأخير ليلقى بها ربه .
محمد العزب
كان الحضور المهيب والأعداد الغفيرة في جنازة الراحل بمثابة مظاهرة حب ووداع، والتي استمرت مراسمها قرب منتصف الليل، هي أيضا اصطفاء من الله، الذي وزع هذا الكم الهائل من الحب والود للـ«العزب» في قلوب الناس، لتلهم ألسنتهم الدعاء، وقلوبهم بالضراعة ليرحمه، ويعفو عنه، سواء في ساعات مرضه اوفي جنازته بعد الوفاة.. فماذا بينك وبين الله يا عزب؟!
عبارات الثناء والرثاء، مهما طالت، وحملت من بلاغة لن تفي 'العزب'، فقد كان خلطة يصعب تكرارها للنجاح والأصالة والإنسانية، ونموذجا متكاملا من الطموح والتآخي والبساطة، يتحدث الجميع عنه فالموت حق، وإن غيًب «العزب» فستخلده الذكريات الرائعة بالقلوب، وستحييه المشاعر الطيبة بالنفوس.
رغم نحيب الأرواح وفاجعة الفراق وصدمة الألباب، فسيبقى الأثر مهما طال الزمن.. وإلى لقاء قريب بجنات الفردوس إن شاء الله .