يمنع صرف أرباح عن مشاهدات المحتوى المُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) في العديد من المنصات الرقمية، مثل يوتيوب، تيك توك، أو غيرها من منصات التواصل الاجتماعي، لأسباب متعددة تتعلق بالسياسات، الأخلاقيات، الجودة، والقوانين. هذه القيود تُفرض لضمان نزاهة النظام الإيكولوجي للمحتوى الرقمي وحماية المستخدمين، المبدعين، والمعلنين.
وكشف المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات أن ذلك ذلك يرجع إلى عدد من الجوانب الفنية، القانونية، والأخلاقية منها ضمان جودة المحتوى وحماية تجربة المستخدم فالذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه إنتاج كميات هائلة من المحتوى بسرعة، لكن هذا المحتوى قد يكون مكررًا، سطحيًا، أو يفتقر إلى القيمة الحقيقية، موضحاً أن المنصات تسعى إلى تعزيز المحتوى الأصلي الذي يقدم تجربة غنية للمستخدمين، وليس مجرد محتوى مُنتج آليًا لتحقيق أرباح من المشاهدات.
وأضاف حجاج في تصريحات خاصة أن المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي قد يُصمم لاستغلال خوارزميات التوصية (مثل استخدام كلمات مفتاحية مُحسنة أو عناوين جذابة بشكل مبالغ فيه)، مما يؤدي إلى تقليل جودة المحتوى المقترح للمستخدمين وإغراق المنصة بمواد غير مفيدة.
ونوه حجاج أن المعلنين يدفعون مقابل الإعلانات بناءً على توقعات بأن المحتوى سيجذب جمهورًا حقيقيًا ومهتمًا. المحتوى المُنتج آليًا قد يجذب مشاهدات عشوائية أو غير مستهدفة، مما يقلل من فعالية الإعلانات ويؤثر على إيرادات المنصة.
وأكد حجاج على دور الملكية الفكرية والأصالة في الأمر لمنع انتهاك حقوق الطبع والنشر لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي غالبًا يعتمد على بيانات تدريبية تشمل أعمالًا محمية بحقوق الطبع والنشر (مثل النصوص، الصور، أو الموسيقى)، مشيراً إلى أن المحتوى الناتج قد يحتوي على عناصر مُستنسخة أو معدلة من مصادر أخرى دون إذن، مما يعرض المنصة لمخاطر قانونية إذا سُمح بتحقيق أرباح منه.
وقال خبير أمن المعلومات أن المنصات مثل يوتيوب تشترط أن يكون المحتوى "أصليًا" ليكون مؤهلاً لتحقيق الأرباح. مشددا أن المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي قد يُعتبر غير أصلي لأنه يعتمد على نماذج مُدربة مسبقًا بدلاً من إبداع بشري مباشر. على سبيل المثال، إذا أنتجت أداة ذكاء اصطناعي مقطع فيديو بناءً على أنماط موجودة، قد لا تُعتبر النتيجة عملاً إبداعيًا مستقلًا.
وصرح حجاج بأن السماح بتحقيق أرباح من المحتوى المصنوع آليًا قد يضر بالمبدعين البشريين الذين يستثمرون وقتًا وجهدًا في إنتاج محتوى أصلي، مما يُثبط إبداعهم ويؤثر على تنوع المحتوى على المنصة.
من جانبه قال أحمد علي البنداري استشاري التسويق الرقمي أن المخاطر الأخلاقية والتلاعب بالمعلومات قد تزداد دائما في ظل الاعتماد على وسائل الذكاء الاصطناعي التوليدي في صناعة المحتوى عبر منصات التواصل منها نشر المعلومات المغلوطة فالذكاء الاصطناعي التوليدي قد يصنع محتوى يقدم معلومات غير دقيقة أو مضللة، خاصة إذا لم يتم الإشراف عليه بشكل كافٍ، موضحاً أن السماح بتحقيق أرباح من هذا المحتوى قد يُشجع على نشر الأخبار الكاذبة أو الدعاية، مما يضر بثقة المستخدمين في المنصة.
واستشهد البنداري بسياسات تيك توك التي تتباين في صرف الأرباح من المحتوى الذي يُنتج باستخدام أدوات ذكاء اصطناعي إذا كان ينتهك سياسات الأصالة أو يُعتبر "سبام".
وتابع البنداري في تصريحات خاصة أن بعض صانعي المحتوى قد يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مثير عاطفيًا أو مثير للجدل لزيادة المشاهدات، مثل مقاطع فيديو تحتوي على عناوين مضللة أو قصص ملفقة. مؤكدا أن ذلك يتعارض مع سياسات المنصات التي تهدف إلى حماية المستخدمين من الاستغلال.
ولفت البنداري أن هناك جدل مستمر حول الأخلاقيات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاكاة الأصوات أو الصور البشرية (مثل تقنية Deepfake)، مبيناً أن المنصات قد تتجنب تحقيق الأرباح من هذا المحتوى لتفادي الانتقادات الأخلاقية.
من جانبه أشار المهندس خالد العسكري مدير غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات السابق أن السياسات والقوانين الخاصة بمنصات التواصل تتحكم بصناعة المحتوى فمعظم المنصات لديها شروط صارمة لتحقيق الأرباح، تتطلب أن يكون المحتوى أصليًا، متوافقًا مع القوانين، ويُضيف قيمة للمستخدمين.
وضرب العسكري مثالا بيوتيوب الذي يشترط في برنامج الشراكة (YouTube Partner Program) أن يكون المحتوى "مملوكًا" من قبل صانعه وغير مُنتج بشكل آلي بالكامل متابعاً أن المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي قد يُعتبر غير مؤهل إذا لم يتضمن إبداعًا بشريًا كافيًا.
وأضاف العسكري أن المنصات تعمل في بيئة قانونية معقدة تشمل قوانين حقوق الطبع والنشر، حماية البيانات، والمسؤولية القانونية عن المحتوى. لافتاً إلى منع تحقيق الأرباح من المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي يُقلل من مخاطر الدعاوى القضائية أو الغرامات، كما أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنتاج محتوى بكميات كبيرة وبسرعة، مما قد يُستخدم لإغراق المنصة بمواد غير مرغوب فيها (سبام). مشددا أن وقف تحقيق الأرباح يمنع هذا السلوك ويحافظ على جودة المحتوى.
وذكر العسكري أن هناك عدد من التحديات التقنية التي تواجه التحقق من المحتوى مثل صعوبة التمييز بين المحتوى البشري والآلي بالإضافة إلى التكلفة العالية للإشراف موضحاً أن السماح بتحقيق أرباح من المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى منافسة غير عادلة، حيث يمكن للأدوات الآلية إنتاج محتوى بتكلفة أقل وبسرعة أكبر بالإضافة إلى الحفاظ على ثقة المستخدمين وتجنب التضخم في المحتوى.
ودعا العسكري إلى تقديم حلول لسماح المنصات بتحقيق أرباح من المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي عبر وضع شروط معينة منها الإشراف البشري الكبير والشفافية في الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي كذلك فرض معايير صارمة للجودة والأصالة.