اعلان

طارق متولي يكتب: الدراما المصرية من الرقي للانحدار

طارق متولي
طارق متولي

في البدء كان التفكر والإبداع والفن من أجل المجتمع وكان الجمهور هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقييم ما يقدم له من أعمال فنية ودرامية وهذا أمر طبيعي فعندما تقدم لي سلعة أو كتاب أو مسلسل أو فيلم فمن حقي أن أقيمه أقبله أوأرفضه أو أشيد به أو انتقده، وكان هذا يدفع من يقوم بعمل ما ليقدمه للجمهور، أن يبذل قصارى جهده لكي يكون العمل جيدًا ومتقنًا من جميع النواحي وتتحقق المعادلة الصحيحة ليربح أصحاب العمل والجمهور معا ويستفيد المجتمع.

من المؤسف أن هذه المعادلة اختلت في السنوات الأخيرة مما أدى لإختلال جميع مواصفات العمل الفني فلم يعد هناك إبداع ولم يعد هناك أهمية لرأي الجمهور ولا لرأي المتخصصين ولا لأي معايير إذ أصبحت الأموال وعلاقات المصالح الشخصية تتحكم في كل شيء بدءًا من النص والكلمات واختيار الممثلين والإنتاج والترويج والتسويق وإصدار شهادة النجاح وفرض الأعمال على المشاهدين الذين لم يعد لهم حق الاعتراض والتعبير عن رأيهم فجميع الأعمال ناجحة وجميع الأعمال حققت أعلى نسبة مشاهدة وجميع الممثلين قدموا عظمة والأذرع الاعلامية تستضيفهم في جميع القنوات وتكرمهم ومن يقول غير ذلك فهو حاقد وكأنهم يقولون لنا "احنا أسرة مع بعضينا".

مما نتج عنه إعمال فنية أقل ما يقال عنها أنها غير متقنة وتفتقد لمعايير الفن والإبداع بداية من النص أو الرواية او الحكاية التي يتناولها العمل والتي أصبحت أقرب ما يكون إلى حكايات الأطفال الساذجة، أو حكايات الشارع السطحية أو القوالب الجاهزة التي من الممكن أن نسميها خلطة معروفة ومجربة مثل خلطة البطل الشعبي والفتوة التى تجذب العامة البسطاء وتستفز مشاعرهم دون عقولهم وهنت أود أن أذكر أنه في تاريخ السينما والدراما القريب كان لدينا مثلا اثنين من الممثلين المشهورين نعرفهم جميعا هما فريد شوقي ومحمود المليجي فريد كان دائمًا يقدم دور الفتوة الذي يضرب ويتغلب على الخصوم أما محمود المليجي فكان يقدم دائما دور الذي يتلقى الهزيمة والضرب وعلى الرغم أن محمود المليجي الممثل يتفوق بكثير على فريد شوقي من حيث الأداء والقدرة على التقمص إلا أنه لم يحصل على النجومية والمكاسب التى حصل على فريد وبدليل أن فريد لقب بملك الترسو والترسو لمن لا يعرف هو مكان الصفوف الأرضية في السينما وأرخص سعر للتذكرة.

وهذا مجرد مثال على القوالب والخلطات الدرامية التي تعتمد على تكرار الأفكار والتقليد، ويأتي يعد ذلك إلى عنصر اختيار الممثلين والمخرجين وعناصر العمل الفني بصفة عامة.

ولكي أقرب لكم المسألة اسمحوا لي أن أذكر لكم حكاية بعيدة عن الفن ولكنها توضح المعايير السائدة الآن لإختيار الممثلين التحقت بعمل في إحدى الشركات الأجنبية التي تتطلب إجادة للغة الإنجليزية بالواسطة وكان مستواي جيد فى اللغة ولكنه لم يكن ممتاز ووجدت في نفس الشركة زملاء لي مستواهم في اللغة متدني جدا بالكاد يعرفون الإنجليزية طبعا جميعهم عين بالواسطة وفي يوم جاء شاب إلى الشركة يبحث عن وظيفة وكام يجيد سبعة لغات اجنبية أجادة تامة لكنه كان من عائلة فقيرة ولا يملك أي واسطة فأعتذر له مسؤول الشركة عن عدم وجود وظيفة رغم انه سيكون أفضل للعمل منا جميعا، هذا بالضبط ما يحدث في اختيار الممثلين الآن لم يعد الاختيار حسب الكفاءة والتفوق بل حسب الواسطة والقرابة وإنفاق الأموال. نجد ممثلة مثلا لا تجيد التمثيل لكنها متزوجة من رجل أموال فينتج لها مسلسلات وأفلام لتصبح نجمة بالعافية.

لفت نظرى أيضًا أن بعض الممثلين بالعافية يمثل بتعبير واحد ونبرة صوت واحدة طوال المسلسل يعني مثلا ممثل يقوم بدور فتوة أو بلطجي أو شبح تجده طوال المسلسل يتكلم ويعبر بنفس الطريقة في الشارع والبيت وعلى القهوة مع الخصوم ومع الأصدقاء رغم أنه من المفروض تكون تعبيراته ونبرة صوته مختلفة بإختلاف المواقف.

وناهيك عن مفردات اللغة في معظم المسلسلات التي انحدرت لأقل المستويات وطريقة الكلام التي اعتمدت أسلوب مدمني المخدرات أو ما يسمونه "الشبحنة" التى لا يعرفها إلا المدمنين.

في النهاية لست أدري هل هذا كله متعمد أم أنه مجرد عمل عشوائي يظهر بسبب غياب أصحاب الخبرة والعلم والتجربة في هذا المجال فكما يقول العلماء ميدان الجهل واسع في الحالتين نحن أمام إنحدار وتدني لمستوى الدراما المصرية وتاريخها العريق.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً