كشفت الدكتورة فاطمة عبد الرسول، مفتشة آثار بالواحات البحرية، بمناسبة الاحتفال بعيد عمال مصر، أن الحضارة المصرية القديمة، لم تقم من العدم وإنما كانت نتيجة عمل مضي وشاق قام به المصري القديم، وهذا ما تؤكده العديد من الكتابات والنقوش والبرديات القديمة التي تركها المصري القديم والتي تعبر أن العمل البشري الجبار هو مصدر الانتاج والتطور والرخاء فقد كان سكان دير المدينة من أمهر حرفي وعمال مصر في أزهى عصورها حيث كان يسكن بها الحجاريين والزخرافين وقاطعي الأحجار والنجارين وصانعي الأثاث والبنائين والنحاتين بالإضافة إلى الخياطين وعمال المعادن والطهاة والصائغين ومصممي المقابر وأمهر الرسامين في العالم القديم.
ولفتت الدكتورة فاطمة عبد الرسول، أن الأنشطة الحرفية واسعة الانتشار تتسم بالنظام والإتقان وتتوارث من الأجداد إلى الآباء والأبناء، فكان منهم من يقوم ببناء المقابر في وادي الملوك ومنهم من يشتغلون في صناعة التماثيل والأثاث والأواني لتجهيز مقبرة كل ملك على حسب رغبتة قبل الموت.
أولًا: عمال البناء
كان العمال الذين يقومون ببناء المقابر متخصصيين وفنانيين في تصميم وحفر وتزيين جدران المقبرة لتكون قصرا يمكن للمصري القديم العيش فيه بعد مماته؛ لهذا كان كل عامل عند البناء يعمل بأخلاص. ومنهم من بنى لنفسة ولزوجتة مقبرة على سبيل المثال مقبرة (خا ومريت ) وهو أحد النبلاء وكان رئيس العمال في دير المدينة حيث تولى بناء مقابر ثلاثة ملوك وهم أمنحتب الثاني, تحتمس الرابع وامنحتب الثالث.
كان ينقسمون العمال إلى مجموعتين إحداهما تعمل يمين المقبرة والأخرى على يسارها وعلى رأسهم نقيب هو المسئول عن كل مجموعة سواء في المقبرة, المدينة أو القرية وكان على أتصال بالحاكم أو الأمير أو الوزير، ويقوم بتوزيع العمل كما يشرف على توزيع الأجور، وكان يوجد أيضاً الكاتب الذي يسجل العمل المنفذ في المقبرة المكلية ويسجل المتغيبيين عن العمل وأسباب تغيبهم بالأضافة إلى توزيع مواد وأودوات البناء من المستودعات المتخصصة لذلك.
كان الأجر الأساسي للعمال عبارة عن حصة تمونية شهرية تشمل القمح لعمل الخبز والشعير لصنع الجعة وسمك وخضروات وحطب وأواني فخارية وكان يوجد أيضا صرف حوافذ نتيجة لجهد زائد للعمال وتضم البلح والجعة الجاهزة وزيت السمسم واللحم، فكان العمال يشتغلون 8 أيام وتمنح لهم راحة يومين، وكانوا يسكنون في معسكرات (أكواخ أو خيام) ولا يسمح لهم الاتصال بأهلهم إلا بعد انتهاء العمل للحفاظ على سرية المبنى الذي قاموا بتشييده.
ثانيًا: عمال المحاجر
وصل المصري القديم إلى أقصى درجات التقنية في قطع الأحجار ونحتها، فاستخدم الجرانيت الذي يوجد في أسوان والصحراء الشرقية وسيناء بالإضافة إلى البازلت والمرمر والشست الرملي لصناعة الحلي والتماثيل والتوابيت واللوحات التذكارية، وبرع في تشكيل أصلب أنواع الأحجار بدقة عرف أيضاً صناعة السيراميك والخزف القيشاني (الفاينس) وعثر على أقدم الأنواع بسقارة تحت هرم الملك زوسر وأستخدم في صناعة التماثيل والتمائم والحلي.
ثالثاً: النجاريين
كانت حرفة النجارة من أهم الحرف والمهن في الحضارة المصرية القديمة؛ فقد أتقن المصريون فن زخرفة وصناعة الأثاث بحليات مطعمة من الخشب والعاج والأحجار الكريمة والزجاج ومعجون الألوان. وكانت الأخشاب تزيين وتكسو بالذهب أو الفضة.
كما اعتمد المصري القديم على الخشب المستورد (السرو، الأرز، النبق، الدردار والأبنوس ) في صناعة صواري المراكب والتوابيت الضخمة وأبواب المعابد وصناعة أثاث الأثرياء ومن الأشجار الموجودة بمصر (الكاسيا، النخيل، الجميز) صنعت صواري المراكب الصغيرة إلى جانب الخشب أستعمل العاج والجلد والكتان.
وفي النهاية أكدت مفتشة الآثار بالواحات البحرية، أن المصريون القدماء من أول الشعوب التي قامت بصناعة الزجاج من رمال الصحراء، ومن الصناعات الجلدية قام المصري القديم بدبغ الجلود وصنع أغطية المقاعد والوسائد والنعال.