مع تفشي مرض كورونا ظهر لجميع من كان يؤمن بقوة العلم وأن العلم هو المحدد لمسار الإنسان على كوكب الأرض أن هناك قوة أخرى على تتحكم في كل ما يحيط بالإنسان، وأن هذه القوة أقوى من العلم وأقوى من كل شئ مادي ظن الإنسان أنه من خلاله يمكن أن يتحكم في الكون وما فيه، فإن كان لجائحة كورونا من فائدة فإن فائدتها هى أنها جعلت الإنسان يدرك أخير أن الله موجود، وأن الله سبحانه وتعالى هو القوة القادرة ، القاهرة، التي خلقت الدنيا كلها، ولكننا لم نر الله. فكيف نفهم هذه الكلمة؟ لو أن الله غير موجود فينا بالفطرة، وغير موجود في عقولنا ونفوسنا لما فهمناها أبدا، ولما أخذت هذا المعنى العالمي الذي ينسجم مع النفس البشرية، إن يقيننا بوجود الله هو الذي يجعلنا نفهم هذه الكلمة، ووجود الله فينا بالفطرة هو الذي يجعلها تدخل إلى عقولنا؛ لأن أي كلمة لا يمكن أن تكون مفهومة إلا إذا كان معناها ومدلولها موجودين في العقل البشري أو لا، بل إن وجود هذا المعنى يجب أن يسبق الكلمة نفسها، فأنت لا تستطيع أن تحدث أحدا بكلمة جبل، ويفهم ما تقول، أو بكلمة «قوی» ويفهم ما تقول، إلا إذا كان المعنى موجودا أولا في عقله.
قبل أن تنطق بالكلمة، فالمعنى يوجد أولا، في عقله، قبل أن تنطق بالكلمة، فالمعني يوجد أولا، ثم بعد ذلك توجد الكلمات الدالة عليه، وإذا راجعنا قواميس اللغة في جميع أنحاء العالم نجد أن الكلمات الموجودة فيها هي الأشياء موجودة أصلا، وأن هذه القواميس تراجع كل عام لإضافة أسماء الأشياء وجدت، ولم تكن موجودة في العام الذي قبله، وذلك يعني أن الشئ يوجد أولا ثم بعد ذلك يعطى تسمية، بل إن هذا في حياتنا اليومية ملحوظ في كل شئ، فهناك أسماء كثيرة في اللغة، تضاف إلى القواميس كل عام، وهناك علماء متخصصون يجتمعون في مجمع اللغة ليضعوا الأسماء لمعان أو لأشياء وجدت، ولم تكن موجودة، إذن فالأصل أن يوجد الشئ أولا، ثم يضع الإنسان له الاسم، ووجود اسم الله - سبحانه وتعالى - في جميع لغات الأرض، وبمعنی موحد في جميع أذهان البشر، دليل على أن الله - سبحانه وتعالی د موجود قبل أن توجد البشرية نفسها، وقبل أن ينطق لسان بأي لغة. وبهذا نكون قد وصلنا إلى حقيقتين هامتين، الحقيقة الأولى: أن نفي الشئ لايمكن أن يكون مطروحا إلا إذا كان الشئ نفسه موجودا، والثاني: أن معنى أي شئ يجب أن يكون سابقا لاسمه. الحقيقة الثالثة التي وصلنا إليها: أننا إذا أردنا أن نعرف شيئا عن الله سبحانه وتعالى - فإننا يجب أن نصل إلى العلم الصحيح عن طريق ما أعطاه الله لنا.