يقول المولى سبحانه وتعالي في كتابه العزيز (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ (العنكبوت: 43). فما هو المقصود بقوله تعالى في الآية الكريمة (يَعْقِلُهَا) ؟ لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالي : ( يفكر فيها ). وما معنى (يَعْقِلُهَا) ؟ هل المقصود بها التفكير الناقد ؟ هل أعطانا المولي سبحانه وتعالى رخصة بالتفكير الناقد ؟ وهل يحق للمسلم أن يفكر تفكيرا ناقدا في كل ما قد يطرأ على ذهنه من قضايا دينه؟ يقول ابن كثير في معنى الآية : (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾، أى ما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه . وفي تفسير السعدي { مَا يَعْقِلُهَا } بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له. أما البغوي فقال ( وما يعقلها إلا العالمون ) أي : ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله . أما في تفسير الطبري فجاء في معنى ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ) يقول تعالى ذكره: وما يعقل أنه أصيب بهذه الأمثال التي نضربها للناس منهم الصواب والحقّ فيما ضربت له مثلا(إلا الْعَالِمُونَ) بالله وآياته.
ولهذا فقد ذهب علماء الأصول إلى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان وجعل له القدرة من دون باقي خلق الله سبحانه وتعالى على التفكير، ومنح الله سبحانه وتعالى للإنسان أداة التفكير التي ميزته عن باقي خلائق الله سبحانه وتعالى وهى العقل، ووصف المولى سبحانه وتعالى هذا العقل بأنه الأمانة التي استحوذ عليها الإنسان من دون باقي خلقه وتميز بها عليهم. بل أن التفكير وإعمال العقل كان من الصفات التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وذلك مصداقا لقول الله تعالى : (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾، وعلى ذلك فقد ذهب جمهور من العلماء إلى أن أهم ما يميز التفكير الذي يعمل فيه الإنسان عقله هو أن يكون هذا التفكير ناقدا، وان يقلب الإنسان مستخدما عقله بين أوجه التفكير المختلفة ليعرف الحق من الباطل، وهو ما اصطلح عليه علماء الأصول في التراث الإسلامي باسم أن قواعد العدالة والإنصاف والحياد في التفكير، وهو ما اصطلح عليه الغربيون بعد ذلك بعد باسم التفكير النقدي.