يبدو أن التوتر بين مصر وأثيوبا لا يقف عند حد قضية سد النهضة، فهناك أشكال أخرى للصراع، بعضها يرجع إلي سنوات طويلة منها أزمة "دير السلطان" بفلسطين.
ودير السلطان هو أحد المعالم الهامة لأقباط الأرثوذكس، يقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، في حارة النصارى بجوار كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك، وله أهمية خاصة عند الأقباط لأنه طريقهم المباشر للوصول من دير مار أنطونيوس حيث مقر البطريركية المصرية إلى كنيسة القيامة.
وكان السلطان صلاح الدين الأيوبي قد أهدى الدير للكنيسة القبطية تقديرا للدور الوطني الذي قام به الأقباط، فيما استضافت الكنيسة القبطية الرهبان الأحباش بالدير لمدة تزيد عن ثلاثة قرون، إلا ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي قامت بطرد الرهبان الأقباط من الدير عقب نكسة يونيو 1967 وتسليمه للرهبان الأحباش، مما دعا الكنيسة القبطية لرفع دعوى قضائية أمام المحاكم الإسرائيلية، حيث اصبح الدير موضع نزاع طويل بين الأقباط الارثوذوكس والإثيوبيين.
وظل النزاع على الدير أحد الأسباب القابعة وراء قرار البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث في عام 1980 بمنع زيارة الأقباط للقدس لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان.
ومؤخرا أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكما بأحقية امتلاك الكنيسة الأرثوذكسية لدير السلطان وأمرت بإرجاعه وغرمت وزير الشرطة وأسقف الأحباش، لكن السلطات الإسرائيلية لم تنفذ قرار القضاء.
من جانبه، أوفد البابا تواضروس سكرتير المجمع المقدس نيافة الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، والانبا بيمن اسقف نقادة وقوص، ومنسق العلاقات بين الكنيستين القبطية والاثيوبية، والأنبا يوسف أسقف جنوبى أمريكا، للتفاوض مع وفد الكنيسة الإثيوبية بشأن مشكلة دير السلطان، خاصة أن الدير يحتاج للترميم.
وقد عاد الوفد قادما من مدينة القدس، بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات بعدما عرض رؤيته حول قضية الدير، وطالب بعمل بروتوكول شامل يتضمن الفصل فى الملكية، والحيازة، وإعطاء اولوية للترميم، فى ضوء قرارات المحكمة، وقانون الوضع القائم.
وذكر بيان رسمى صادر عن الكنيسة أن الوفد القبطى عاد إلى القاهرة قادمًا من مدينة القدس بعد انتهاء المفاوضات بخصوص دير السلطان المملوك للكنيسة القبطية.
ووفقًا للبيان: دارت المفاوضات بحضور ممثلي السفارة المصرية والوفد الأثيوبي الذي يمثله مطران الكنيسة الأثيوبية في الأراضي المقدسة وممثلي السفارة الأثيوبية وبحضور مندوبي الامن وبطريرك الروم الارثوذكس حيث تتعرض ممتلكات كنيسته لأضرار بالغة من جراء عدم ترميم الدير، وعرض وفد الكنيسة القبطية رؤيته حول قضية دير السلطان وطالب بعمل بروتوكول شامل يتضمن الفصل في الملكية والحيازة واعطاء اولوية للترميم في ضوء قرارات المحكمة وقانون الوضع القائم.
من جانبه قال الأب بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن الكنيسة الأرثوذكسية لن تتنازل عن أحقيتها في امتلاك دير السلطان، مؤكدا أن ملف ملكية الدير لا يزال موضع مفاوضات بين الجانبين المصري والإسرائيلي على الصعيد الرسمي، والكنيستين الأرثوذكسية والإثيوبية على الصعيد الديني.
وبدوره قال المفكر والباحث في الشأن القبطي، كمال زاخر في تصريحات صحفية، إن أزمة الدير لا تبعد كثيرا عن ملف المياه العالق بين مصر وإثيوبيا والذي تحاول إسرائيل توظيفه لصالحها، متوقعا أن تَحدث انفراجة في أزمة ملكية الكنيسة القبطية لدير السلطان، لا سيما في ظل رغبة إسرائيل في تقديم ترضيات لمصر في الوقت الحالي.