مع ثقة معظم الدول الأوروبية بأنها تجاوزت أسوأ مرحلة في وباء فيروس كورونا، يتحول اهتمامها الآن إلى مخاوف من فرصة عودة ظهوره مرة أخرى بمجرد عودة المجتمع إلى بعض مظاهره الطبيعية، ولكن هل المخاوف تكمن في عودته بشكل أشرس من ذي قبل فقط؟ أم أن المخاوف تشمل أيضاً التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والتي بدأت قوتها بالفعل تقلق القادة الغربيين.
مخاوف من موجة جيوسياسية شرسة بسبب فيروس كورونا
يتجمع المهاجرون في جنوب أوروبا ، التي لا تزال تكافح من أجل إخراج نفسها من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن فيروس كورونا، كما ستتخلف بعض الدول عن سداد الديون للدول الغربية التي اقرضتها خلال الجائحة مما سيسفر عن فرصة استيلاء بعض الدول على أخرى، هذا مجرد سيناريو مخيف يمكن أن تشهده بعض البلدان الأوروبية الفقيرة، وفقاً لصحيفة "النيوزويك" الأمريكية.
وكما قال "الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" فإن التاريخ يسير يسير بشكل متعرج حيث أطلق انهيار بورصة وول ستريت عام 1929 عصر الصفقة الجديدة، وخلق انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945 الظروف المناسبة للحرب الباردة، فكل حدث يخلق تبعات سياسية لا يمكن رؤيتها إلا عقب وقوعها، وشهد العقد الذي تلا أزمة 2008 الاقتصادية ترنح منطقة اليورو على حافة الانهيار، وتصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووصول دونالد ترامب للرئاسة، واليوم يشهد الاقتصاد العالمي نوبةً أخرى، محولةً المناخ الجيوسياسي، في ظل تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ التجارة بشكلٍ ملحوظ، واتساع الصدع البنيوي بين شمال وجنوب أوروبا،والسؤال إذاً: ما الذي قد يحدث في العقد الذي سيلي الأزمة الحالية؟
اقرأ أيضاً: انهيار الاقتصاد بسبب كورونا.. ماذا لو سقطت العملة الأمريكية؟
قال روبرت كابلان ، خبير السياسة الخارجية الأمريكية والعضو السابق في مجلس سياسة الدفاع الأمريكية، أن هناك مخاوف كمثال على روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، وهو الخوف الذي تردده بعض الأصوات الأكثر تأثيراً في السياسة الخارجية البريطانية، الذين يخشون من أن تكون الموجة الثانية الجيوسياسية من فيروس كورونا هي الأكثر تضرراً في أوروبا.
روسيا بداية الانهيار الاقتصادي الاوروبي
وأضاف نقلاً عن "مايكل كلارك" ، أستاذ دراسات الدفاع في King's College London والمستشار الخاص السابق للجنة الوطنية البريطانية للاستراتيجية الأمنية أن روسيا ضعيفة اقتصاديًا، وقد تضررت بشكل كبير بسبب انهيار النفط الناتج عن فيروس كورونا.
فما الذي سيحدث لو أن الرئيس الروسي، مدفوعاً بانهيار اقتصاد بلاده، رأى فرصة لاختبار عزم حلف شمال الأطلسي؟ آخرون مثل برونو ماسياس، وزير الشؤون الأوروبية البرتغالي السابق، قالوا لي إن الأزمة قد لا تزيد من جرأة روسيا، بل ربما تشلها، لتتركها أكثر اعتماديةً على الصين، وجالبةً دائرة نفوذ بكين إلى حدود القارة الأوروبية، يقول كابلان: "الأزمات تسرع من مرور التاريخ".
اقرأ أيضاً: بوتين بين "فكي" فيروس كورونا.. كيف انهار الاقتصاد وما فرص الرئيس الروسي في عبور الأزمة؟
إن مجموعة الاحتمالات الممكنة لتبعات الموجة الثانية تُثير الذهول: فاحتمالية استيطان المرض في دولة نامية من أعضاء G20، مثل الهند مثلاً، والتي قد تشهد عودة مضاعفةً للفيروس في أوروبا والولايات المتحدة، والتأثير غير الأكيد للتقدم التكنولوجي في مجالاتٍ مثل الذكاء الصناعي فيما يُستخدم لمواجهة المرض، وركود يوسع الهوة في العلاقات بين جنوب أوروبا الفقير وشمالها الثري.
هل الصين تشكل تحدي للدول العربية والغربية الآن؟
قالت لي كارين فون هيبل، المدير العام لمعهد الخدمات المتحدة الملكي، مركز الأفكار البريطاني البارز المختص بشؤون الدفاع والسياسات الدولية، إن "بعض التسوية مع الصين" تظل احتمالاً كبيراً خاصة لدول افريقيا، حيث ستقوم بعض الدول من هذه الأزمة محاولةً التشبث بالصين، لكن أغلب البقية سيُحاولون على الأرجح الانفصال عن غيرهم، وبالنسبة لبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها من الاقتصادات الأوروبية الكبرى التي تحاول الاستمتاع بمظلة الحماية العسكرية الأمريكية والإبقاء على علاقات تجارية جيدة مع الصين فربما لن تزداد إدارة تداعيات خطاب إدارة ترامب المناهض للصين إلا صعوبة.
والآن أنت لديك الكثير من المشاكل وليس لديك ما يكفي من المال للتعامل معها، سواء كان الوباء يحدث تغييرًا ثوريًا أو يسرع ببساطة التيارات التي تعمل بالفعل تحت السطح، فالحقيقة هي أن الموجة الثانية الوبائية ليست الوحيدة التي نحتاج إلى القلق بشأنها.