فى الجرائم حكايات مثخنة بالجروح.. الحياة سلسلة من الأحداث، سعيدة ومفرحة، وأخرى حزينة تصل إلى حد الصدمات، نقف أمامها، نتعجب من فقد عزيز علينا، ثم تدور عجلات الحياة بثبات وكأنها توقفت بفعل الصدمة، فقد أشخاص فى حياتنا مؤلم، لكن الأشد قسوة هو تعود أرواحنا عليهم، فبعضهم كانوا لنا أبًا وأما وعند فقدانهم أصبحنا يتامي.
مرّ 20 يوما على وفاة "محمد ياسر"، 17 عاما الذي تعرّض لطنعة نافذة فى القلب على أحد الطرق فى مناطق زراعية بقرية كفر سلامة، بدائرة مركز شرطة منيا القمح بمحافظة الشرقية، مساء الخميس 6-5-2020 وذلك نتيجة مُشاجرة مع 3 أشخاص كان أحدهم من أصدقائه المقربين؛ حيث كان طرفا مسالما محايدا أراد أن يفض الشجار ويمنع تطوره إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن كانت النتيجة تعرضه لطعنة قاتلة أودت بحياته.
المجني عليه محمد ياسر
أُصيب "محمد" بجراح خطيرة نُقل على إثرها إلى مستشفى الزقازيق، وبقي في العلاج المكثف ساعات قليلة، إلا أنه سرعان ما فارق الحياة، اُذيع خبر الوفاة، وتلقت عائلته، خاصة أمه ووالده وإخوته، الخبر بألم وحزن، ووقع عليهم كالصاعقة التي ما زالت تعيش الحزن والألم على فراق ابنهم الذي أحبه الناس وتمتع بسمعة طيبة ورضا الوالدين.
آخر لحظات محمد فى الحياة
فى ذلك اليوم المشئوم كانت درجة حرارة شقيقته الطفلة مرتفعة، فكان لابد من الذهاب إلى أقرب طبيب، خاصة أنها لا تطيق التحمل، فهى ذات 3 شهور، لم يتخل محمد عن مرافقة والدته إلى الطبيب، ورفض الذهاب إلى أصدقائه، وهائما من مقعده قاصدًا أبواب العيادة الخارجية، وراح متحدثا مع والدته بأشهى ما يكون الحديث، الذي نجح في نسج خيوط الأمان والاستقرار حولها.
بعد مرور ٣ ساعات، عاد "محمد" مع والدته في وقت العشية، وبعدها راود مخيلته شراء ملابس العيد لشقيقته وإحضار فستان مطرز من حُلى الزينة، وبالفعل اشترى محمد ما رآه مناسبا له ولشقيته وعاد إلى المنزل، وكانت والدته في انتظاره، وأثناء تداول الحديث قطعه والده ليخبره بجلب دواء شقيقته قبل حلول منتصف الليل.
المجني عليه
"ليا رب كريم يسندنى".. كانت هذه العبارة آخر ما كتبه محمد على صفحته الشخصية عبر الفيسبوك، لم يكن يعلم أنها آخر كلماته، عقارب الساعة تدق ١٠ مساء، كان "محمد" قد جلب الدواء وفى طريق عودته إلى البيت كان يطيل النظر بين المارة وكأنه يودع الحياة، إلا أنه سرعان ما قطع شروده شابان بصورة مفاجئة يخبرانه أن صديقه يتشاجر على طريق "الترعة" فى الأراضى الزراعية.
اتسعت عيناه ذهولا، وانتفض جسده، ما هى إلا دقائق حتى رافق "محمد" الشبين إلى المكان الذى يتواجد به صديقه دون الاكتراث بأي شيء، وحين وصله لم يتردد ولو لبرهة وراح يخلص صديقه من أيادي 3 أشخاص حاولوا قتله، بل انقض عليهم كالأسد المجروح، اتسعت أعين الواقفين ذهولا، فالجميع كان يعلم أن "محمد" طرف مسالم محايد أراد أن يفض الشجار ويمنع تطوره إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن كانت النتيجة تعرضه لطعنة قاتلة أودت بحياته، وبدون أى مقدمات، ولاذ الجميع بالفرار صامين آذانهم عن سماع أنينه وصرخاته المكتومة التي كادت أن تخرج قلبه من بين ضلوعه، فلم يتركوه إلا جثة هامدة، وبجواره دواء شقيقته التى كانت تنظره.
سرعان ما أشيع الخبر فى القرية، ليصل الخبر إلى والدته لتستقبل ذلك الخبر وسط حالة من الذعر والهلع، وانطلقت على إثرها الصرخات المدوية، وعويل النساء، حيث جحظت عيناها، وتقطعت أنفاسها، وتملكت جسدها القشعريرة، وهي تهرول مسرعة في محاولة اكتشاف حقيقة الأمر، لكن باءت كل محاولات تكذيبه بالفشل، حيث وجدته قد فارق الحياة، ممسكًا بيده دواء شقيقته، لم يرحم المشهد قلب الأم حتى يعلو أنينها، وسط دموع انفجرت كالشلالات، وملوحًا بيده إلى كل من حاول الاقتراب منه.
وانتقلت " أهل مصر" الى منزل عائلة "محمد ياسر"، لتروي لنا جريمة قتل نجلهم على يد ٣ بلطجية بمركز منيا القمح فى االشرقية.
تذرف "أم محمد" الدموع… وتقول: "كثير وصعب أن تفقد أحد أولادك فجأة، هو كان بالنسبة لي كل شيء أنا أعيش بأعصابي، كلّ دقيقة و"محمد" ببالي، كان دائما يتوجه الي وإلى الده يسأل، يستشير، كل مشكلة تحدث معه يتوجه إلينا، يشارك في أفراح الناس وفي أحزانهم".
أما عن والده، فتقول أمه: "أبوه حزين جدا ودائما محمد بباله ودائما يذهب إلى زيارة قبره، في هو باله يعيش بحزن وألم فقدناه، أب موجوع.. الله لا يذيقها لأحد"، وأطلقت كلمات والدموع تنهمر على وجتنبها: "أطلب من الله ألا يتكرر مع أي عائلة وألا تذوق أي والدة الحزن والألم الذي أعيشه، وموت الابن يؤدي إلى الحزن والمقت".
قبر المجني عليه
واضاف صديق طفولة "محمد.ا"، ١٧عاما: محمد كان لسانه مهذب، لا يمكن أبدا أن أنساه فقد عشنا أحلى فترات الحياة. فهو إنسان محبوب،وكريم".
وتابع حديثه بشأن الواقعة، أن المشاجرة وقعت بسبب معاكسة لـ "ابنة عم صديقه"، التى تسببت بعد ذلك فى مقتله غدرا على يد ٣ أشخاص من ساكنى القرى المجاورة.
والتقطت الحديث خالة المجنى عليه "ندى.ا" قائلة: "أشعر بالفراغ بعد رحيل محمد، على الرغم من أنه ابن شقيقتي إلا أنه كان يملأ الدنيا، أتذكر محمد في كل لحظة كانت معاملته جيدة معنا ومع الناس كان محترما، محمد راح ضحية غدر ، كل الناس بتحبه، سُمعته طيبة، أصحابه يحلفون باسمه، يساعد البعيد والقريب".
وهنا تتوقف الأم وتتنهد باختتام حديثها: " أطلب من الله أن ينتقم من الذي كان السبب في مقتل زياد، وربنا لا ينسى أحد".
البداية
بدأت تفاصيل الواقعة بتلقى اللواء عاطف مهران، مساعد وزير الداخلية لأمن الشرقية، إخطارًا من العميد محمود مُرسي، مأممور مركز
شرطة منيا القمح،، بنشوب مشاجرة بين عدد من طلاب المرحلة الثانوية بقرية كفر سلامة التابعة لدائرة المركز، خلفت ورائها مقتل أحدهم بطعنة نافذة بواسطة سلاح أبيض عبارة عن "مطواة" كانت بحوزة أحدهم.
وكشفت التحريات الأولية التي أشرف عليها العميد عمرو رؤوف، مدير المباحث الجنائية، وقادها العقيد جاسر زايد، رئيس فرع الشرقية للبحث الجنائي، نشوب مشاجرة بين 4 طلاب بالصف الثانى الثانوي، أسفرت عن مصرع أحدهم بطعنة نافذة.
وبتقنين الإجراءات تم ضبط المتهمين والسلاح المُستخدم، والتحفظ على الجثة بمشرحة مستشفى منيا القمح المركزي، تحت تصرف النيابة العامة، التى طلبت تحريات المباحث حول الواقعة وحجز المتهمين.