"اسأل مجرب ولا تسأل طبيب".. هذا المثل الشائع الذي يردده الجميع، تطور على يد الدكتور كمال قهري أحمد، طبيب حميات، ومقيم في قرية الخطارة، مركز نقادة، جنوب محافظة قنا، ليصبح "اسأل مجرب وطبيب في ذات الوقت".. وهي العبارة التي بدأ بها حديثه مع "أهل مصر"، ليروي رحلة إصابته بفيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" التي استمرت 10 أيام ، والتي انتهت بقرار التقدم سريعًا ليكون أول طبيب يتبرع بـ"بلازما" بعد التعافي من الفيروس.
اللحظة المتوقعة
قال الدكتور كمال قهري أحمد، إنه يعمل في أحد مستشفيات العزل الصحي في قنا، وأثناء تأدية عمله انتقلت إليه عدوى فيروس كورونا ليقع في قائمة المصابين، وكان ذلك الأمر متوقعًا بالنسبة له لمخالطته للعديد من المصابين سواء في قريته أو داخل المستشفى، وتصرف بعقلانية شديدة معه رغم ارتجافه منه، موضحا أنه بمجرد ظهور أعراض بسيطة عليه قام بعزل نفسه عن الجميع، حتى أجرى أشعة مقطعية أوضحت إصابته بالفيروس، بعدها انتقل إلى مستشفى الحميات في قنا ليجري أول مسحة له وكانت إيجابية، فتم عزله في غرفة داخل المستشفى حتى تقرر نقله إلى مستشفى الحجر الصحي.
الدكتور القهري أول طبيب يتبرع ببلازمته في قنا
حالة نفسية سيئة: "هل أرى أطفالي ثانية؟
يتذكر الدكتور القهري، ما كان يدور بداخله في ذلك الوقت، وهو سؤال واحد هل سوف أرى أطفالي مرة أخرى؟ كانت حالته النفسية متدهورة تمامًا، وشعر بما كان يشعر به مصابو كورونا قبله، مشيرا إلى أنه إحساس مريب ومقلق، فمن شدة حزنه قرر عدم فتح أي وسيلة من وسائل التواصل الإجتماعي لعدم مشاهدة أي أخبار عن مصابي وضحايا فيروس كورونا، موضحًا أن حالته النفسية زادت سوءًا بعدما تقرر نقله للحجر الصحي بمستشفى أبوتيج في أسيوط، وهنا رغم إيمانه القوي بقضاء الله إلا أن اليأس كان يحاوطه نظرا للتغيرات التي كان يلاحظها لدى كثير من مصابي كورونا، وأنه يتطور داخل جسم الإنسان، خاصة أنه وباء جديد غير معروف كليًا التعامل معه، إضافة إلى نقله لمكان غريب عنه، وكانت هذه الهواجس تشغله طوال فترة نقله داخل سيارة الإسعاف.
أول طيب يتبرع ببلازما دمه
الدكتور كمال قهري ابن نقادة في قنا
وصف الدكتور القهري مستشفى أبوتيج المركزي بأنها فندق 5 نجوم، من شدة جمالها والاهتمام بنظافتها، كما وصف الطاقم الطبي بأنه حقيقة يستحق لقب "الجيش الأبيض" حيث كان يتم معاملته أفضل معاملة، مشيرا إلى أن الاهتمام كان حوله بجميع المرضى، ورغم ذلك فإحساس البقاء في غرفة بمفردك لمدة أيام شيء محبط ويصيب الشخص بكثرة الوسوسة، كما أوضح، وبعد 10 أيام تعافى الدكتور القهري وتقرر خروجه من المستشفى وذلك بعد إقامة حفل كبير له داخل العزل الصحي بأسيوط، هو وكل من معه، فرحة بتعافيهم ولدعمهم نفسيًا.
أبات في الجنينة بس مش هدخل الغرفة تاني"
بعد انتهاء حفل تعافيهم كانت فترة حظر التجوال قد بدأت ولا يوجد له وسيلة لعودته إلى قنا في ذلك الوقت المتأخر، فعرض عليه أحد زملائه الأطباء داخل مستشفى أبوتيج الإقامة في الغرفة فترة الليل فرفض القهري وبشدة، وقال له "أبات في جنينة المستشفى أو أمامها يومين ولا أفكر العودة لغرفة الحبس الانفرادي" لما شعر به داخلها من حزن ووحدة ومأساة كان طوال فترته بها فقط يذكر الله ويقرأ القرآن حتى لا يفكر في شئ سلبي يؤخر من حالته الصحية.
"اسأل مجرب وطبيب في ذات الوقت"
أوضح الدكتور القهري أنه عقب عودته إلى موطنه قنا، قام بعزل نفسه الفترة المقررة، وبعد قضائها كاملة أصر أكثر مما كان قبل إصابته بالفيروس على استكمال رحلته في علاج المرضى والتخفيف عنهم لأنه شعر بهم وجرب ما يصابون به، فأصبح أكثر وعيًا في التعامل مع مرضى كورونا، فعاد إلى عمله وأصبح يداوم عليه ويعطيه كل وقته، ولم يتأخر يومًا واحدا بعد فترة عزله واتجه مسرعًا إلى المستشفى مرتديًا زيه الوقائي مستلمًا عمله مرة ثانية، كما أنه في ذلك الوقت قرر أن يقص تجربته مع الوباء عبر منصات السوشيال ميديا، لتحقيق التوعية بين المواطنين معبرًا عما عاشه في جملة "اسأل مجرب وطبيب في ذات الوقت".
أول طبيب يتبرع ببلازما دمه بعد تعافيه
كان الدكتور كمال قهري، أول طبيب في قنا يتبرع ببلازما دمه لمصابي فيروس كورونا بعد تعافيه، وعقب إعلان وزارة الصحة ودعوتها للتبرع انتظر لاستكمال المدة المحددة للتبرع بالبلازما وبعد انقضائها لم يتردد ثانية في الذهاب لبنك الدم الإقليمي في الأقصر والتبرع ببلازمته للمصابين قائلًا: مفيش حد جرب إحساس المرض وتأثيره النفسي ويتأخر في إنقاذ غيره، مؤكدا أن ببيع البلازما سلوك غير أخلاقي" موضحًا أن التبرع بالبلازما لن يضر المتعافي في أي شيء وليس له تأثير سلبي عليه، كما وجه نصيحته لجميع المتعافين في قنا بالتوجه لإنقاذ غيرهم بالتبرع بالبلازما.