يقف بجوار الرصيف ويستلقى على عربة جواده، فكبر سنه يجعلك تقترب منه وتتعاطف معه، ربما يعاني من شيء ويريد من يساعده، وبمجرد الحديث إليه، قام مبتسمًا قائلًا "الحمد لله.. أنا بخير"، إلا أنه سرعان ما بدأ في سرد سبب حزنه ووقوفه في الطريق "شعرت بأن جوادي مرهق فأردت أن أقف ليستريح بعض الوقت حتى نستطيع استكمال مشوارنا اليومي.. فارتبط به كأنه أحد أبنائي، وأحزن لحزنه وأفرح أيضًا لفرحه، نعم أشعر به حتى عندما يئن من التعب".
العجوز والجواد
يحكي أحمد شرابي، الذي يبلغ من العمر ثمانون عاما، ويسكن في شقة بسيطة بمنطقة السيدة نفيسة بحي الضواحي لـ "أهل مصر"، رحلة عمره مع جواده فيقول هو الصديق الذي ألجأ إليه وقت الشدة، نعم فهو مصدر رزقي، استيقظ مبكرًا وأقدم له الطعام "بعض الحشائش الخضراء"، وأضع إناء الماء أمامه وانتظر حتى ينتهي من فطوره.
وقبل ذلك أسكب عليه دلو من الماء "أحميه" حتى يفيق، ونبدأ بعدها يومنا أحيانا نجد عمل وأحيانًا كثيرة لا نجد، فأذهب إلى مكان به معمار للهدم أأخذ بعض الأخشاب على العربة لأذهب بها من مكان لآخر حتى أستطيع الحصول على قوت يومي وفى طريقي ربنا "يبعت لي رزقي"، وعندما أشعر أن حرارة الجو اشتدت، أقف في طريقي لنلتقط أنفاسنا أنا وجوادي.
وأعود لأقدم له بعض الماء والطعام "الحشائش"، يومنا طويل وشاق، لكننا "بنونس" بعض، وأعود إلى بيتي ليلًا، وأربط الجواد بجوار المنزل بعد أن أسحب العربة من خلفه، "اطبطب عليه" و كأنني أقول له "تصبح على خير"، يفهمني وأجده يومأ لي برأسه.
واستكمل "أقف من شرفة منزلي أراقبه حتى يستلقى على الأرض وينام، فتراقبه عيني من حين لآخر فهو مثل أبنائي تمامًا أخاف عليه، وعندما يأتي الشتاء أضعه في مخزن بمنطقة القابوطي، وأوفر "بطانية " قديمة وأضعها فوقه حتى يشعر بالدفء.
ويتابع العجوز حديثه "لا تتعجبي من علاقتي بهذا الجواد فهو عشرة عمري، أشعر بأن لو حدث له شيئا فستكون نهايتي معه، وبنبرة شابها الحزن يقول العجوز، عندما يعاني الجواد من التعب ويكون غير قادر على العمل "يمرض".
العجوز والجواد رفقاء الدرب
واستطرد قائلًا "تأخذني الحيرة وأشعر بأنني مكتف الأيادي، و لكن سرعان ما ألجأ إلى طبيب بيطري يساعدني في العلاج، وأحيانًا كثيرة يتبرع هو بعلاجه ويؤكد على الاهتمام به، وفي إحدى المرات أوصاني به، و قال لي "ارحم الحيوان شوية"، ولكنه فوجىء برد فعل غريب مني، قلت له لا تعامله على أنه حيوان فهو يشعر مثلنا بالجوع والعطش و يئن من التعب و يشعر ببرودة الشتاء و بحرارة الصيف، فكيف تقول لي إنه حيوان أنه ابني وصديقى وعشرة عمري، وابتسم الطبيب و قال لي "الآن أنا مطمئن عليه".
واختتم العجوز أن العلاقة بينه و بين جواده ليست علاقة إنسان بحيوان، فالله سبحانه وتعالى أوصانا بالحيوان فما بالك بالإنسان، وإذا أنهكني المرض شكوت له، وتمتزج مشاعر الجواد وصاحبه، وكأنه يشعر بي تمامًا، وتصلني أمنياته بالشفاء، أقرأها في عينيه التي أعرف لغتها.
كما أنني شاهدت في إحدى المرات برنامج تليفزيوني، انتبهت جيدًا لأسمع ماذا يقول فسمعت أن هناك مسابقة للخيول، ابتسمت وقلت لنفسي ولما لا، أردت أن أشترك بجوادي في المسابقة، ولكن سرعان ما استيقظت من الحلم، وقلت كفاية علينا "اللف في الشوارع"، هو ده رزقنا بلاش الطموح الكبير ده.