إنه الرومانسي، الحنين، الحالم، لم ابتعد عنه يومًا واحدًا منذ خمسة وعشرون عامًا، ارتبطنا ببعض ارتباطًا أبدي، لم أتوقع يومًا أن يكون بيني وبينه بابًا مغلقًا في نفس المكان، فكثير ما كان يعاني من المرض والتعب والألم بل عانينا سويًا، والآن يبعدنا فيروس لعين .. هكذا بدأت مروة عبد المحسن التي تبلغ من العمر 45 عامًا، ووالدة مصطفى محمود الذي يبلغ من العمر 25 عامًا من ذوي الهمم، والذي أصيب بفيروس كورونا حديثها لـ "أهل مصر"، فتقول بداية الأمر كنت اشتكي من ارتفاع في درجة الحرارة وصداع مزمن، واشتد بي الألم يوم وقفة عيد الفطر المبارك.
مصطفى محمود أول مصاب بكورونا من ذوي الهمم في بورسعيد
وكنت اعتقد أنها "لوز" لأنني كنت أعاني منها دائمًا، وذهبت إلى مستشفى بورفؤاد، عندما ساءت حالتي في اليوم الثالث لعيد الفطر لاكتشف أنني مصابة بفيروس كورونا فدخلت المستشفى لأنني كنت أعاني من تعب شديد في الرئة.
وأثناء وجودي بالمستشفى تم عمل مسحات للمخالطين لي، وبالتالي سيكون زوجي وأبنائي الحمد لله، فكانت تحاليل ابنتي سلمى الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الآداب هى وابني عمر بالشهادة الإعدادية "سلبية"، إلا أنه كانت تحاليل زوجي وابني مصطفى إيجابية، فمكثت بالمستشفى اثنتا عشر يومًا، ولم يخبرني أحدًا بأن مصطفى وزوجي مصابين بكورونا.
مصطفى يعشق البحر والسفن و يحب التمثيل
كنت أدعو ربي ليلا ونهارا أن يتم شفائي ليس لأنني أخاف المرض أو حبًا في الحياة، بل لأنني أريد أن أكمل مسيرتي مع ابني مصطفى، لأنه من "ذوي الهمم" و يحتاجني دائما بجواره.
تحول منزلنا إلى عزل صحي وأنا لا أعرف
وفي منزلنا بمدينة بورفؤاد بإحدى عمارات أشتوم الجميل، تسلمت ابنتي سلمى وابني عمر مسؤلية كبيرةن ليقوما برعاية والدهما و اخوتهما وبقدرة الله سبحانه و تعالى أن يجعل ابنتي تتحمل مسؤلية كبيرة، وأنا بعيدة عنها كانت سلمى "بطلة"، تواصلت ابنتي مع الدكتور وجدي ولسن طبيب القلب الذي يتابع حالة مصطفى، ومع الدكتورة هالة حمدي طبيبة الأطفال، وكانت تعرف منهما كيفية التعامل وكيفية اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية
والاحترازية لفيروس كورونا، حتى لا تصاب بالعدوى هي وعمر.
مصطفى أمنيته أن يعمل بهيئة قناة السويس
تحول منزلنا إلى مستشفى "عزل صحي" فكان زوجي في غرفتنا الكبيرة، ومصطفى في غرفة الأطفال، وافترشت سلمى و عمر الأرض في الصالة بعيدًا عنهما، وكانت أختي تقوم بطهي الطعام يوميا وتبعثه لسلمى ابنتي، وكان الطعام صحي ويحتوي على الفيتامينات، واشترت سلمى بدلتين واقيتين لها ولأخيها عمر حتى يتم التعامل بدون توتر و قلق من العدوى، وكانت تقوم بتعقيم وتطهير المنزل والحجرات الخاصة بوالدها وأخيها وتوفير الأدوية وتعقيم و تطهير الحمام وغسل الملابس وتعقيمها ووضع القمامة في أكياس سوداء ورشها جيدًا بالكلور ثم وضعها في كيس آخر و رشه أيضًا و تعقيمه.
مصطفى بطل من أبطال التحدي قلوب مرسومة و قبلات تبعث عبر الهواء.. لقاء مصطفى بوالدته
خرجت من المستشفى بعد أن تحسنت حالتي وأنا لا أدري من أين جاءت لي الإصابة بهذا الفيروس، لأنني كنت حريصة جدًا بعدم النزول أنا وأبنائي خوفا على مصطفى خاصة وأن مناعته ضعيفة، ولكن ربما لأنني خرجت في الأيام الأخيرة لشهر رمضان اشتري بعض الاحتياجات الضرورية لنا لا أدري وصلت المنزل وكان هناك مشهدًا لا أستطيع أن أنساه مدى حياتي وصدمة كبيرة.
فعندما سألت عن زوجي ومصطفى فقال لي زوجي إنني مصاب بكورونا، وكأنني كنت أتوقع ذلك لم تصيبني الدهشة ولكن "قلبى اعتصر" عندما علمت بإصابة ابني مصطفى لم أتمالك أعصابي من البكاء، وكأن هناك من ضربني ضربة قوية على رأسي "ابن عمري.. حياتي كلها" مصطفى. المشهد رهيب لا أستطيع وصفه، مصطفى يستعد لاستقبالي، وأنا أقول له من بعيد يا حبيبي ارسم له القلوب، وابعث إليه القبلات على الهواء وهو كذلك يناديني ماما اقتربي أريد أن أحضنك، كدت ان أموت وانا أرى ابني أمامي، ولا أستطيع أن أخذه بين أحضاني، أصيب مصطفى بأمراض لا تعد وكنا مع بعضنا هو يعاني وأنا اتألم، هو يمرض وأنا أصبر.
رحلة شقاء مع المرض منذ ولادته
قلت لنفسي استعد مرة أخرى لرحلة علاج مع ابني، ولابد وأن ننتصر، انتصرنا قبل ذلك كثيرًا على المرض فمنذ ميلاده وهو يصاب وأنا أعاني كنا و ما زلنا كالجسد الواحد فهو كان أول حالة في مستشفى أبو الريش تم اكتشافها بنقص هيرومون التروسكين وأخذ في عمل التحاليل وعمره ثلاثة أسابيع، و بعد شهرين من ولادته كان يعاني مصطفى من القلب حيث كانت الشريانين الرئوي والأورطي بينهما مفتوح، وكان لابد من إجراء عملية جراحية لغلقه وتم تطعيم مصطفى جرعة ثلاثة أشهر لتظهر مشكلة جديدة و يتجلط التطعيم تحت الأبط لنكتشف بضرورة إجراء عملية جراحية جديدة، وكان مصطفى متأخرًا في كل شيء في التسنيين والمشي والحركة والكلام، واحتاج إلى دروس تخاطب عندما وصل إلى سن عشر سنوات
ومع مرور السنوات كل عام نكتشف إصابة مصطفى بمرض جديد، فقد عان من قرحة بالاثنى عشر والمعدة، وظل ينزف بالدماء حتى احتاج إلى نقل أكياس دم كثيرة، وكانت سببا في إصابته بفيروس c وتم علاجه بمستشفى الحميات و الحمد لله تم شفائه.
بطل الإرادة و التحدي
وسط كل هذه الأزمات والمعاناة كان الله يصبرني على هذا الابتلاء، وأرى ابني قويا متحملا، وأردنا أن نخرج من اليأس إلى الأمل فاهتم مصطفى بالرياضة، وشجعته أنا ووالده على ذلك فكان له نشاط في السباحة.
واستطاع أن يحصد عدد من الميداليات البرونزية و الفضية مسافة 50 مترًا، و لعب في أبطال الدوري "لذوي الهمم"، وعندما بلغ ابني عشرون عامًا حدث له تضخم في الشريان الأورطي، وبعدها قام بإجراء عملية الزايدة، وحدث له فتأ نتيجة فتح الجرح وتم استئصال 4 متر من الأمعاء و جزء من القولون.
وعان ابني من فيروس "مرسا" القاتل الذي يأكل في الدم، واستطعنا بفضل الله وحمده توفير المضادات الحيوية القاتلة للفيروس من جميع محافظات مصر، ولم يمر عام إلا وكان الابتلاء ليختبرنا الله من عنده ويعرف مقدار تحملنا و صبرنا.
حلمه أن يتزوج وينجب ثلاثة أبناء ويعمل في هيئة قناة السويس
وتتابع والدة مصطفى حديثها، فتقول ابني حالم وحنين ورومانسي، عندما كان عمره عشر سنوات التحق بمدرسة مصر للغات، ووصل حتى الصف الثالث تأهيل مهني، واستطاع القراءة والكتابة وحصل على شهادة محو الأمية، فعندما التحق بالتدريب المهني فكان المدرسين يخبروه بأن الشخص الذي يريد أن يتزوج، لابد وأن يعمل حتى يوفر احتياجات نفسه وأسرته.
فظل أمل مصطفى قائم يريد الزواج، ويقول لي أريد أن أتزوج يا أمي، وأنجب ثلاثة أبناء "ياسين، جنى، أنس"، ويعشق البحر والسفن، ويعتقد بأن هيئة قناة السويس عبارة عن البحر والسفن فيقف عند نادي التجديف ببورفؤاد وينظر للقناة ويرفع يده للسماء، ويقول يا رب أريد أن أتزوج وأنجب ثلاثة أبناء، واشتغل في هيئة قناة السويس "علشان فيها بحر" فهذا هو حلم حياته.
رومانسي حالم حنون
مر على إصابة ابني بفيروس كورونا 17 يومًا، و ما زال يعاني من الكحة والصداع، وأحب أن أوجه كلمة لجميع الأمهات حافظوا على أنفسكم ليس حبًا في الحياة، و لكن من أجل المحافظة على أبنائكن، فهم قرة أعينكن ونبض قلوبكن بهم نحيا.
لذا فالمحافظة عليهم أمانة و يجب ألا تخونن تلك الأمانة، الزموا بيوتكن فأنا لا أدري حتى الآن من أين جاءت العدوى، وألوم نفسي ليلا ونهارًا بأنني السبب في انتقال العدوى لابني، وربما لا ولكن لابد من الحيطة والحذر وعدم الاستهتار والتهاون بعدو خفي.
وأطلب من الجميع الدعاء، لم أقل لي ولا لزوجي، و لكن لابني مصطفى فهو يستحق الدعاء، فكما يقول والده دائما هو "البركة والرزق من عند الله".