للدول سياسات إقتصادية يتوافق عليها الشعب ويختار من بين عدة أنظم ما يناسبه ويتناسب مع طبيعة حياته الجغرافية والديمغرافية وأيضًا السياسية، ولكن في مصر الأمر يختلف نوعًا ما، فدائمًا ما تفرض الظروف والأوضاع السياسة النمط الإقتصادي الذي يسلكه الوطن فلم يكن للمصرين خيارًا في الإقتصاد الرأسمالي الذي فرضته الملكية، وأيضًا رحب بالإشتراكية التي رسخها جمال عبد الناصر دون أن يفهم أبعادها الحقيقية، وعندما أراد السادات إعادة مصر للنظام الرأسمالي لم يتقبل الشعب الفكرة، خاصة أنه أحب فكرة الدعم والوظيفة الميري.
ثم جاء الوقت الذي يفرض علينا بحق أن نخطو نحو إصلاحات إقتصادية صعبة نتاج هذة التقلبات التي حدثت في المجتمع المصري، والتي تتجه بنا نحو إقتصاد السوق الحر، وهذا ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي لقول أن الإصلاح الإقتصادي تأخر منذ عام ١٩٧٧، وهذا بعد فترة من التخبط والمرور في نفق مظلم بين الإشتراكية التي رسخها جمال عبد الناصر وسياسات الإنفتاح الإقتصادي التي بدأها السادات، والتي كانت تستوجب رفع الدعم ولكن الشعب رفض هذا فأصبحنا بعدها أصحاب إقتصاد مشوه.
الحكومات خلال هذة الفترة من الغموض والتخبطات الإقتصادية فتحت الأبواب أمام رأس المال الخاص وتخلت عن الإستثمار الحكومي الذي بموجبه ومن أرباحة يصرف الدعم، في حين أن الشعب مازال يعيش علي هذا الدعم الإشتراكي القديم، إذًا نحن أمام دولة ذات إقتصاد رأسمالي وشعب يعتمد النظام الإشتراكي في حياته الإقتصادية.
ولهذا حان الوقت لنسير جميعًا في طريق واحد وهو الطريق الذي يضمن للفقراء "فقط" ومحدودي الدخل الحصول علي الدعم النقدي وأيضًا العلاج والدواء والتعليم من خلال التوزيع العادل للدعم وعلي رجال الأعمال والأغنياء أن يرفعو أياديهم عن دعم الفقراء، وهذا هو التوزيع العادل للدعم وأساس العدالة الإجتماعية التي نادت بها الثورات، ولكي يتحقق هذا يجب توافر مظلة إجتماعية لحماية الفقراء برعاية الدولة وبالفعل مصر تسير نحو هذا بإنشاء صندوق تكافل وكرامة وأيضًا المعاش التأميني وهذا ما يوفر لمحدودي الدخل فرصة للحصول علي الدعم النقدي بطريقة مباشرة، أيضًا المنظومة التموينية هي أحد أركان هذةالمظلة التي تحمي الفقراء والواقع يشهد أن وزارة التموين أنجزت مشروعًا هامًا خاصة في وقف نزيف الدعم المقدم للخبز.
ربما هذا وحدة لا يكفي ومازال محدودي الدخل في حاجة إلى ضمانات أكثر للحماية تتمثل في العلاج وأيضًا التعليم وهو الأمر الذي يستلزم من مجلس النواب إنجاز قانون التأمين الصحي لضمان خروج العلاج والدواء من منافسة إقتصاد السوق، أما التعليم فعلي الدولة النظر بجد في فكرة مجانية التعليم التي أصبحت غير مجدية خاصة في المراحل الجامعية وأيضًا لا توفر العدالة الإجتماعية خاصة أن هذة المجانية أصبحت تستنزف جيوب المصرين بشكل عام.
يتبقي الطبقة المفرومة أو ما يعرف بالطبقة المتوسطة التي أصبحت في طريقها إلى الانهيار في ظل عدم توافر أنظم حماية خاصة بها وهو الأمر الذي لم تلتفت إليه الحكومة حتي الأن بستثناء مشروع الإسكان المميز، في حين أن هذة الطبقة تحتاج أيضًا لسبل تضمن لها العيش الكريم وفق عدالة إجتماعية تحميها من الطبقة ذات الدخل المرتفع وأيضًا تنقذها من السقوط في دائرة محدودي الدخل.
في النهاية هذا هو الواقع الصعب إما أن نستوعبه بكل ما فيه ونخطو إلى الإمام أو نظل في هذة الدائرة الإقتصادية المشوهه التي لن تغني أو تثمن من جوع، ولهذا يعد أي تراجع إلى الخلف هو بمثابة السقوط في الهاوية، فالنصبر ونشد علي أيادينا لبناء الوطن.