وتصر الأيام اللعينة أن تترك في النفس أثرًا لحزن، أن تطبع على قلوبنا بقسوتها، فتأخد منا ــــ رغم أنوفنا ــ قلوبا غضة كان حلمها في الحياة أن تظل مبتسمة، فقط مبتسمة، لا يشغلها سوى الإنسانية وبعض من روحنا المفقودة، الهائمة بحثا عن سبيل للخلاص، فلا هي نالت الخلاص ولا دامت ابتسامتها.. ولا تركت لنا فرصة للوداع..
محمد الجوهري.. الصديق الأكثر نقاء في هذا الكون.. المبتسم حد الشطط، الثائر حد الجنون، يرفض أن نسامره ليلا، يمتنع عن الضحك مرغما، يترك ابنه وزوجته بلا حكايات، ويتركنا من بعده نتندر على حالنا وصراعاتنا التي لا تنتهي ولا تنفك تروح إلى زوال، تسبقها ابتساماتنا البلهاء، تتبعها أجسادنا المريضة بالوهم..
هل كنت تعلم يا أبا سليم، أن مزاحنا ليلا لن يتكرر، وأن رحلتنا إلى تونس لن تكتمل، وأن "اخوك" السوسة، سيتركنا نتحدث عن السياسة وننتقد الشيوعية والاشتراكيين الجدد، ولا يشاركنا الهراء؟
هل كنت تعلم يابن الثلاثين، أن اسمك لن يغازل شاشة هاتفي مرة أخرى، وأنني سأراجع الفواتير الممهورة بتوقيعك، علها تعتذر عما فعلته بنا اليوم وبكل أصدقائك ومحبيك..أراني أفتش في ذكرياتنا القليلة معا، في لقاءات وسط البلد، ومشاجرات العمل اليومية التي كنت تخرج فيها منتصرًا دائما، حتى لو لم تكن على صواب.. من سيدعوني الآن لكافيه لاتينو، أو لمحروس جاردن سيتى، وعربية الفول الشهيرة..هل ستترك ميرفت وسليم وأيمن يرتادون الساقية بمفردهم..من سيجرهم ــ بعدك ـ لحفلات التهامي ومولوية عامر التوني..من سيجادل رامي القناوي ويختلف مع تامر المهدي على مقاهي المنصورة..ومن سيشاركنا رحلات بورسعيد..
هل اشتقت لقاء ربك، يا صديقي الولي.. ألا تعلم بأن الأولياء هم ريحانة الله في الأرض، يتشممهم الصديقون فتصل رائحتهم إلى القلوب، فيشتاقون إلى ربهم على تفاوت منازلهم.. يبدو أننا هُّنا عليك، فآثرت الرحيل بهدوء.. رغم ما عشناه من صخب..
صديقي..الجوهري النبيل.. تركت لنا بعضًا منك، فلا تضن علينا بذكريات الحب والنقاء.. ولا تحرمنا سلاما كنا نصبو إليه معا..ولتنعم يا صديقي بهدوء القديسين ورحيل النبلاء.. ولكن، رجاءً لا تتوقف عن صخبك وضحكاتك، فثمة "سليم" هنا يحتاج لسماع صوتك مجلجلا ..أستحلفك بالله استمر في الضحك.. فالله لا يحب الكآبة.. ولا الداعين للحزن.