أجمع عدد من الخبراء والمتخصصين في الشئون التركية على أن استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة يستلزم تراجع تركيا عن مواقفها اللا مسؤولة والمتناقضة تجاه مصر حكومة وشعبا.
وفسر الخبراء رغبة تركيا في تطبيع العلاقات مع مصر على المستوى الاقتصادي دون المستوى السياسي بأنها تنطلق من تغليب المصلحة التركية دون مراعاة المصالح المصرية، مشيرين في الوقت ذاته، إلى أن استقرار أوضاع مصر الأمنية والاقتصادية وتفوق الجانب المصري بشأن ملفاته الداخلية سيدفع تركيا للسعي الجاد بشأن عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي.
وأكد الخبراء أن احترام الشعوب هي نقطة الانطلاق لإقامة علاقات طبيعية بين الدول، وهي الحقيقة التي تزال غائبة عن الرئيس التركي رجب طيب أوردغان، حيث لا يزال الأخير يصر على تبني تصريحات عدائية ومستفزة لمصر حكومة وشعبا وجميعها تمثل تدخلا سافرا في الشأن المصري الداخلي رغم أن الأولوية تقتضي منه أن يتفرغ لشئون بلاده الداخلية التي تشهد أحداثا وتطورات مقلقة، والتي لا تخفى على أحد على كافة الأصعدة، وآخرها محاولة الانقلاب العسكري على السلطة.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة على خلفية تدخل أوردغان في الشأن المصري وإعلان دعمه واحتضان بلاده لجماعة الإخوان الإرهابية ووضعه شروطا مجحفة وغير منطقية لعودة العلاقات المصرية التركية إلى مسارها الطبيعي، وكذلك عدم امتثاله للإرادة الشعبية المصرية في ثورة 30 يونيو المجيدة، واستمرار بث القنوات الفضائية المغرضة والمحرضة من تركيا ضد مصر، إلا أنه بين الحين والآخر وعلى مدى ما يقرب من عامين، والدوائر الرسمية في تركيا تصرح بأن أنقرة ترغب في استئناف العلاقات مع القاهرة، وقد صرح بذلك رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم - خلال الأيام القليلة الماضية - بأن بلاده لا تمانع في تطوير العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا لتهيئة المناخ لعودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي.
وهذا ما أكد عليه وصرح به نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، يوم الإثنين الموافق 11 يوليو الماضي، خلال مؤتمر صحفي بأنقرة بقوله: " إن أنقرة تود استئناف العلاقات مع مصر بعد أن حسنت علاقاتها مؤخرا مع روسيا وإسرائيل، إن تركيا لم تتخذ أي خطوات لتطبيع العلاقات مع مصر لكنها تود استئنافها".
من جانبه، عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد - في بيان خلال الأيام القليلة الماضية - عن ترحيب مصر بكل خطوة من شأنها إعادة العلاقات التركية المصرية إلى سابق عهدها، مشيرا إلى ضرورة الاعتراف بشرعية إرادة الشعب المصري الممثلة في ثورة 30 يونيو وما نجم عنها من تولي مؤسسات شرعية مسؤولية إدارة البلاد، الأمر الذي يحتم الاعتراف بها والانخراط في العمل معها كنقطة انطلاق لتطوير علاقة تركيا مع مصر.
ورغم تناقض المواقف التركية بشأن استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة، إلا أن التصريحات التركية الرسمية والتي تحمل إشارات إيجابية بشأن الرغبة في عودة العلاقات مع مصر إلى طبيعتها لا تزال تتوالى، حيث صرح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلوا - خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مؤخرا بنظيره السعودي عادل الجبير بالرياض - بأن بلاده تريد استئناف العلاقات من جديد مع مصر وبأن هناك لقاءات جمعته بوزير الخارجية المصري سامح شكري تحدثا خلالها حول العديد من القضايا.
وزير الخارجية المصري سامح شكري علق حول ما يثار مؤخرا بوجود شروط مصرية لتطوير العلاقات مع تركيا قائلا: " إن مصر لا تضع شروطا في علاقتها مع أي دولة وإنما تتعامل في سياستها وفقا للقواعد المستقرة في العلاقات الدولية من أهمية الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، مضيفا في لقاء خاص بقناة (سكاي نيوز) الإخبارية أن مصر دائما منفتحة على علاقات متشعبة ومتنوعة مع كافة الأطراف في المجتمع الدولي، ولكن لن نقدم على توثيق العلاقات في ضوء سياسات بها قدر كبير من التحامل والانقضاض على إرادة الشعب المصري وتظهر قدرا من الجمود وسياسات لا تفيد، فكل ذلك يجعل هناك قيودا، ولكن ليست نابعة من مصر، فمصر منفتحة على علاقات إيجابية عندما تكون الرغبة متبادلة.
وفي 3 أغسطس الجاري، صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده مستعدة لتطبيع العلاقات مع مصر على المستوى الوزاري، وأضاف أنه على استعداد للاجتماع مع نظيره المصري سامح شكري في أي وقت، مشددا على أن استقرار مصر مهم لتركيا وللدول الأفريقية وللعالم الإسلامي وأن أنقرة تريد محافظة مصر على قوتها.
وقال جاويش أوغلو " تصريحي بأني على استعداد لملاقاة شكري ليس جديد، ولكن هناك حقيقة بأن مصر لا يمكن أن تستمر على نفس المنوال، القاهرة عليها أن تتخذ خطوات إيجابية، ويمكني بالطبع أن أناقش هذه القضايا مع نظيري المصري، فليس هناك مشكلة في ذلك".
وفي 13 أغسطس الجاري، انقلب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، على نفسه وأدلى بتصريحات متناقضة للغاية وتحمل تدخلا غير مقبول في الشأن المصري، بل وانتقد بشدة السياسات المصرية الداخلية والخارجية، متجاوزا بذلك المبادئ المستقرة في العلاقات بين الدول، مشيرا في الوقت ذاته إلى رغبة بلاده في عودة العلاقات المصرية التركية.
وفي الوقت نفسه، صرح نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش يوم الإثنين الموافق 11 أغسطس الجاري بأن أنقرة تود استئناف العلاقات مع مصر بعد أن حسنت علاقاتها مؤخرا مع روسيا وإسرائيل، مشيرا إلى أن تركيا لم تتخذ أي خطوات لتطبيع العلاقات مع مصر لكنها تود استئنافها.
هذا ما دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إصدار بيان قال فيه " على الرغم مما تتضمنه تصريحات الوزير التركي من مواضع إيجابية تشير إلى وجود رغبة لدى الحكومة التركية لتحسين العلاقات مع مصر، فإن حديث الوزير التركي في مجمله يدعو إلى الاستغراب لما ينطوي عليه من تناقض".
وأشار شكري إلى أنه أكد في مناسبات عديدة على اعتزاز مصر بتاريخ العلاقات المصرية التركية والعلاقات القائمة بين الشعبين، إلا أنه ليس من المقبول أن يرهن وزير خارجية تركيا تحسين العلاقات بشرط احتضان مصر للرؤية التركية إزاء التطورات السياسية بها، أو قبول إسهاب الوزير التركي في تقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بمصر، بالإضافة إلى تطرقه للحديث عن النظام القضائي المصري.
وأكد وزير الخارجية المصري أن النزعة لمحاولة تطويع إرادة الشعب المصري بما يتوافق مع رؤية أي طرف خارجي هو درب من الوهم ربما مصدره الحنين إلى عهد انقضى منذ قرون.
وجدد رئيس الوزراء التركي بن على يلدريم، أمس السبت 20 أغسطس، إعلان رغبة تركيا في تحسين علاقاتها مع مصر منذ سقوط نظام الإخوان، وقال يلدريم للصحافة الأجنبية: "نعتقد إننا بحاجة لتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية مع مصر كبلدين يقعان على ضفتي المتوسط، ونعتقد أنه علينا أن نبدأ من نقطة ما"، ملمحا إلى أن العملية تستلزم وقتا.
وفي هذا السياق، قال مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية مصطفى اللباد "إن استئناف العلاقات بين مصر وتركيا وعودتها إلى طبيعتها يتوقف على تراجع أنقرة عن مواقفها اللا مسؤولة والمتناقضة تجاه مصر حكومة وشعبا"، مشيرا إلى ضرورة اعتراف السلطات التركية بحقيقة أن ثورة 30 يونيو تعبر عن الإرادة الشعبية المصرية، وأن عدم الامتثال لتلك الإرادة يجعل من عودة العلاقات بين البلدين أمرا بعيد المنال.
ويرى الدكتور على جلال معوض أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الجانب التركي يتحدث عن استئناف العلاقات المصرية - التركية بما يخدم مصالح أنقرة فقط دون مراعاة المصالح المصرية، حيث اتضح ذلك جليا عندما صرح رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم عن رغبة تركيا في عودة العلاقات مع مصر على المستوى الاقتصادي دون السياسي، وهذا أمر غير مقبول وفقا للمبادئ المستقرة للعلاقات بين الدول.
وقال معوض " تحقق التقارب المصري - التركي على المستوى السياسي أمر يزداد تعقيدا وصعوبة في ظل تواصل التصريحات اللا مسؤولة تجاه مصر حكومة وشعبا من قبل الرئيس التركي رجب طيب أوردغان"، موضحا أن استقرار أوضاع مصر الأمنية والاقتصادية وتفوق الجانب المصري بشأن ملفاته الداخلية سيدفع تركيا للسعي الجاد بشأن عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي.
ويرى عبد اللطيف حجازي الباحث المتخصص في الشئون التركية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط أن تدهور الأوضاع الأمنية في تركيا على خليفة محاولة الانقلاب العسكري على السلطة دفع أنقرة إلى تحسين علاقاتها ليس فقط مع مصر وإنما مع الدول الإقليمية لدعم الاقتصاد التركي الداخلي، مضيفا أن رغبة تركيا في تطبيع العلاقات مع مصر على المستوى الاقتصادي تنطلق من تغليب المصلحة التركية والتي تستهدف الحفاظ على استثماراتها في مصر.
وتابع حجازي "إن استئناف العلاقات المصرية التركية على المستوى الاقتصادي ربما نراه قريبا، أما استئنافها على المستوى السياسي نراه صعبا بسبب عدم تراجع تركيا عن مواقفها المتناقضة تجاه مصر، وكذلك تدخلها في الشأن المصري الداخلي واحتضانها لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية وعدم تسليمهم للسلطات المصرية، واستمرار بث القنوات المأجورة من تركيا لمهاجمة مصر ومحاولة تشويه صورتها على غير الحقيقة".