9 أشهر مرت على فترة الركود في العلاقات «التركية، الروسية»، وذلك بعد إسقاط المقاتلة الروسية «سوخوي»، على الحدود التركية السورية نوفمبر الماضي، بدأت العلاقات في العودة من جديد، ومعها تغيرات في السياسة الخارجية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خاصة فيما يخص الشأن السوري.
خيارات عدة ينتظرها المشهد السياسي في سوريا، ولوغاريتم جديد بدأ يطفو على سطح المعارك، وتوقعات وتكهنات جعلت الخبراء والمتخصصين أمام لغز ربما يصعب فك شفراته على المدى القريب.
ونظرًا للعلاقة الوثيقة بين كل من روسيا وتركيا وظهورهما بشكل جلي في المشهد السوري، والذي يعد أكثر المشاهد تعقيدًا في العصر الحديث، إلا أنه يستطيع أحد التكهن بمن يسطره عسكريًا، ومن يمتلك الضربة القاضية لحرب مستمرة منذ 6 سنوات، فلا منتصر حتى الآن، وحتى المشهد السياسي فيتغير كل يوم، "هنا تركيا تمد المعارضة، والروس مع الأسد، والأخير يدعم الأكراد، وبعد أيام تقارب روسي بعد قطيعة دبلوماسية عقب إسقاط أنقرة سوخوي روسيا الحربية.
ومع التقارب «التركي – الروسي»، والذي يتزامن مع تقدم قوات المعارضة السورية في عدة مناطق أهمها حلب، ومغازلة الأسد لتركيا، بضرب مناطق خاضعة لسيطرة الأكراد في مدينة الحسكة شمال شرق البلاد للمرة الأولى منذ بداية الأزمة، وتصريحات لمسئولين أتراك، عبر رئيس الحكومة بن علي يلدريم، بقبول أنقرة ببقاء الأسد رئيسا مؤقتا، بدون دور في القيادة الانتقالية في مستقبل البلاد.
وهنا يبدأ السؤال الأبرز، هل ترمي عودة العلاقات «التركية – الروسية»، بظلالها على المشهد السوري أن تركيا وروسيا مختلفتان في موقفهما من الثورة السورية منذ اشتعالها.
أيتون أورهان: التقارب سيكون له دور في حل الأزمة السورية
يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أيتون أورهان أن ذلك التقارب سيكون له دوره الملموس في تقريب التوصل إلى حل مناسب لحسم النزاع في سوريا.
وأكّد أورهان، الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية «أورسام»، أن التكاليف السياسية والاقتصادية الجمّة التي تكبدتها بها الأطراف الراعية للأزمة، دفعتهم إلى التفكير الجاد للنظر في حل وسط يُنهي الأزمة ولكن بأقل الخسائر الاستراتيجية.
وفي مقاله «سوريا والتقارب الروسي التركي»، يوضح أورهان أن تركيا وروسيا مختلفتان في موقفهما من الثورة السورية منذ اشتعالها وحتى يومنا هذا، مبينًا أن الطرفين أظهرا مثالًا نموذجي في البراغماتية السياسية الواقعية، وذلك من خلال توثيق علاقاتهما الاقتصادية المتبادلة بمعزل عن الخلاف السياسي الحاد بينهما في سوريا.
أزمة الأكراد.. وعلاقتها في التقارب التركي - السوري
جاءت تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، صريحة في أزمة الأكراد، قائلًا إن أنقرة أدركت خطر الأكراد وستضطلع بدور أكثر فعالية في التعامل مع الصراع في سوريا حتى لا تنقسم البلاد على أسس عرقية.
وأكد يلدريم بأن تركيا تقبل بأن يبقى رئيس النظام السوري بشار الأسد رئيسًا مؤقتًا لكن لن يكون له دور في القيادة الانتقالية وفي مستقبل البلاد.
وأشار رئيس الوزراء التركي إلى أن بلاده ستتمكن بالتعاون مع روسيا وإيران وغيرهما من الدول المعنية من إيجاد حل للأزمة السورية.
من جهة أخرى، يرى أورهان أن تركيا التي أصبحت عرضة لإرهاب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، وصارت تحت تهديد استراتيجي لأمنها القومي بعد تقدم حزب الاتحاد الديمقراطي "قوات سوريا الديمقراطية" بشكل ملموس في ريف حلب وعدد من مناطق شمال سوريا.
«داعش».. تهديدات جمعت السلطان التركي بالدب القطبي
ووفقًا لأورهان، فإن التقارب الروسي التركي جاء بعد قائمة الخسائر والتهديدات الباهظة لكلا الطرفين بسبب قطع العلاقات، وقد تُرجمت نيتهما للتصالح سريعًا بقبول بوتين رسالة أردوغان التي عبر من خلالها عن حزنه الشديد لما أصاب الطيار الروسي ورفع كل من الطرفين الحظر المفروض على قطاعي السياحة والتجارة وتأكيدهما على ضرورة إيجاد حل توافقي للوضع في سوريا.
كما يبيّن أورهان أن توافق تركيا وروسيا يمكن له أن يساهم في مشاركة الطرفين بمكافحة قوات «داعش» المتواجدة في إقليم ما بين جرابلس وأعزاز، مشيرًا إلى أن تخفيف تركيا لموقفها الحاد ضد النظام أمر وارد، وهذا ما سيحرك خطة الانتقال السياسي المرحلي التي سيبقى بها الأسد ومن ثم يسلمها لمن يحدده الأطراف.
وفي سياق متصل أظهرت تصريحات جاويش أوغلو في لقاء لصحيفة «الشرق الأوسط»، رداً على سؤال عما إذا كانت تركيا ستغير من سياستها حيال سوريا بعيد التقارب مع روسيا، والتي قال فيها: «نحن نؤيد الانتقال السياسي، ونعتقد أن الحل الأمثل هو الحل السياسي وهذا لا داعي لتغييره. نحن نعتقد بوحدة الأراضي السورية وبسيادة الدولة على أراضيها، وهذا أيضا لا داعي لتغييره».
وتابع وزير الخارجية التركي: «كنا دائما نطالب بمحاربة التنظيمات المتطرفة على الأرض السورية، ونحن لطالما طالبنا باستراتيجية أفضل لمحاربة هؤلاء ومحاربة فكرهم. أعتقد أنني أفهم من سؤالك هو أنك تريد أن تعرف ما إذا كان موقفنا من الأسد سيتغير، والجواب هو كلا.. كلا. وهنا نحن نتحدث من الجانب العملي، وليس العاطفي أو الشخصي».
هجمات غازي عنتاب تبرهن على تغيير السياسات الخارجية لتركيا
تطرق الكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك لتصريحات أنقرة إثر التفجير الإرهابي في غازي عنتاب، والتي كشفت عن قائمة الأعداء الجديدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ لم يعد الأسد مدرجا على القائمة.
وقد أعاد الصحفي إلى الأذهان في مقالته الأخيرة بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، أن أردوغان في أعقاب العمل الإرهابي الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصا من ضيوف حفل زفاف كردي في غازي عنتاب، سارع إلى توجيه أصابع الاتهام لتنظيم «داعش»، باعتباره المشتبه به الأول في الوقوف وراء الهجوم.
وكتب فيسك في مقالته: «لن يثق سوى القليل من الأتراك بوجود أي صلة مباشرة للنظام السوري بتفجير حفل الزفاف في غازي عنتاب. لكن يبدو أن السلطان أردوغان بعد رحلته إلى سان بطرسبورغ للقاء القيصر فلاديمير، أدرك أن عليه أن يقلص عدد أعدائه».
واستطرد أن «حب أردوغان الجديد للأم روسيا»، يأتي مقابل ثمن معين، معربًا عن عن قناعته بأن بوتين بحث مع أردوغان خلال لقائهما في بطرسبورغ علاقاته مع بشار الأسد ودور تركيا في محاولات سحق الحكومة السورية التي تدعمها موسكو بقواتها المسلحة.