تسببت مصلحة الضرائب في تدهور وانهيار صناعة الذهب في مصر، عندما أقرت قانون ضريبة المبيعات علي المشغولات الذهبية عام 1991، ما أدي إلي إغلاق كثير من الورش والمصانع الصغيرة، بالاضافة الي انخفاض حجم المدموغ والمعروض من الذهب.
كما تسبب هذا القانون في انتشار ظاهرة غش الذهب وتزييف أقلام الدمغة والدمغ خارج "المصلحة"، ووصل الأمر إلي التلاعب في العيارات المتداولة بالاسواق، نظرا لتطبيقه بصورة خاطئة، إذ تم تحصيل الضريبة علي القيمة الإجمالية للذهب وليس القيمة المضافة "المصنعية أو ربحية الجرام".
"أهل مصر" استطلعت رأي خبراء الصناعة في الضريبة وسبل السيطرة علي السوق ومنع الغش في عيارات الذهب في السطور التالية:
من جانبه قال فاروق إبراهيم بطرس، رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن مصلحة الضرائب تقوم بتحصيل الضريبة علي الارباح التجارية، علي القيمة الاجمالية للذهب، وهذا غير معقول، فالتداول بين التاجر والمصنع يكون من خلال الذهب الخام، باعتباره قيمة مادية أو رأس المال، والمكسب بين الطرفين يكون من خلال القيمة المضافة (المصنعية)، مشددا علي أن الضريبة يجب أن تحتسب علي القيمة المضافة وليس علي رأس المال، فتاجر الذهب يسدد الضريبة مسبقا عند الدمغ بقيمة 3 جنيهات علي الجرام عيار 21، و5 جنيهات علي الجرام عيار 18، فى حين أن مكسب المُصنع 25 قرشا.
وأوضح " بطرس "، أن مصلحة الضرائب تستخدم حجم الذهب المدموغ لصالح مصنعي الذهب، من مصلحة الدمغة والموازين، وحساب ضريبة الأرباح التجارية عليه، مع أن تلك المشغولات لا يتم بيعها بشكل كامل ويقوم المُصنع باستردادها مرة أخري في حالات كثيرة، ليتم إعادة صياغتها في موديلات جديدة، بينما لا يسترد ما تم سداده من ضريبة مبيعات أو خصمه من حجم عمل المصنع.
ويؤكد " بطرس"، أن التطبيق الخاطئ لضريبة المبيعات منذ 91، تسبب في أزمات كبيرة في سوق الذهب المصري، منها ظهور الدمغة "البراني" وانتشار ظاهرة غش الذهب، حيث اتجه الكثير من التجار بالدمغ خارج المصلحة لتفادي دفع مبالغ كبيرة، وبالتالي يبيعون بمصنعية أقل من التجار الملتزمين، مما فتح الباب أمام التجار معدومي الضمير، لتصنيع ذهب مزيف وطرحه في الأسواق، والنتيجة انسحاب كثير من التجار الشرفاء من المهنة.
وأوضح "بطرس"، أن بعض المصنعين يقومون بطرح ذهب سليم العيار، مزيف الدمغة، مدموغ بأقلام دمغ مزيفة خارج مصلحة الدمغة، أما "الذهب المزيف" فهو ذهب مدموغ بأكثر من عياره، فقد يطرح في الأسواق ذهب من عيار 12 علي أنه من عيار 21 أو 18.
بينما يشير " رفيق عباسي "، رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للصناعات، ان الذهب سلعة يتم تدويرها كرأس المال، لافتا الي ضرورة تحصيل الضريبة علي القيمة المضافة "المصنعية" وليس علي الذهب، مؤكدا أن الحكومة لو قامت بتحصيل الضريبة على المبيعات من التاجر ستتفادى وجود سوق سوداء لأنه في هذه الحالة سيقوم المصنع بدمغ كل المشغولات حتى لا يجرم.
وأكد " عباسي "، ان الخلاف بين مصنعي الذهب ومصلحة الجمارك بدأ في 1991، عندما أقرت المصلحة رسوم المبيعات علي القيمة الاجمالية للذهب، بنسبة 10 % علي سعر الجرام، لافتا إلي أن مصنعي الذهب كانوا يكسبون في هذا الوقت 25 قرشا علي انتاجية الجرام عيار 21، مع العلم أن هذه الضريبة يدفعها المستهلك، ولكنها تمثل عبئأ معنويا وماديا علي المصنعين، فلو انهم حققوا مكسب 100 الف جنيه نهاية كل شهر، فسيدفعون أمامها مليون ومائتي الف جنيه، ضريبة للحكومة.
واوضح " عباسي " أن هذه الضريبة فتحت الباب أمام المصنعين ليتهربوا من الدمغ خارج المصلحة، وأصبحت هذه الأموال تدخل للمصنعين، ما دفع البعض للتلاعب في العيار لتحقيق مكاسب أكبر، وكذلك فتحت باب الفساد لرشوة التجار لمفتشي مصلحة الدمغة.
وأكد "عباسي"، أن الضريبة زادت من انتشار غش الذهب، إذ كانت المصلحة تقوم بفحص عيارات الذهب، قبل طرحه بالاسواق، وتكسير المشغولات الذهبية غير المطابقة للمواصفات، ولكن بعد تطبيق الضريبة، انتشر السوق بمشغولات ذهبية غير منضبطة العيار.
وأكد "عباسي" أن المكاسب الكبيرة التي حققها مصنعو الذهب من غش الذهب والتلاعب في العيار، أدي الي استمرارهم، ما دفع كثير من صغار المصنعين لمغادرة السوق.
وأوضح "عباسي"، أن ضريبة المبيعات كانت تحصل علي ثلاث مراحل من المصنعين عند الدمغ ومن تجار الجملة وتجار التجزئة، إلا أن المصلحة تراجعت عن ذلك، وجعلت تحصيها من المنبع "الدمغ"، نظرا لصعوبة تحصيلها من تجار الجملة والتجزئة، اللذين يتحايلون علي الشراء الذهب بدون فواتير رسمية.
وتابع "عباسي" أنه عندما فرضت مصلحة الجمارك الضريبة عام 1991 كانت تحصل علي الجرام 10 %، الا ان شعبة الذهب استطاعت من خلال التفاوض، ان تجعل الضريبة 3 جنيهات علي الجرام 21 و5 جنيهات علي الجرام 18، وذلك في عام 2005.
كما أكد " عباسي "، انه علي الرغم من الضريبة التي تدفع الآن علي الجرام مناسبة نظرا لارتفاع اسعار الذهب وارتفاع المصنعية، الا أن الغش والتلاعب في عيارات الذهب لن يتوقف، نظرا للمكاسب الكبيرة التي يحققها المصنعون، خاصة مع نمو البنية التحتية لعملية الغش داخل اماكن خاصة بمصانع الذهب، وتجهيزها لمدة عشرات السنوات سواء من خلال اقلام الدمغ او العلاقات بين المصنعين ومفتشي الدمغة والذين يأتي بعضهم لدمغ المشغولات الذهبية بأقلام دمغ المصلحة داخل هذه المصانع.
وأوضح " عباسي " أن ضريبة المبيعات أحد أسباب عدم معرفة الحجم الحقيقي المتداول بالسوق المصرية، اذ يتهرب المصنعون من الاعلان عن الارقام الحقيقية للذهب لديهم، حيث يقوم البعض بدمغ 50 كيلو داخل لمصلحة، ويدمغ 300 كيلو خارج المصلحة، وذلك للمحافظة علي الارباح التي يحققها، وخشية مقارنة حجم ما يتم دمغه مع حجم ما يتم تداوله في المصانع، فيتعرض للمساءلة القانونية.
فيما أكد صلاح عبد الهادي، عضو شعبة الذهب بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الشعبة عقدت أكثر من حلقة نقاشية مع مصلحة الضرائب، مؤكدا أن رئيس المصلحة ابدي تفهمه لتعديل قيمة الضريبة في قانون "القيمة المضافة" المذمع عرضه علي مجلس النواب قريبا.
وأكد " عبد الهادي"، أن شعبة الذهب توصلت لحل مع مصلحة الضرائب، وهي إقرار الصورة التي يتم بها التحصيل الان والتي تتم بشكل ودي بين المصنعين والمصلحة، حيث يتم تحصيل 5 جنيهات علي الجرام عيار 18، و3 جنيهات علي العيار 21، لكن مع زيادة سنوية 10 %، مشيرا إلي أن أعضاء شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية رفضوا بند 10 %.
بينما يشير " نادي نجيب "، إلي أن ضريبة المبيعات تختلف عن ضريبة الارباح علي المبيعات التجارية، فضريبة المبيعات تحصل علي الدمغ ويتحملها المستهلك، وكانت مصلحة الضرائب تقع ايضا في خطأ تطبيقها إذ كانت المصلحة تقوم بتحصيلها أكثر من مرة، من المصنع عند الدمغ، ومن تاجر الجملة، ومن تاجر التجزئة، وفي كل الاحوال يتحملها المستهلك.
وأوضح أن شعبة صناعة "الذهب" باتحاد الصناعات توصلت إلي اتفاق مع رئيس مصلحة الضرائب علي المبيعات يقضي بتحصيل الضريبة من المنبع خلال مرحلة التصنيع وليس عند البيع أو تداول المنتج نظرًا لأن الذهب تتم إعادة تصنيعه وتشغيله أكثر من مرة، وذلك منعًا لتكرار تحصيل الضريبة عند كل مرة تتم فيها إعادة تصنيعه.