اعلان

مختار محمود يسأل: هل حرم الإسلام زواج المسلمات من غير المسلمين؟ (1)

صورة تعبيرية
كتب :

رغم أن جميع المذاهب الفقهية تجمع على عدم إباحة زواج غيرالمسلم "مشرك- يهودى – مسيحى" من المسلمة، استنادا إلى مواضع شتى فى القرآن الكريم، أبرزها قوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون "، إلا أن آراء شاذة، "والشذوذ هنا يعنى الاختلاف عن السائد فقط"، خرجت مؤخرا لتشق هذا الإجماع، وتؤكد أنه لا أدلة قاطعة على هذا التحريم، واتهموا الشيوخ المتقدمين بالفهم الخاطئ للمقصود من تلك الآية وغيرها، وطالبوا بإعادة النظر فى تفسير تلك الآيات، تمهيدا للخروج بقراءة جديدة تبيح زواج غير المسلم "لا سيما المسيحى"، من المسلمة زواجا شرعيا معترفا به، بعيدا عن التوترات الطائفية التى تنشأ مع كل علاقة عاطفية تنشأ بين مسيحى ومسلمة...وفى السطور التالية.. نعرض بكل موضوعية الآراء المؤيدة والرافضة لهذا الزواج، وهذا لا ينفى ضرورة إعمال العقل خاصة فى القضايا غير المحسومة بنص شرعى واضح وصريح وقاطع..

الحلقة الأولى:

هل أساء الشيوخ المتقدمون فهم "آيات التحريم"؟فى ظل التواترات الطائفية المتهافتة فى عدد من محافظات صعيد مصر، طرح باحثون بأطروحات، رآها آخرون شاذة، تزعم أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم زواج المسيحى من المسلمة، وإنما الأئمة والشيوخ هم من حرموا ذلك، استنادا إلى فهم خاطئ لقول القرآن الكريم: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون "، وادّعوا أن التحريم قاصر على المشركين الذين ينكرون وجود الله والأديان السماوية، وليس أهل الكتاب من المسيحيين واليهود! ودفع هؤلاء الباحثون، وآخرهم "مدحت صفوت"، بأنه لا سبيل للخلاص من المشكلة الطائفية، التى تؤرق مصر بين الحين والآخر، سوى نشر ثقافة المواطنة من جهة، وتحويل مفاهيمها لممارسات واقعية ملموسة، والدفاع عن "المدنية" التى تسمح بإقرار الزواج المدنى لكافة الأطراف ، وإلزام المؤسسات الدينية الرسمية بالاعتراف به بقوة القانون، وبالطبع إسقاط التبعات المترتبة على رفض الكنيسة والأزهر للزواج المدنى، وهى تبعات فى أقلها "صعوبات عظيمة"، تضع الإنسان أمام خيارين، أحلاهما علقم؛ فإما أن يكون متزمتًا أصوليًا لا يجادل ولا يناقش، أو يخرج عن ملته تمامًا.ويرى أصحاب هذا الرأى أنه بالعودة إلى التراث الفقهى، نقرأ أن أغلب الإجابات والفتاوى التى تمنع زواج المسلمة من المسيحى، لا تعتمد على نصوص دينية "قرآن أو سُنة نبوية"، بقدر اعتمادها على توضيح مقاصد المنع، وملخصها: عدم اعتراف المسيحية بالإسلام كدين سماوى، وإمكانية فرض سيطرة الرجل المسيحى على زوجته المسلمة، والمشكلة الأبرز: ديانة الأبناء، كل هذه المقاصد تفترض بالأساس انتفاء إرادة المرأة، وانحصار دورها فى التبعية، ناهيك عن اعتبار الدين هنا مسألة غير شخصية تخص الفرد وحده. ينطلق الفقهاء فى دراسة الأمور من قاعدة ثابتة وهى الأصل فى الشىء الإباحة، وأنه لا تحريم أو منع إلا بنص، أى طالما لا يوجد نص صريح بالمنع أو التحريم فالإباحة قاعدة. وفى السُنة النبوية لا نجد أحاديث تنظم عملية زواج المسلمة من غير المسلم أو العكس، وبالنسبة للقرآن، فإنه تحدث فى موضعين عن الزواج من أصحاب الدين المغاير،الأولى: الآية 5 من سورة المائدة "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"، وهى تبيح زواج الرجل من الكتابية أى المسيحية أو اليهودية، ولا تتحدث عن تحريم زواج المسلمة نهائيًا، أمّا الموضع الثانى فيصادفنا فى221 من سورة البقرة "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى? يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ".. فالآية تقول صراحة المشركين وليس الكتابيين، وبالعودة إلى التفاسير سنجد أنها جميعًا توضح أن المشرك المقصود هو الوثني، أى من غير أتباع الأديان السماوية، أى شخص خلاف المسيحى أو اليهودي، ومع إقرار المفسرين بأن المقصود هو الوثنى، إلا أنهم يحرمون زواج المسلمة من المسيحي، فالإمام الشافعى مثلًا يقول عن الآية "نزلت فى تحريم نساء المسلمين على المشركين من مشركى أهل الأوثان"، ومع ذلك يستدرك "فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال، وعلى أهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين"، دون أن يقول لنا ما الدليل القرآنى على هذه الفتوى، ودون أن يفسر التناقض البين فى خطابه بين القول بأن الآية نزلت لتحرم المشركين على المسلمات ثم يُحرم هو بنفسه زواج المسلمة من أهل الكتاب، بحسب الباحث مدحت صفوت. إذن الأدلة التى يستند عليها الفقهاء ليست نصية، قرآنية، بل هى مجرد أراء واجتهادات والغريب أنها مخالفة لنص القرآن نفسه، أو على الأقل متزايدة عليه.. أمَا مسألة "القوامة" وعدم جواز قوامة غير المسلم على المسلمة، فإنها تستند بالأساس إلى جملة ختام الآية 141 من سورة النساء "وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا"، ويحاول الفقهاء أن يربطوا هذه الآية بزواج المسلمة! وهى عملية تفسير حرفى للقرآن.. الحقيقة أن الفقهاء نزعوا الآية، ولووا عنقها بشكل خطير جدًا، وبقراءة الآية كاملة "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا"، الآية بالأساس نزلت فيما أسماهم القرآن بمنافقى المدينة، يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، ويحاولون إثارة الفتن، فيأتى الله ليعد أتباعه بالنصر، أى أن عبارة "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، وعد إلهى، وإقرار ربانى بنصر المؤمنين، كحتمية انتصار الخير فى النهاية. وينتهى الباحث إلى إشكالية متكررة على ألسنة كثيرين ممن يدورون فى فلكه، وتتمثل فى التناقض الفقهى الذى يكشف عن نزعات ذكورية، فالفقهاء يعتبرون المسيحيين واليهود "أهل كتاب" حال زواج المسلم من امرأة تدين بالمسيحية أو اليهودية، وفجأة يتحول أهل الكتاب إلى مشركين حال أن قررت المسلمة أن تمارس حقها الإنسانى، السؤال الذى يفضح التناقض: هل المسيحيون واليهود مشركون أم أهل كتاب؟ فلو كانوا مشركين كيف نجيز زواج الرجل من نسائهم والقرآن يُحرم ذلك؟بعد استعراض وجهة النظر التى لا ترى أن القرآن الكريم لم يحرم صراحة زواج غير المسلم من المسلمة، كان لا بد أن نعرج على التفاسير المعتمدة لآيات التحريم، حتى لو قال قائل إنها "أى تلك التفاسير" قد نكون موضع طعن.يقول قدماء المفسرين عن قوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، ولعبد مؤمن خير من مشرك، ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون"، إن هذا الآية تؤكد على تحريم زواج غير المسلم من المسلمة، واللافت أنه لا خلاف بين "المفسرين القدماء" على هذا التحريم، بل إن عليه إجماع الفقهاء سلفا وخلفا، والمقصود بغير المسلم ، كما قالوا، هو كل كافر أو مشرك سواء أكان من الوثنيين أو المجوس أو من أهل الكتاب، فالإمام القرطبي يقول فى تفسيرها: " أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام "، كما قال الإمام الرازي: "فلا خلاف ها هنا أن المراد به الكل-أي جميع غير المسلمين- وأن المؤمنة لا يحل تزوجها من الكافر البتة على اختلاف أنواع الكفرة "، أما الإمام الشافعي فقال : " وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين من مشركي أهل الأوثان يعني قوله عز وجل: " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا "، فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وما لم يختلف الناس فيما علمته "، وقال الإمام الكاساني: " فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر لقوله تعالى: " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا "، ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر لأن الزوج يدعوها إلى دينه والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين وإليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل: " أولئك يدعون إلى النار "...لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار، لأن الكفر يوجب النار، فكان نكاح الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام فكان حراماً، والنص وإن ورد في المشركين لكن العلة وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع، فيتعمم الحكم بعموم العلة، فلا يجوز إنكاح المسلمة الكتابي كما لا يجوز إنكاحها الوثني والمجوسي لأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، فلو جاز نكاح الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل وهذا لا يجوز"، كما حسم الإمام ابن جزي القضية بقوله: " وإن نكاح كافر مسلمة يحرم على الإطلاق بإجماع "، وهو ما ذهب إليه الإمام البهوتي : " ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال حتى يسلم لقوله تعالى: " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا"، وقوله: " فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن"، كما قال الإمام ابن حزم: " ولا يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصلا، برهان ذلك قول الله عز وجل: " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا "، وقال محمد بن أبي بكر: " فلا يجوز أن يمكن المجوسي والوثني أن يعلو امرأة دينها خير منه كما لا يُمكن الذمي من نكاح مسلمة "، وويقول د. عبد الكريم زيدان: " وتحريم زواج المسلمة بغير المسلم هو تحريم ثابت وقطعي مهما كان دين غير المسلم أي سواء كان من أهل الكتاب – اليهود أو النصارى – أو كان وثنيا أو مجوسيا أو لا يدين بأي دين...".إذن ما تقدم من أدلة وأسانيد يجزم بإجماع جميع المذاهب والفقهاء على تحريم زواد غير المسلم من المسيحية بحال من الأحوال، بل إن جميعهم تشدد فى التحريم، ولم يقدم استثناء وحيدا.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً