زيارة السيسي لنيو دلهي.. نقطة فارقة في العلاقات «المصرية - الهندية»

كتب : وكالات

تشكل الزيارة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي الى نيودلهي خلال الفترة من الأول حتى الثالث من سبتمبر المقبل فرصة مواتية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر والهند على أسس المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة البلدين علاوة على كونها نقطة فارقة في العلاقات التاريخية والتنسيق الإيجابي بين الجانبين لدعم التنمية المستدامة والدفاع عن مصالح الدول النامية في المحافل الدولية.

وحرصت حكومتا مصر والهند على التأكيد على أن زيارة الرئيس السيسي إلى نيودلهي – والتي تأتي بناءً على دعوة من الرئيس الهندي "براناب موخرجى" - تصب في إطار حرص البلدين على تعزيز العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربطهما على جميع الأصعدة، وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية ولا سيما مكافحة الإرهاب وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

وستتناول المباحثات التي سيجريها الرئيس السيسي مع كل من الرئيس الهندي موخرجى، ونائب الرئيس "محمد حميد أنصاري"، ورئيس الوزراء "ناريندرا مودى"، بالإضافة إلى عدد من كبار المسئولين ورجال الأعمال الهنود، سُبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ولاسيما الاقتصادية والاستثمارية والتنموية في ضوء التجربة الهندية المتميزة في تحقيق التنمية الشاملة وتنويع قاعدة صناعتها الوطنية، فضلاً عن العمل على زيادة وتنويع التبادل التجاري بين البلدين الذي تجاوز 4 مليارات دولار سنوياً، ً علاوة على بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وسيركز الشق السياسي من المباحثات التي سيجريها الرئيس السيسي مع قادة الهند على ثلاثة محاور:

أولا: المحور الثنائي ويتمثل في بحث سبل تعزيز العلاقات المصرية الهندية، وتفعيل آليات الحوار والتشاور الثنائي، واستثمار رصيد العلاقات التاريخية لدعم التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المشتركة.

ثانيا: المحور الإقليمي ويتمثل في مناقشة تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات الهندية العربية من ناحية والتعاون الهندي الأفريقي من ناحية أخرى في ضوء استضافة نيودلهي لقمة منتدى الهند – أفريقيا في أكتوبر 2015، وحرص الحكومة الهندية على تدعيم علاقاتها السياسية والتجارية مع الدول العربية والأفريقية من خلال استفادتها مع رصيد علاقاتها التاريخية والمتميزة مع مصر.

ثالثا: المحور الدولي ويتمثل في بحث العديد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك ومن بينها سبل مواجهة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، ومكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف من خلال التنسيق الدولي، ومواجهة العوامل التي تغذى تلك الظاهرة، وخطط إصلاح الأمم المتحدة، وحماية مصالح الدول النامية في مفاوضات تحرير التجارة العالمية.

وفى ذلك الصدد أكد سفير الهند بالقاهرة سانجاى باتاتشاريا أن الشراكة المصرية الهندية تنعكس بشكل إيجابي ليس فقط على البلدين ولكن على التعاون بين دول الجنوب النامي أيضا، مشددا على أن "مصر تمثل أحد أهم الشركاء الأساسيين للهند بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ".

وتُمثل كل من مصر والهند قوة الدفع الرئيسية لحركة عدم الانحياز، ومجموعة دول الـ 15، وحجر الزاوية في التنسيق البناء بين دول العالم النامي للدفاع عن مصالحها ومواجهة محاولات الدول الكبرى لتهميشها سياسيا وتجاريا.

واتسمت المواقف الهندية تجاه مصر وشعبها بالإيجابية حيث أيدت نيودلهي خريطة الطريق المصرية التي أعلنت عقب ثورة 30 يونيو عام 2013 والتي تمثلت في إقرار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مبدية احترامها ودعمها لإرادة الشعب المصري.

وأكد رئيس الهند براناب موخيرجي ورئيس الوزراء ناريندرا مودي – في رسالتي تهنئة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2014 -ثقتهما بان مصر ستشهد تحت قيادة الرئيس السيسي عصراً جديداً من الاستقرار والرخاء بينما أبدت الحكومة الهندية أيضا رغبتها في التعاون مع الرئيس السيسي لدعم العلاقات الثنائية لتلبية طموحات الشعبين.

وفى المقابل أعرب الرئيس السيسي -خلال استقباله المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الهندي في يوليو 2015 -عن تطلع مصر لتنمية العلاقات الثنائية مع الهند في مختلف المجالات، مشيداً بالتجربة الهندية في تحقيق النهوض السياسي والاقتصادي.

وفى بادرة تعكس حرص البلدين على تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في كافة المجالات التقى رئيس الوزراء الهندي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي مرتين، الأولي في سبتمبر عام 2015 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية في أكتوبر الماضي خلال قمة منتدى الهند وأفريقيا بنيودلهي.

وفى المجال الاقتصادي، تسعى مصر والهند الى تعزيز حجم التجارة الذي تجاوز 4 مليارات دولار، والاستثمارات المشتركة في ضوء التباطؤ الحالي في النمو والتجارة على المستوى العالمي، والنمو الاقتصادي القوى الذي حققته الهند خلال الأعوام العشرة الأخيرة والإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها حاليا مصر لدعم النمو وتعزيز بيئة الاستثمار.

وأظهرت البيانات الرسمية أن اقتصاد الهند حقق نمواً بنسبة 9ر7 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، في الوقت الذي حقق فيه اقتصاد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم نمواً بنسبة 7ر6 في المائة خلال الفترة ذاتها.

وتتوقع مؤسسات اقتصادية دولية من بينها جولدمان ساتش أن يصل معدل النمو الاقتصادي الهندي خلال العام الجاري الى 9ر7 في المائة مدعوما بالإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الهندية وزيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، والأجور الحكومية.

وشهدت التجارة والاستثمارات بين مصر والهند نموا ملحوظا خلال الأعوام الخمس الماضية رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، حيث حققت التجارة الثنائية بين الجانبين نموا قدره 60 في المائة خلال الاعوام الخمس الاخيرة لترتفع من 3ر3 مليار دولار عام 20102011 إلى 76ر4 مليار دولار عام 20142015، وبلغت قيمة صادرات الهند إلى مصر 02ر3مليار دولار بينما بلغت قيمة واردات الهند من مصر 74ر1مليار دولار، وبهذا تعد الهند ثالث أكبر مستورد من مصر بعد إيطاليا والمملكة العربية السعودية وعاشر أكبر مصدر لها.

ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في مصر أكثر من 50 شركة باستثمارات تصل الى 3 مليارات دولار (غالبيتها في القطاع غير النفطي)، وتوفر حوالي 35 ألف فرصة عمل للمصريين وتساهم بشكل كبير في نمو قيمة الناتج المحلى الإجمالي والصادرات بمصر.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأعمال المصري الهندي بكامل تشكيله اجتماعات بنيودلهي مطلع سبتمبر المقبل لبحث فرص الاستثمار بالسوق المصرية في إطار رغبة حكومتي مصر والهند في تعزيز الاستثمارات الهندية بمصر لترتفع إلى 8 مليارات دولار وحجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2018.

وفى ذلك الصدد قال رئيس الجانب المصري بمجلس الأعمال المصري الهندي خالد أبو المكارم، إن 14 شركة مصرية ستشارك في اجتماعات المجلس بنيودلهي، لافتا إلى أن المجلس بالتعاون مع الحكومة الهندية سينظم أيضا منتدى اقتصاديا لبحث وتعزيز فرص الاستثمار، والتجارة بين البلدين.

وتتمثل أبرز الاستثمارات الهندية في مصر – التي تتركز غالبيتها في المناطق المتاخمة لقناة السويس كالإسماعيلية والسويس وبورسعيد - في شركات الإسكندرية لأسود الكربون ، وأتوماتيك للصناعات ، ودابر مصر المحدودة ، وإيجيبت جلوبال سيلكات ، والمصرية الهندية للبوليستر ، وإمبى انترناشيونال للصناعات ، وإسيل بروباك مصر للتعبئة المتطورة ، وفيليكس بي فيلمز ، وهيئة الغاز الهندية المحدودة ،وجالكسي للكيماويات ، وكيرلوسكار برازرز المحدودة ، والمنصورة للراتنجات والصناعات الكيماوية ، وماريكو مصر للصناعات ، ومصر هايتك الدولية للبذور ، ومونجينى للأغذية والخدمات ، ونايل ايجبت للصناعات البلاستيكية ، وفارميد هيلث كير ، وسكيب للكيماويات ، وتى. سى. أى. سينمار للكيماويات، وأوبروى سهل حشيش، ومجموعة شركات فيلوستى.

من جانبه توقع سفير الهند في مصر زيادة الاستثمارات المشتركة في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لافتا إلى أن المستثمرين الهنود ينظرون إلى مصر على أنها سوق كبيرة مواتية على المدى الطويل.

ووقعت مصر والهند خلال العقود الماضية العديد من الاتفاقيات لدعم التعاون الاقتصادي والتجاري وتشجيع الاستثمارات المشتركة من أبرزها: اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي عام 1969، واتفاق إنشاء اللجنة المشتركة عام 1983، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة عام 1997، ومذكرة تفاهم في مجال ترويج وتنمية الصادرات عام 1998، ومذكرة تفاهم في مجال التجارة والتعاون الفني عام 2008.

وتسعى الهند من وراء تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع مصر الى زيادة حجم تجارتها مع القارة الأفريقية وخاصة عقب إطلاق منطقة التجارة الحرة بين التكتلات الأفريقية الثلاث: الكوميسا، وسادك وإياك والتي تضم في عضويتها 26 دولة أفريقية بشرم الشيخ في يونيو عام 2015، علاوة على الاستفادة من الميزات التنافسية التي تتوفر بالسوق المصرية.

ومن ناحية أخرى شهدت الهند تحولات بارزة منذ تطبيق سياسة الإصلاح والتحرر الاقتصادي خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وساهم ذلك في تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتكامل الاقتصاد الهندي مع الاقتصاد العالمي مما ساعد على نمو قطاع الأعمال الرسمي بتلك الدولة وزيادة حجم ناتجها المحلى الإجمالي إلى حوالي تريليوني دولار.

وتحتل الهند المرتبة الأولي عالميا في مؤشر النمو الابتكار والقيادة، والمرتبة الأولى أيضا على قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في المجالات الجديدة، وقائمة الاقتصاديات الأسرع نموا على مستوى العالم.

كما تقدم تصنيف الهند -التي تعد الوجهة المفضلة الاولى للشركات متعددة الجنسيات المتخصصة في مجال التكنولوجيا -الى المركز السادس عشر في مؤشر التنافسية العالمية عام 2015 – 2016.

وشهد قطاع التجارة بالهند نموا ملحوظا حيث بلغت حجم تجارتها حوالي 760 مليار دولار في العام المالي 20142015، وارتفعت قيمة الصادرات الهندية الى 310 مليار دولار وحجم وارداتها الى 450 مليار دولار في العام المالي 2014-2015 بينما زاد احتياطي النقد الأجنبي الى 367 مليار دولار في 19 أغسطس 2016.

وارتفع حجم التدفقات الاستثمارية الاجنبية المباشر بالهند بنسبة 24 في المائة لتصبح 9ر44 مليار دولار 2015 مقابل 36 مليار دولار في العام المالي 2014 رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

ومن ناحية أخرى ظهرت الهند كأحد أقوى الدول فيما يتعلق بالصفقات التي تتم حول العالم والمرتبطة بعمليات الاندماج والاستحواذ في عام 2014 حيث عقدت الشركات الهندية صفقات دولية بلغت قيمتها 1ر38 مليار دولار مقابل 2ر28 مليار دولار في عام 2013.

وشهدت الاستثمارات الهندية في الخارج عمليات تحول كبيرة ليس فقط من حيث الحجم لكن من حيث الانتشار الجغرافي. وبلغت الاستثمارات الهندية في أفريقيا -على سبيل المثال -32.3 مليار دولار من بينها 3 مليارات دولار في مصر وحدها بينما وصل حجم التجارة الثنائية بين الهند ودول أفريقيا إلى 72 مليار دولار في العام المالي 2014 – 2015.

وفى المجال الدفاعي والأمني يوجد تعاون وثيق بين مصر والهند في مجال الدفاع، والذي يتضمن تبادل زيارات المسئولين العسكريين، والتدريبات.

وفى السياق ذاته حذرت مصر والهند المجتمع الدولي من الخطر الذي يشكله الإرهاب على الأمن والاستقرار الدوليين، حيث أكدتا ضرورة تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف.

وتؤكد المؤشرات أن زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس السيسي للهند سوف تعد نقطة تحول فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين سياسيا واقتصاديا وأمنيا في ضوء تغير موازين القوى على الساحة العالمية وتنامى دور الهند السياسي والاقتصادي أسيويا وعالميا، وعودة مصر لممارسة دورها التاريخي والمحوري في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وعضويتها مصر غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي ومساهماتها الفعالة في دعم جهود تسوية المنازعات الإقليمية والدولية سلميا.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً