رأى كريستوفر كالدويل، المحرر البارز في صحيفة “ويكلي ستاندرد” الأمريكية، أن تركيا لم تتدخل في سوريا لمحاربة داعش، بل لقتال الأكراد، أعدائها القدامى.
وانتقد “كالدويل” ما ورد في تقرير بثته محطة “سي إن إن”، يوم الخميس الماضي، وجاء فيه إن "تركيا ترسل دبابات إلى سوريا، والهدف هو سحق داعش، وأنه آن الأوان لكي تنضم تركيا للحرب ضد التنظيم الإرهابي، بعدما ظن البعض أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان متساهل مع التنظيم، لدرجة السماح لبلاده لأن تكون قاعدة إمداد لجهادييه".
حماسة مفاجئة
وتساءل الكاتب، عما يكمن وراء تلك الحماسة التي أصابت فجأة الرئيس التركي، ودفعته للتدخل في سوريا. هل جرت العملية بتأثير الانقلاب الفاشل؟ وهل يعود السبب لخسائر بالجملة مني بها داعش منذ عامين، عندما دارت معارك حول مدينة كوباني، الكردية القريبة من الحدود السورية ـ التركية؟
حقائق مقلقة
ورأى "كالدويل" توفر الإجابة على الأسئلة السابقة حقائق مقلقة، فقد كتبت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، إن "داعش هو الحجة، والأكراد هم الهدف".
فقد أرسل "أردوغان" جيشه لسحق أكثر الفصائل البرية فعالية في محاربة داعش، قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري ( بي واي دي)، ووحدات حماية الشعب ( واي بي جي).
وعلى مدار سنين، قاد التمسك بالقومية الكردية لارتكاب عدة أعمال إرهابية، ما يثير دومًا هواجس أمنية لدى الأتراك. ونشرت صحيفة صباح التركية الصادرة في اسطنبول، يوم الخميس الماضي، عنوانًا رئيسيًا يخلو من أي ذكر لداعش، ويقول: "القوات التركية تقصف مواقع واي بي جي في شمال منبج".
إفراغ
ويلفت الكاتب، لتنفيد تركيا عملية إخلاء لمدينة "جرابلس" على حدودها، بعدما كانت تحت سيطرة داعش، ولو لم تسارع لتحقيق ذلك الهدف، لكان الأكراد قد سبقوها إلى المدينة، فقد قامت ميليشيات كردية بالتحرك شمالًا من مدينة منبح، التي سيطروا عليها في وقت سابق من الشهر الحالي، وقبل بداية العملية التركية في سوريا، انتهى ما يتعلق بها في الحرب على داعش.
تسليم
وقال محمد، أحد سكان جرابلس، في لقاء مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، إنه عبر ترتيب ما بدأ داعش بالانسحاب من المدينة قبل أسبوعين، وقد أخذ التنظيم معه رهائن من سكان جرابلس.
ووصفت وكالة أنباء "أي إن إف" الكردية، ما جرى بأنه "عملية تسليم من داعش إلى داعش عبر الجيش التركي".
أكراد منبج
ويقول "كالدويل"، إن أكراد منبج، وليس عرب جرابلس، هم من يقلقون الأتراك، كما يبدو واضحًا من خلال استعراض خريطة استراتيجية نشرها موقع تابع للجيش الأوكراني. فإن الأكراد يسيطرون على ثلثي الحدود الشرقية السورية مع تركيا، وعلى طول "كانتون" غربي يحيط بمدينة عفرين.
كما يوشك الأكراد على طرد "داعش" من آخر معقل له على الحدود التركية، ولو تحقق لهم هدفهم، لاستطاعوا توحيد منطقتين كرديتين فيما يطلقون عليه اسم روجافا (كردستان سوريا)، منطقة تمتد شمالًا من مناطق غنية بالنفط تحيط بالموصل، وصولًا إلى منطقة قريبة من المتوسط.
حماية وتوسيع
واعتبر الكاتب، أن الأتراك لم يغزوا الأراضي السورية إلا بهدف حماية وتوسيع منطقة فاصلة أنشأها "داعش" بين منطقتين كرديتين، وليس للرد على ما يقوم به التنظيم هناك.
وعند قيام "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي بزيارة إلى تركيا، تزامنت مع الغزو، أدعى رئيس الوزراء التركي، علي بن يلدريم، بأن بلاده حصلت على ترخيص أمريكي لإتمام العملية، وقال: "يقضي اتفاقنا مع الولايات المتحدة بوجوب انسحاب الأكراد من منبج وريفها نحو شرق نهر الفرات، وهذا التزام، بل ضمان، قدمته لنا الولايات المتحدة".
إدعاء
وفي تصريحاته من "ستوكهولم وريغا" خلال الأسبوع الجاري، أدعى "بايدن"، بأن الأتراك أصبحوا أخيرًا جادين بشأن الخطر الذي يمثله داعش، وأعتقد أنهم مستعدين لمواصلة جهدهم حتى القضاء على داعش، مهما طال الأمد".
ولكن، يقول الكاتب، عندما كان "بايدن" في إسطنبول، بدا وكأنه نسي وجود داعش، إذ قال: "لن يكون هناك ممر أو كيان مستقل على الحدود التركية، وستبقى سوريا موحدة.
وتابع، "وفيما يتعلق بمنبج، لقد أوضحنا لجميع العناصر التي تشكل القوات السورية الديموقراطية، واي بي جي، التي شاركت في تحرير المدينة، أنه يجب أن تنسحب عبر النهر، لن يستطيعوا ولن يحصلوا، وتحت أي ظرف، على الدعم الأمريكي، إن لم يطبقوا هذا الالتزام".
ثمن
ويلفت الكاتب، إلى أن "بايدن"، وعند توجيهه تلك المطالب للأكراد، لا بد أن يكون قد طالب الأتراك بمقابل، وقد يشمل ذلك الحد من أزمة اللجوء إلى أوروبا والتي تساهم تركيا في تحقيقه، ولكن من المؤكد أن ثمن تلك الصفقة سيكون باهظًا على الأتراك أيضًا.