يا رايحين للنبي الغالي.. هنيالكم وعقبالي، عندما كتبها أبو السعود الابياري وغنتها الفنانة ليلى مراد في فيلمها "بنت الأكابر" لم يكن في مخيلتهما أن تكون هذه الاغنية انشودة كل عام في موسم الحج، حيث يتغنى بها كل من لم يحالفهم الحظ في الفوز بمقعد الطائرة إلى المملكة العربية السعودية كي يؤدون المشاعر المقدسة التي يرتجف لها القلب.
كل عام في التاسع من ذي الحجة، افتح التلفاز باكرا لألحق بالحجاج على جبل عرفات يوم وقفة عيد الأضحى المبارك، انظر لهم واردد معهم "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك" بينما اتجاهل الدموع الراغبة في التواجد إلى جانبهم للتبتل والدعاء إلى الله، يشعر القلب بوحشة غير طبيعية قد لا يستوعبها الكثيرون ممن هم في سن الشباب الذي انتمي له، ولكن والدي الذي عودنا على مشاهدة هذا المشعر المقدس كل عام، ونحن صائمون لنحوز جزءا من الحسنات الكثر التي يحصل عليها الحجاج، هو سبب هذا الشعور الرائع الدافع لي بشدة على التفكير بقوة في زيارة الكعبة المشرفة والصلاة بجانب ضريح نبي الإسلام للاغتسال من الذنوب وتطهير الروح.
ولكن، بعد مرور هذا اليوم العظيم والاحتفال في أول أيام العيد بذبح الأضحية، كما افتدى الله سيدنا إسماعيل قبيل ذبح ابيه سيدنا إبراهيم له، يظل السؤال الاهم يراودني: هل سيسمح لي الله بزيارة بيته المكرم في القريب وهل استعددت لهذا اليوم العظيم؟، -سؤال مطلوب من كل فرد التشاور مع ذاته للإجابة عليه وعلى كثير غيره وهذا بالطبع بعيدا عن التفكير في شئون دنيانا التي لا تنفصل عن ديننا-، ومع ذلك اجابتي تتلخص في شعوري بمدى الانبهار الذي سأكون فيه لحظة وقوفي امام هذا الكيان المقدس وبالتالي ستنبع تحركاتي من الداخل بدون اي ترتيب.
يكتمل العيد بمتابعة الحجاج في توجههم إلى منى خلال ثاني أيام العيد لرمي الجمرات الثلاث، حيث يرمون في أيام التشريق الجمرة الصغرى ثم الوسطى فجمرة العقبة الكبرى، وقد كنت لا اعلم ما الحكمة من هذا المنسك ولكن الصدفة الجيدة جعلتني اتعلم ان هذا الرجم للشيطان جاء على خلفية اعتراض الشيطان لأمر الله لسيدنا إبراهيم بذبح ولده، حيث وسوس له بأن لا يذبح ولده فرماه بسبع حصيات، ثم انطلق فاعترضه أخرى فرماه بسبع، ثم انطلق فاعترضه ثالثا فرماه وأضجع ولده على جبينه وأجرى السكين على عنقه فلم تقطع، وناداه الله بقوله: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.. أي امتثلت لأمر الله وعصيت الشيطان، وسواء صدق هذا التفسير أم كذب إلا أنه يروقني، خاصة لتذكيرنا بضرورة ترك وساوس الشيطان والعودة لله ودينه الحنيف كي تسير أمور حياتنا في مسارها السليم.